خاص العهد
هل تحوّلُ الخطةُ المالية الاقتصادية اقتصادَ لبنان من ريعي الى منتج؟
فاطمة سلامة
في كل مرة يُشار فيها الى النظام الاقتصادي الحالي، يجري الحديث عن اقتصاد ريعي اتكالي. اقتصاد يسلك أقصر الطرق للحصول على متطلباته، فلا يتفوّق عليه أحد في الاستيراد ولا تسبقه دولة الى مد يد طلب العون من الخارج. الأرقام تُثبت حقيقة مُرة في هذا السياق. حقيقة جعلت الأمن الغذائي مهدداً اليوم بعدما باتت العملة الصعبة نادرة. فلبنان يستورد سنوياً بقيمة عشرين مليار دولار. الاستيراد لا ينحصر في قطاع معيّن أو خانة معيّنة بل يطال كل شيء تقريباً. التدقيق في لوائح الاستيراد يكشف عن وجه الاقتصاد اللامنتج، اذ يستورد لبنان مثلاً 3.4 مليار دولار مواد غذائية، 1.33 مليار دولار من الأدوية والمعدات الطبية، 1.09 مليار دولار من الأجهزة الكهربائية والإلكترونيات، 225 مليون دولار ألبسة وأحذية، 113 مليون دولار من الأثاث، و6.1 مليار دولار متفرقات، طبعاً بالاضافة الى أمور أخرى أساسية كالمشتقات النفطية وغيرها. والمؤسف في هذا السياق، أنّ لبنان يمتلك القدرات البشرية والطاقات والامكانات الكفيلة بأن يتحوّل اقتصاده الى منتج بكل ما للكلمة من معنى، اقتصاد يكفي أسواقه الداخلية وحاجات شعبه ولا يستورد إلا ما ندر من أمور لا يقوى على انتاجها وتصنيعها.
ومنذ سنوات نسمع أصواتاً تنادي بضرورة تحويل الاقتصاد في لبنان من ريعي الى منتج كمدخل لحل الأزمة الاقتصادية المزمنة. أصوات لم تنجح الحكومات السابقة في الاستماع اليها، قبل أن تُطرح قضية الاقتصاد المنتج من الباب العريض في الخطة المالية الاقتصادية التي أقرتها الحكومة مؤخراً. فكيف يُعلّق معنيون على بنود الخطة التي تلحظ تحويل الاقتصاد من ريعي الى منتج؟ وهل هناك إمكانية لتطبيق هذا الأمر؟.
الجميل: لأول مرة تنجز خطة كاملة متكاملة للاقتصاد
رئيس جمعية الصناعيين الأستاذ فادي الجميل يستهل حديثه لموقع "العهد" الإخباري بالإشارة الى أنّ لبنان ورغم كل ما يعانيه من مشاكل وخسائر لا يزال بإمكانه تدارك الأمر نظراً للطاقات الجمة التي يمتلكها والتي يجب الاستفادة منها.
ويرى الجميل أنّ الخطة حسناً فعلت حين سلّطت الضوء على حجم الخسائر وأعطت أرقاماً، كما ركّزت على الهدف الذي يجب أن نضعه نصب أعيننا وهو تخفيض حجم الدين بالنسبة للناتج الوطني، وقد بنت مخططها لتخفيض هذه النسبة، ونحن كصناعيين لطالما نادينا بهذا الأمر فكل بلدان العالم تعمل بهذه الطريقة، الأمر الذي دفعنا الى تلقف هذه المبادرة بكثير من الإيجابية. من وجهة نظر الجميل، لا تستطيع الحكومة تخفيض الدين العام بلا تكبير حجم الاقتصاد ليغطي جميع اللبنانيين.
وفيما يرى الجميل أنّ الصناعة تشكل رافعة لكافة القطاعات الاقتصادية الأخرى، يؤكّد أنه ولكي نصل الى الهدف المنشود طالبنا كجمعية صناعيين بتكبير حجم الاقتصاد، وعدم القبول بتصغير اقتصادنا طالما باستطاعتنا تكبيره. وفق قناعات الجميل، فإنّ التركيز على القطاعات الانتاجية هو أمر ليس مهماً للاقتصاد فقط والسياسة المالية، بل إن السياسة المالية من الصعب أن تنجح الا بالاقتصاد المنتج. بمعنى، لا نستطيع إنجاز خطة مالية فقط بل علينا تكبير حجم الاقتصاد عبر القيام بإجراءات مهمة. هذا الأمر مهم جدا -وفق الجميل- الذي يوضح أنّ الحكومة أشارت الى مواضيع عدة ضمن الخطة للانتقال الى اقتصاد منتج ودعم القطاعات الانتاجية.
ويطالب رئيس جمعية الصناعيين بتفعيل القطاعات الانتاجية ضمن الاقتصاد الحر، أسوةً بكافة بلدان العالم، آخذين بعين الاعتبار المعاملة بالمثل ومبدأ تكافؤ الفرص للصناعات اللبنانية. من وجهة نظر الجميل، فإنّ عدم الاكتراث للصناعة اللبنانية والقطاعات الصناعية في الماضي كشف عن نسبة بطالة عالية. والمؤسف أن لدينا طاقات كبيرة ونستدل على هذا الأمر بالكثير من الأمثلة، منها تصميم أجهزة تنفس لبنانية بسرعة قياسية وفي عز أزمة "الكورونا" التي جعلت هذه المادة الحيوية غير متوفرة في العالم. ويؤكّد المتحدّث أن الصناعة اللبنانية وعلى طول السنوات امتلكت طاقات مهمة لكنها لم تأخذ حقها كما يجب. ويوضح أن صناعاتنا تُصدّر الى البلدان الأرقى في العالم، ولا تقتصر على منتوجات تقليدية نفتخر بها، بل تطال صناعات متطورة، فمترو باريس مثلاً يعمل على محولات كهربائية من صنع لبنان.
وفي معرض حديثه، يشير الجميل الى أنّ الصناعة في لبنان تعاني من عدة مشكلات تتلخّص في محورين تحت عنوان "الاستيراد غير المحق": التهريب، والاستيراد الاغراقي الذي ينافس صناعاتنا. الأخير تعزّزه بعض البلدان التي تدعم صناعاتها وترسلها الى لبنان خلافاً لمنظومة التجارة العالمية. إضافة الى ذلك هناك مشكلة تتعلّق بالأكلاف، وهذه النقطة عملت الحكومة عليها في السابق، واليوم نطالب بتخفيض المزيد من الاكلاف من ضمنها أكلاف الطاقة، وهذا ما نعتبره استثماراً. وينوّه الجميل بعمل وزير الصناعة عماد حب الله، والخطة المتكاملة التي أنجزها لتعزيز الصناعة في لبنان، ويتمنى لو أن بعض عناوينها كانت قد أدرجت على بنود الخطة الرئيسية. ويُشدّد الجميل على أن الصناعة تحرك كافة قطاعات الاقتصاد، ومن هذا المنطلق فإن انجاز خطة مالية وحده غير كافٍ بل يوصلنا الى الخراب، مشدداً على ضرورة ممارسة المزيد من التقشف في الهدر والصفقات ومحاربة الفساد، وفي المقابل ممارسة الترف على كل شيء منتج في الاستثمارات.
ولا ينكر الجميل أن لدى الصناعيين تحفظات على بعض بنود الخطة لناحية المس بنسبة من الودائع، لكنه يراهن على الحكومة، معرباً عن ثقته برئيس الحكومة حسان دياب الذي يتصرف كرجل دولة وبالوزراء الذين يعملون بمسؤولية. وفيما يعرب عن رضاه بأنّ تشكّل الخطة مدخلا للبحث يبنى عليه لننطلق جميعاً، اذ ولأول مرة تنجز خطة كاملة متكاملة للاقتصاد لزيادة حجم الناتج الوطني، لا يبدو الجميل مرتاحا لأن يصبح حجم الناتج الوطني 30 مليار دولار بحلول عام 2024. برأيه، فإنّ لبنان يمتلك طاقات أكثر وعليه أن يطمح إلى رقم أعلى.
ترشيشي: الخطة تدعم الزراعة ونؤيدها مئة في المئة
من جهته، رئيس تجمع المزارعين والفلاحين في البقاع الأستاذ ابراهيم ترشيشي يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ الخطة الموضوعة تحتوي على العديد من الأمور الايجابية الداعمة للقطاعات الانتاجية من صناعة وزراعة. ويوضح ترشيشي أنه وبموجب الخطة يعمل لبنان على إنتاج كل ما يحتاجه المستهلك على الأراضي اللبنانية، وخاصة في الموضوع الزراعي، فهذا القطاع موسمي ويحتوي على دورة زراعية متواصلة. ويوضح ترشيشي أن بإمكان المزارع اللبناني استحداث زراعات جديدة، خصوصاً أن هذا المزارع خلاق ويمتلك حب الابتكار والتجديد.
ويوضح ترشيشي أن تنفيذ الخطة التي تحتوي على ضمانات تحمينا من المضاربات والتهرب الجمركي والمزاحمة غير المشروعة ويضبط مسألة الاستيراد لناحية التشديد على الضرائب التي وضعت أصلاً لحماية الانتاج اللبناني عبر التلاعب بوزن ومنشأ السلعة المستوردة، كل هذه الأمور هي بمثابة خطوة نوعية، وفق ترتشيشي، الذي يرى أن تطبيق هذه الخطوات يعزّز الانتاج المحلي ويملأ السوق اللبنانية بما تحتاجه، لا بل يُمكّننا من أن يكون لدينا فائض للتصدير.
ووفق ترتشيشي، فإنّ الخطة تسمح للمزارعين باستيراد المستلزمات الزراعية من بذور وأسمدة وأدوية عبر الطلب من المصارف فك الحجز عن الأموال التي تستورد المستلزمات الأساسية التي يحتاجها كل مزارع، أو السماح له بفتح اعتماد، أو إقراضه وهذا الأمر وفق المتحدّث مهم جداً لتسهيل الانتاج.
وفيما يلفت ترشيشي الى أنّ الخطة تلحظ مسألة دعم المزارع، يشير الى عدم تعويله على هذا الأمر، اذ لم يُنفّذ هذا الأمر سابقاً، ولا توجد احصاءات محددة تصنّف من هو المزارع من عدمه، ما قد يؤدي الى اختلاط الحابل بالنابل. ويوضح المتحدّث أنّ الخطة المعمول بها حالياً تشدد على دعم زراعة الشمندر، القمح، الدخان، وزراعة الأعلاف، وهنا يطالب الدولة بدفع حقوق المزارعين والاستحقاقات الخاصة بهم، واصدار آلية جديدة تتعلق بالقمح وتسعيره.
ويوضح ترشيشي أننا وعلى قدر ثقتنا بالحكومة لكننا نريد أفعالاً أكثر من الأقوال. برأيه، بإمكاننا توسيع الانتاج وتكثيفه، وبإمكاننا مساعدة المزارع لتخفيف الكلفة وعندها سيعمل على تكبير حجم انتاجه ما سيؤدي لتخفيض السعر.
وفي الختام، يُشدّد المتحدّث عن أهمية المزارع في المجتمع اللبناني، ويعرب عن دعمه للخطة مئة في المئة خاصة لجهة تحويلها الاقتصاد من ريعي الى منتج ودعم الزراعة، آملاً أن لا تبقى حبراً على ورق. ودعا النقابيين للوقوف الى جانب الحكومة وإعطائها فرصة كاملة لأن الأفكار جيدة والحكومة تعمل على إنجاز ما عجزت عنه الحكومات السابقة لسنوات.
حسان ديابخطة التعافي الماليةتجمع المزارعين والفلاحين في البقاعابراهيم ترشيشيجمعية الصناعيين اللبنانيينفادي الجميل