خاص العهد
عملية القنيطرة .. حكاية أخرى
فاطمة ديب حمزة
رابع أعوام الحكاية، هناك، قريباً من حدود فلسطين المحتلة .. في ريف القنيطرة المحاذية للجولان المحتل، وسط لهيب القتال المستعر. أربع سنوات مرت لتتوسع معها الصور على فصول تلك الحكاية، المكتوبة بأسماء ستة من شهداء حزب الله، في عملية غدر صهيونية كان ما بعدها، ليس كما قبلها.
. . .
الدم المتجدد .. في ميدان جهادي آخر.
ليس جديداً الكلام عن عملية القنيطرة، لكن، كلما ابتعدت اعوام الحادثة كلما صارت صورتها أوضح وأوسع وأعمق وأكثر دلالة وجمالية في "ألبوم" صور عمليات المقاومة ضد المحتل مذ بدأت. يومها، كان الثامن عشر من أول شهر في العام 2015، وجه الصهيوني نار طائراته باتجاه موكب لحزب الله كان يقوم بجولة ميدانية في منطقة مزارع الأمل في ريف القنيطرة. 6 شهداء لحزب الله كانت حصيلة العملية هم:
الشهيد القائد محمد عيسى (أبو عيسى)، ونجل القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية، جهاد مغنية، والشهيد عباس حجازي، والشهيد محمد علي أبو الحسن، والشهيد غازي ضاوي، والشهيد علي ابراهيم.
جيل من الجهاد المتجدد، خاض طريق ذات الشوكة، وإنْ تبدل الميدان جغرافياً، لكن قاعدة المواجهة مع الصهيوني كانت واضحة أمام شهداء القنيطرة، وهي أن: طريق الصراع مع المحتل واحد.
باعتزار أعلن حزب الله عن أسماء شهدائه، وتوعد العدو. تقول عمة الشهيد جهاد وأخت القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية لموقع "العهد" الإخباري إن "الخبر كان صادماً ولو أنه كان متوقعاً"، وتضيف: "كيف لا يكون متوقعاً وهو ابن أبيه، وحامل سره وأمانته، وحافظ وصيته؟". لذلك، فإن "جهاد كان يعلم أنه يخوض طريق ذات الشوكة، وأن ثمن ذلك هو أعلى مستويات التضحية، ومع ذلك أصر على السير فيه مع رفاق الجهاد ".
تتبدل نبرة العمة عندما يتحول الحديث إلى أهمية وأبعاد العملية، وكأنها تعرف سراً عن "جهاد"، لتخبرنا بأنه "كان يعلم ماذا يفعل، ولماذا، وكيف يفعل ومن أجل ماذا يفعل. كان يعلم وجهة جهاده تماماً كوالده، إنها فلسطين".
لا يتبدل الكلام كثيراً عند "زينب" زوجة الشهيد "عباس حجازي"، وهي التي اختبرت الفراق غير مرة، مع أبيها الشهيد القائد أبو حسن سلامة وأخيها. "لكن لهذه الشهادة خصوصية"، تقول زينب لموقع "العهد" .. "خصوصية المكان، والزمان، والعدو، ورد المقاومة المزلزل، وحضور الشهادة بين جمهور المقاومة، كل ذلك أضاف اليها خصوصية .." وتضيف "زينب" باعتداد: "بعد عملية القنيطرة، وببركة دماء الشهداء الستة، صار الإسرائيلي يعلم بأن قواعد اللعبة مع المقاومة تبدلت". واضح أن رد المقاومة وقوته رد الاعتبار اليها.
قواعد المقاومة .. البيان رقم 1
كثيرة هي ملامح العملية في ريف القنيطرة، الجغرافيا هي أبرزها. هناك، بالقرب من الجولان المحتل، حيث الحركة تؤرق المحتل، وفي قلب الجبهة الاستراتيجية البعيدة مع التكفيري. اليوم، صار فهم هذه الملامح في معادلة الصراع مع الصهيوني أسهل، بعد أن ثبت لديه بالنار أن "قواعد الاشتباك" مع المقاومة تبدلت، وتوسعت، ولم تعد خاضعة. في حديثه لموقع "العهد" يشرح منسق شبكة أمان للدراسات الاستاذ أنيس نقاش، كيف ان "الإسرائيلي صار يعلم أن وجود حزب الله في سوريا يتعلق أساساً بمفهوم المقاومة ضده كمحتل ومعتدٍ، وأن "رسالة المقاومة له هي معادلة جديدة: بوصلة الصراع لم تنحرف، وإنْ تبدل الميدان، والهدف الأساس يبقى إزالة الكيان" يقوم "نقاش".
يجزم "نقاش" بأن في هذه العملية الكثير من أبعاد المواجهة بين محورين، وقد ظهر فيها محور المقاومة قوياً ومقتدراً، وتحديداً من سوريا المنهكة حرباً تكفيرية طويلة. هذا ليس عادياً، ولا عابراً، وهذا تحديداً ما جعل من البيان رقم واحد لرد المقاومة على العدو من نفس الجبهة، مرعباً وتحدياً بالنسبة لحكومة الكيان ومجتمعه، فكانت هذه أولى ملامح قواعد الاشتباك الجديدة في تاريخ الصراع، القائمة على "توازع الرعب" بين المقاومة والصهاينة.
رسالة الميدان وما بعده
ربما كانت صدفة، بعض تطورات عملية القنيطرة. لكن كان لا بد منها، في سياق تطور مفهوم المواجهة بين المقاومة والعدو الاسرائيلي أي، أنه كان على ذلك العقل الصهيوني أن يفهم أن الشروط تغيرت، والقواعد ايضاً، وأن تلك العملية التي وقعت على مفترق طرق، تتقاطع فيها نيران التكفيري والصهيوني، ارست قاعدتين:
الأولى، أن الدم الجهادي ممتد أباً عن جد، وجيلاً عن جيل، وقدرة عن قدرة، والبوصلة دائماً فلسطين.
الثانية، أن ميدان المواجهة صار أكبر، وأعقد، وأصعب، واللعبة فيه صارت بشروط أخطر.