خاص العهد
كيف أثّر فيروس "كورونا" المستجد على الاقتصاد العالمي؟
فاطمة سلامة
منذ اندلاع أزمة فيروس كورونا المستجد في العالم، واقتصادات الدول تشهد الكثير من "الضربات" المتتالية. خسائر يبدو من الصعوبة بمكان تعدادها وحصرها الآن، فالأوضاع الاقتصادية تتّجه نحو المزيد من التأزم. وكل ما حولنا ينذر بخراب اقتصادي أقفلت معه الحدود بين الدول. خراب قطع أنفاس العديد من القطاعات الحيوية، وهدّد مصير الكثير من الشركات حول العالم. دول كبرى وجدت نفسها مثقلة بالديون، وعاجزة عن بث الروح في اقتصادها المنهك. أحد الاحصاءات أشار الى أنّ مستوى الديون في قطاع الشركات الأميركية بلغ 75% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، وهو رقم قياسي لم يُسجّل في عز الأزمة المالية عام 2008. سرعة انتشار عدوى الفيروس، انعكست عدوى مالية أثرت بشكل سلبي على مختلف الأسواق حول العالم. كل المؤشرات الاقتصادية تشي بوضع مأساوي تعيشه الاقتصادات حول العالم. ركود وانكماش اقتصادي عالمي. النمو في تراجع مستمر، والاستثمار يكاد يكون منعدماً بسبب عامل الخوف. الطلب العالمي على النفط في أدنى مستوياته. القطاع السياحي في حالة يرثى لها. تقلبات كبيرة في الحركة التجارية، وقطاع التصدير مُني بخسائر واسعة قدرت بعشرات المليارات من الدولارات.
ولا شكّ أنّ الإحاطة بكافة جوانب الأزمة الاقتصادية العالمية تحتاج الى كتابة "مجلدات" نظراً للأزمة الكبيرة التي تعيشها الدول، خصوصاً الكبرى منها. فكيف أثّر فيروس "كورونا" المستجد على الاقتصاد العالمي؟.
الخبير الاقتصادي الدكتور كامل وزنة يتحدّث عن الانعكاسات التي أحدثها فيروس "كورونا" على الاقتصادات في العالم، فيؤكّد أنّ الأثر السلبي الذي أحدثه الفيروس المستجد على الاقتصاد العالمي كبير، وأرقامه تقدر بتريليونات من الدولارات قد لا نستطيع تحديدها الآن. ويستشهد وزنة على كلامه بسياقات التحفيز التي تتخذ عبر العالم على صعيد الدول الكبرى والتي بلغت أكثر من 5 تريليون دولار حتى الآن، وهو رقم كبير، بما فيه 2 تريليون دولار وهي مديونية للولايات المتحدة الاميركية لدعم شركاتها وقطاعاتها الحيوية. كما أن أوروبا والصين ودولاً عديدة في العالم بدأت تلجأ الى المديونية لمحاولة دعم شركاتها واقتصاداتها لعدم تدهورها الى حالة الانهيار الكامل. وفق حسابات وزنة، تأتي هذه المشكلة الاقتصادية في العالم كأول مشكلة حقيقية بعد الانهيار المالي الذي حصل في الاسواق المالية عام 2008، والذي بدأ في البنوك وانسحب على الاسواق، بينما اليوم بدأت المشكلة في الاقتصاد وانسحبت على الاسواق المالية والبنوك.
البطالة قد تطال أكثر من 20 مليون شخص في الولايات المتحدة
الى متى سيستمر الاقتصاد في التدهور؟ يجيب وزنة بالتشديد على أنّ المدة الزمنية تتوقّف على كيفية التعاطي مع الوباء المستجد وإيجاد لقاح أو دواء له، وهذا الأمر حتى الآن غير معلوم. إلا أنّ مختلف الحوافز التي تم إيجادها قد لا تكفي –برأي وزنة- لحالة الركود والبطالة التي سوف يشهدها العالم وخصوصاً الولايات المتحدة، والتي جاء على لسان وزير ماليتها انّ عدد العاطلين عن العمل قد يصل الى أكثر من 20 مليون شخص وهو رقم كبير. أضف الى ذلك تأثر عدد كبير من الشركات في مختلف القطاعات بما فيها قطاع السياحة وشركات الطيران والخدمات والفنادق. وبحسب وزنة، فإنه وبعد فترة من الأزمة والانهيار بالتأكيد سيكون هناك افلاس واعادة تنظيم للشركات في الولايات المتحدة الأميركية، فهناك قطاعات على حافة الافلاس. على سبيل المثال، دفع قطاع الطيران بالادارة الاميركية الى رصد أموال من أجل شراء أسهم شركات الطيران الأميركية للتقليل من حدة الخسائر، تماماً كما أنّ قطاع السيارات تأثر بشكل كبير في الولايات المتحدة. لذلك فإنّ الحزَم التي وضعت اليوم من قبل الكونغرس والتي قدرت بـ 500 مليار دولار لدعم الشركات، والاستثمار فيها، فضلاً عن إعطاء قروض سريعة لشركات صغيرة، هذه الحزم باعتراف الجميع داخل الولايات المتحدة تكفي لثلاثة أشهر فقط.
بالإضافة الى ما سبق، يؤكّد وزنة أن قطاع النفط الصخري وهو قطاع مهم تأثر بشكل كبير على الأقل في الولايات المتحدة الأميركية، اذ شهدنا هبوطاً لأسهم الشركات وصل في بعض الأحيان الى 70 و80 بالمئة. تماماً كما أنّ شركات النفط في أغلبها تأثرت، فسعر برميل النفط بدأ بالهبوط منذ حوالى الثلاثة أشهر، وانخفض من 66 دولاراً الى قرابة الـ 25 دولاراً للبرميل الواحد. كما أنّ الانهيار بدأ ينعكس على أسعار الغاز التي باتت في أدنى مستوياتها منذ عام 2009. وبحسب وزنة فإنّ القروض التي أخذت قد لا تكفي في هذا الوقت لانعاش اقتصاد الدول المتقدمة. وهنا يرى وزنة أن الاقتصادات في العالم ربما تحتاج الى سنوات لإعادة ما دمره الفيروس واستعادة الحياة الاقتصادية الطبيعية، وربما لن تستطيع بعض الشركات الخروج من المأزق. فمن يقول إنّ السياحة ستعود الى أوروبا وكل دول العالم كما كانت بالأمس؟.
فرصة للدول الفقيرة لتنشط في بيئتها
وبحسب قراءة وزنة، فإنّ فيروس كورونا سيغيّر الكثير من المعايير الاقتصادية. فالصين التي كانت المصدّر الأول في العالم، ربما لن تكون كذلك، لأن العالم سينظر بطريقة مختلفة الى الصادرات. كما أنّ الصناعة التي تم تجاهلها في الكثير من الدول على حساب تنشيط قطاعات أخرى كالخدمات والتكنولوجيا باعتبار أن جزءاً كبيراً من اقتصاد الدول الكبرى قائم على الخدمات، هذه الصناعة ربما تعود الى الحياة بسبب الظروف التي فرضها الفيروس المستجد، والتي انقطعت بموجبها خطوط التواصل عبر العالم فجأة. ربما سيغير الفيروس طريقة تعاطي الدول مع بعضها البعض، كما أن بعض الدول قد تأخذ منحى آخر من التعاطي الاقتصادي بسبب الظروف المستجدة، فالقطاع السياحي مثلاً تدهور بشكل كبير، وهناك الكثير من الدول ستخسر سياحياً كفرنسا التي تعتمد على 80 مليون سائح سنوياً، وايطاليا (ما يقارب 50 مليون). هذه القطاعات لن تعود بسهولة، وستأخذ وقتاً لالتقاط أنفاسها. وفق قناعات وزنة، قد تشكل هذه المحنة فرصة للدول الفقيرة لتحسّن من اقتصاداتها وانتاجها وتدعم جامعاتها ومدارسها وأن تنشط في بيئتها مقابل الاعتماد على الاستيراد في كثير من دول العالم .
دول الخليج الأكثر تضرراً
من أكثر الدول تضرراً؟ يوضح وزنة أنّ دول الخليج قد تكون من أكثر الدول تضرراً، لأن وارداتها تعتمد على عائدات النفط والغاز التي تقبع في أدنى مستوياتها، وقد تكون معرّضة للانهيارات الكبرى. فضلاً عن أنها لا تمتلك الأدوات المالية التي تسمح لها بإصدار وطبع العملات كأميركا وأوروبا والصين. ويوضح وزنة أنّ الدول الخليجية غارقة في الديون والانفاق العسكري، ما يضعها أمام مسؤولية حيال شعوبها سيما وسط التحديات الاقتصادية والمالية التي تواجهها والتي لا خروج منها سوى بالأمن المحلي، والتوقف عن الانفاق العسكري، واللجوء الى مفاوضات لايقاف اطلاق النار على الاقل ضمن رؤية واضحة. ويلفت وزنة الى أن ما يحصل ربما يوجه رسالة الى الدول الخليجية الأساسية بضرورة أن تقتنع بأن الامن ينطلق من الجوار ولا يأتي عبر البحار ومن دول عاجزة حتى عن إنقاذ نفسها وتأمين الأمن الصحي والبيئي لشعبها على المدى القصير والمتوسط والطويل.
أميركا من المخلّص الى العاجز
ويشدّد وزنة على أنّنا نتجه نحو نظام عالمي جديد لم تعد تنظر بموجبه الدول الى الولايات المتحدة كمركز ومخلّص للأزمات. فأزمة "كورونا" كشفت عن ضعفها، حيث أغلقت الباب على العالم ولم تستطع أن تقوم بأبسط ما هو مطلوب منها لإعانة ولاياتها ومستشفياتها وقطاعاتها المختلفة التي أصبحت في وضع صعب. لذلك فإن العالم بعد أزمة "كورونا" سينظر بطريقة مختلفة الى الولايات المتحدة الأميركية، لأنّ القيادة الموجودة في البيت الابيض أصبحت عاجزة عن تأمين الحد الادنى لشعبها.
وفي الختام، يشدّد وزنة على ضرورة أن نحمي الإنسانية في هذا العالم، والتي لا تتوقف لا عبر جواز سفر ولا حدود، وقد لاحظنا أن دولاً كبرى ضعيفة أمام فيروس بدأ بأربعة اشخاص وأصبح خطراً على العالم. ويدعو وزنة الى رفع العقوبات والحصار الاقتصادي عن دول عديدة في العالم ككوبا وايران وسوريا وغيرها، لأن شعوبها تستحق الحياة، وعلينا أن نتعاطى بمبدأ الانسانية لننتصر في هذه الحرب