معركة أولي البأس

خاص العهد

ما أبرز نقاط القوة في الخطة المالية الاقتصادية؟ 
09/05/2020

ما أبرز نقاط القوة في الخطة المالية الاقتصادية؟ 

فاطمة سلامة

منذ إقرار الخطة المالية الاقتصادية، باتت هذه الخطة الحدث الأبرز في معظم الأحاديث والمقابلات الاعلامية.  تشريح هذه الخطة بكافة بنودها جار من قبل أهل السياسة والاختصاص وغيرهم. البعض يذهب بعيداً في المعارضة ويرجم هذه الخطة. البعض الآخر يؤيدها، ويبدي في الوقت نفسه تحفظات على بعض بنودها. واتجاه يُبدي حماسة شديدة لهذه الخطة، مضيئاً على نقاط القوة والايجابيات التي تحملها. هؤلاء يتطلّعون الى الشكل قبل أي شيء آخر. برأيهم، فأصل إقرار هذه الخطة هو بمثابة إنجاز بغض النظر عن التفاصيل. فكيف إذا كنا سنتحدّث عن الظروف التي أحاطت بهذا الإقرار، والمالية العامة المتعبة والمنهكة؟. كيف إذا كنا سنتحدّث عن ضبابية وعشوائية تسود إدارات الحكم في الدولة؟. كيف اذا كنا سنتحدّث عن الارث الثقيل الذي حملته الحكومة الحالية، ورغم ذلك لم تستسلم؟. في معرض حديثهم، يطرح الداعمون للخطة الكثير من الأسئلة. برأيهم، فإنّ رشقها بالحجارة في مهدها هو أمر لا يخرج عن اثنتين: إما نتيجة عدم حيازة المعرفة الوافية بحيثيات هذه الخطة وأبعادها، وإما لأهداف سياسية. النقد مطلوب شرط أن يكون بناء ومنطلقا من قواعد وأسس علمية ومنطقية واضحة، لا أن يكون انتقاداً لأجل الانتقاد ولأهداف سياسية بحتة. 

ولا شك وبغض النظر عن الآراء المختلفة حيال الخطة، يبقى إقرارها بمثابة خطوة متقدّمة ومهمة، مع الإشارة طبعاً الى أنّه من المبكر الحكم عليها بشكل نهائي وجلدها لأجل الجلد فقط. وحتى لو سُجّلت ملاحظات معيّنة على هامش الخطة -وهذا أمر طبيعي- من المفيد الإضاءة على نقاط القوة وأبرز الإيجابيات التي تضمنتها خطة التعافي المالي. 

وزير الاقتصاد: الخطة تعطي صورة واضحة عن مشكلتنا

لدى سؤال وزير الاقتصاد راوول نعمة عن إيجابيات الخطة، يفضّل في حديث لموقع العهد الإخباري التطلع الى الشكل أولاً، قبل الذهاب الى المضمون. أبرز نقطة إيجابية في ملف الخطة المالية الاقتصادية هو أصل وجود هذه الخطة. برأيه، فإنّ إنجاز هذه الخطة التي تشكّل الأساس للبحث في كيفية حل مشاكلنا والتفاوض مع صندوق النقد الدولي والدول المانحة يُشكّل إيجابية مهمة. ثاني النقاط الإيجابية -برأي نعمة- تكمن في أنّ هذه الخطة تعطي صورة واضحة عن مشكلتنا، بمعنى تُحددها بدقة؛ فعندما لا يعرف الشخص ما هي مشكلته حكماً لن يتمكّن من حلها. يُشبّه المسألة بالطبيب الذي يصف الدواء بلا علاج. حينها لن يكون الدواء نافعاً، أما اذا وصف الدواء بعد الفحص، فإنه حكماً سيعطية العلاج اللازم. وهذا الأمر -وفق نعمة- ينطبق علينا، فهذا العلاج يجب أن نعمل لانجازه بالتعاون مع الصندوق الدولي والدول المانحة. هاتان النقطتان الأساسيتان هما الأبرز، برأي نعمة، وكل ما عداهما يُصبح تابعا لهما. 

 

ما أبرز نقاط القوة في الخطة المالية الاقتصادية؟ 

 

وفي المضمون، ينتقي نعمة الصورة الكاملة والمتكاملة التي تقدمها الخطة عن الخسارة المتراكمة للبنان، اذ ان كل تلك الخسائر باتت واضحة بالمعلومات والأرقام تمهيداً للعمل على تعويض الخسائر. 

مستشار رئيس الحكومة: ثلاث إيجابيات رئيسية  

مستشار رئيس الحكومة للشؤون المالية الدكتور جورج شلهوب يُشدّد في حديث لموقعنا على أنّ الخطة تحتوي على الكثير من النقاط الايجابية شرط مقاربتها بطريقة موضوعية بعيداً عن السياسة. فإذا أراد البعض أن يقاربها بالنَفَس السياسي، بالتأكيد سيعمل على مهاجمتها. وفق شلهوب، فإنّ الهجوم الذي تتعرّض له الخطة تتعرّض له إما نتيجة عدم فهم حيثياتها، وإما نتيجة موقف سياسي مسبق، رغم أنّ هذه الخطة لا دخل لها بالسياسة بل هي خطة تقنية بشكل كامل. 

ويرى شلهوب أنّ الخطة تحتوي على العديد من النقاط المهمة، اذ ولأول مرة يُكشف عن الأرقام الكبيرة والخسارات التي يجب أن تكون معلومة للمواطن اللبناني ويجب أن يجري العمل على تنظيفها وشطبها. برأيه، ليس من المنطقي إبقاء هذه الفجوات الكبيرة موجودة وفي المقابل ننتظر أن ينمو الاقتصاد فجأة وبشكل سحري، أو ننتظر أن يعود المغتربون ويضعوا أموالهم في لبنان. هذا الأمر لن يحصل، وفق شلهوب، اذ لم يعد هناك ثقة، والجميع أصبح على علم ودراية بالوضع اللبناني ومشكلاته. أما كيف سنحل مشكلاتنا، فلا ينكر شلهوب أننا بالتأكيد سنواجه صعوبة، فهذا الأمر لا مفر منه، ونحن نعمل قدر الامكان على التخفيف من الصعوبات، بموازاة العمل على حماية أكبر عدد ممكن من المودعين.  ويتوقّف شلهوب عند هذه النقطة لافتاً الى أن البعض ينتقد ويقول ستتم حماية 98 بالمئة من المودعين، ماذا عن الـ2 بالمئة؟". برأيه، فإنّ المقاربة بهذه الطريقة خاطئة. رئيس الحكومة حسان دياب قال إن ما لا يقل عن الـ 98 بالمئة لن يتعرضوا لـ"الهيركات"، وهذا ليس معناه أنّ الـ2 بالمئة سيتعرضون لـ"الهيركات"، اذ من الممكن أن يطال الهيركات 1 بالمئة أو نصفاً بالمئة، ومن الممكن أن لا يطال أحداً. نحن نعمل وفقاً لطرق متعددة -يقول شلهوب- والاستعجال والحديث عن "هيركات" هو كلام سابق لأوانه. 

 

ما أبرز نقاط القوة في الخطة المالية الاقتصادية؟ 

ويُلخّص شلهوب أبرز نقاط القوة في هذه الخطة بثلاث: 

1- إصلاح وتنظيف النظام المصرفي لحماية النمو الاقتصادي. من وجهة نظره، فإنّ النمو الاقتصادي في أي بلد لا يستطيع أن ينهض دون مساعدة النظام المصرفي، وعليه، يجب تنظيف هذا النظام من الخسائر التي طالته. علينا بلورة نظام مصرفي قوي ليتمكّن من مساعدة الدولة ويستعيد دوره في استقطاب المودعين. إصلاح القطاع المصرفي يشكّل الطريقة الوحيدة لإعادة الثقة به. علينا تنظيف خسائره بشكل واضح، وهذا الأمر يعطي دفعاً للناس لبدء التعامل مع المصارف بحسابات جديدة. 

2- العمل على استرجاع الأموال المنهوبة، اذ ولأول مرة هناك بوادر قوية وجدية وتقنية لاسترجاعها قدر الإمكان. اليوم ليس باستطاعة أحد استرجاع الأموال المنهوبة مئة بالمئة، ولكن الحكومة تقوم بجهدها لاسترجاع ما أمكن من هذه الأموال لكي تكون منصفة مع الأشخاص الذين تعرضوا للغبن ليستفيد غيرهم بشكل غير قانوني، وهذه النقطة تساعد المواطن اللبناني وتدفعه الى الشعور بالعدل. هذا الأمر -وفق شلهوب- يدخل في مجال مكافحة الفساد، تلك النقطة المهمة جداً. وهنا يوضح شلهوب أنه ورغم كل الاصوات التي تقول بأن هذه القضية صعبة، علينا أن نحاول ولا نمتثل لكل الأقوال وتجارب الدول. ومن يعلم قد يكون لبنان أول بلد يُلاحق الأموال المنهوبة ويُحصّل قسما كبيرا منها. وفق قناعات شلهوب، من غير المنطقي البقاء مكتوفي الأيدي، علينا أن نعمل على هذا الأمر بشكل دقيق ونتعاون مع كافة الجهات السياسية والقضائية وغيرها. كما تلحظ الخطة في التفاصيل إصلاح النظام الضريبي وهذا أمر مهم، فالتهرب الضريبي هو جزء لا يتجزأ من الفساد.  

3- تحويل الاقتصاد الى منتج، فالحكومة وضعت برنامجاً واضحاً جداً لتنمية الاقتصاد وهناك الكثير من الطروحات جرى طرحها من قبل وزارات الصناعة، الاقتصاد، الزراعة، وجميعها جرى تضمينها داخل الخطة. وفق شلهوب، فإنّ الخطة مرنة وعلى هذا الأساس سيضاف اليها ما أمكن مستقبلاً لتحسينها. 

وفيما يوضح مستشار رئيس الحكومة أننا أنجزنا الخطة بشكل سريع وبشكل يعالج القضايا القديمة، يؤكّد أنّ البلد لم يعد يحتمل، فلا وقت أمامه ولا خيارات، وينوّه الى أنّ خطة التعافي المالية التي أنجزتها الدولة هي أول خطة في تاريخ لبنان بهذا الوضوح والدقة، اذ تحدد بشكل دقيق ما هي الخسائر التي يجب أن تتم معالجتها. كما أنه ولأول مرة تجري مصارحة الشعب اللبناني بالأرقام والحقائق. في السابق، كان هناك تكهنات فقط بأن هناك خسائر وسرقة ونهب، اليوم نحن نعرض هذه الخسائر، رغم أننا لم نتهم أي جهة أو حزب، بل نعد بالعمل على معالجة مجموعة مشاكل متنوعة في النظام المصرفي والاقتصادي وغيره. 


بساط: الوثيقة الرسمية الأولى 

رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي التابع لوزارة المال الدكتورة لمياء المبيّض بساط تستهل حديثها لموقع "العهد" الإخباري بالتأكيد أنّ هذه الخطة هي الوثيقة الرسمية الأولى التي تقدم تشخيصا واقعيا ومفصّلا وعميقا للواقع الراهن. برأيها، فإنّ الخطة تشكل قاعدة جيدة للمصارحة المجتمعية ولنقاش مبني على حقائق علمية، مع الإشارة الى أنّ المهم بعد هذه الخطوة هو أن تتمكّن الخطة من تقديم شرح واف للناس والمجتمع الى أين سنخرج، بمعنى الى أي اقتصاد سنصل وأي علاقات سنبني مع الخارج. 

 

ما أبرز نقاط القوة في الخطة المالية الاقتصادية؟ 

 

وتدخل بساط أكثر في العناوين التي تشكّل نقاط القوة في الخطة، فتوضح أنّ تحديد الخسائر الأولية بشكل واضح وصريح يقع على رأس النقاط الايجابية. قرأنا كيف أن الخطة تطرح حلولاً لتوزيع الخسائر المقدرة بميزانيات الحكومة ومصرف لبنان والمصارف بشكل علمي ومدروس. طبعاً، تجزم الخطة أن خروج لبنان من الأزمة غير ممكن بدون دعم خارجي، وترى أن الخيار المتاح هو طلب تدخل الصندوق والحصول على التمويل المقرر من "سيدر". 

وفي نقاط القوة، ترى رئيسة معهد باسل فليحان المالي والاقتصادي أنّ الخطة تشكّل قاعدة جيدة جداً للتفاوض مع الدائنين، اذ من المهم جداً أن يكون لدينا تصور واضح لنتقدم للدائنين بخطة قوية تساعدنا للحصول على موقع متقدم بالتفاوض، ولذلك من المفترض أن يكون الصندوق والممولون الى جانب هذه الخطة.

كما تُشدّد مبيّض على أن إعراب الحكومة عن استعدداها للحوار المجتمعي، ولإدخال تحسينات مستقبلية على الخطة هو أمر يُعول عليه، ويمكن إدراجه في عداد نقاط القوة، وذلك بشكل تحظى هذه البنود بمقبولية كبيرة من قبل المجتمع والقطاع الخاص، ونستطيع على أساسه تخفيف أثر التكيف المطلوب على اللبنانيين بشكل عام والقطاعات الاقتصادية والفئات الأكثر فقراً. 
 
ومن الايجابيات أيضاً، تشير مبيض الى طرح الخطة لخطوات فورية للإصلاح وعلى عدة جبهات في إطار متكامل ومترابط. وكذلك، مساندة الاقتصاد المنتج، والإضاءة على الشق الاجتماعي وضرورة تأمين الحماية الاجتماعية، وإنشاء شبكات الأمان الاجتماعي. 

أما في النقاط التفصيلية، فهناك الكثير من النقاط الايجابية -تقول بساط- التي تلفت الى أهمية ترشيد الانفاق وإصلاح القطاع العام، بحيث تكون البداية من مؤسسة كهرباء لبنان. وتتوقّف بساط عند استعادة الانتظام المالي والموازنات العامة متوسطة الأجل، فهذه الأمور -بنظرها- ضرورية، كما تنوّه بالاصلاحات التي تطال النفقات، وتشير الى أنّ وضعها على مراحل يجعل تطبيقها ممكناً وناجحاً. ولا تنسى المتحدّثة في الختام الإشارة الى مسألة تحسين الامتثال الضريبي كمرحلة أولى من دون زيادة العبء الضريبي. هذا الأمر جيد خاصة أننا نعيش في اقتصاد منكمش وسيبقى كذلك على مدى السنوات القادمة.

راوول نعمة

إقرأ المزيد في: خاص العهد