معركة أولي البأس

خاص العهد

15/05/2020

"المجلس الوطني لسياسة الأسعار" وحماية المستهلك: هل تذهب وزارة الاقتصاد نحو خطة أكثر تشدداً؟  

فاطمة سلامة

تحوّل الارتفاع الخيالي بسعر صرف الدولار الى "شماعة" يستخدمها التجار لرفع أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية بشكل جنوني. طبعاً، نحن لا ننكر الأثر الكبير لسعر الصرف على الكثير من المواد، من منطلق أنّ جل السلع مستورد، والدفع بالدولار. لكن أن تصبح الأسعار فالتة من عقالها بالشكل الذي نراه اليوم، فهذا الأمر يرسم الكثير من علامات الاستفهام عن ديدن الجشع والطمع الذي انتهجه بعض التجار، للاستفادة من الأزمة على حساب الفقراء. إطلالة سريعة على دراسة أنجزتها "الدولية للمعلومات" تبيّن حجم الارتفاع الخيالي لسلع كثيرة. وفي هذا الصدد، يؤكّد الباحث في الدولية للمعلومات الأستاذ محمد شمس الدين لموقعنا أنّ الدراسة شملت أسعار 100 سلعة غذائية واستهلاكية منذ تشرين الثاني 2019 حتى نيسان 2020. كلفة السلّة الغذائية والاستهلاكية بموجب الدراسة لعائلة مؤلفة من 5 أفراد ارتفعت من نحو 450 ألف ليرة شهرياً في بداية تشرين الثاني 2019 إلى 800 ألف ليرة في بداية شهر أيار 2020. ووفق شمس الدين، فإنّ نسبة الارتفاع بلغت 77.7% وهي نسبة مرشحة للتزايد. 

هذا الواقع دفع بوزير الاقتصاد راوول نعمة الى إعادة إحياء "المجلس الوطني لسياسة الأسعار" عبر دعوته للاجتماع. الهدف واضح وصريح، مناقشة قضية الأمن الغذائي وحماية المستهلك. فما هو "المجلس الوطني لسياسة الأسعار"؟ وما استراتيجية وزارة الاقتصاد لحماية المستهلك؟. 

عن هذه القضية، يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري مدير ​حماية المستهلك​ في ​وزارة الاقتصاد​ المهندس طارق يونس، فيؤكّد أنّ المجلس الوطني لسياسة الأسعار أنشئ منذ زمن بناء على المرسوم الاشتراعي  رقم 7137 الصادر بتاريخ 1974، لكن صلاحية الدعوة اليه تعود للوزير. اليوم وفي ظل الظروف الصعبة التي يعيشها المستهلك في لبنان، ارتأى وزير الاقتصاد انعقاده. ويشير يونس الى أنّ هذا المجلس ليس لديه سلطة تنفيذية، بل سلطة تشاورية وإصدار توصيات، يمكن الأخذ بها لناحية التنسيق مع الادارات الأخرى المعنية بالأسعار، خاصة وسط ارتفاع سعر صرف الدولار وارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية وغيرها.

القرار 277 يحدد هامش نسب الارباح التجارية

وفي معرض حديثه، يُرجع يونس ارتفاع أسعار المواد الاستهلاكية والغذائية الى سبيين رئيسيين؛ ارتفاع سعر صرف الدولار، وجشع بعض التجار والاحتكار. وهنا لا ينكر يونس أننا في نظام اقتصادي حر، فالسلع المسعّرة محدودة كالمحروقات، الخبز، الدجاج، الدخان والغاز، وكل ما عدا ذلك  خاضع للمنافسة. لكن يونس يستطرد بالإشارة الى أن القرار 277 الصادر عام 1972 يحدد هامش نسب الارباح التجارية، والتي تتراوح بين الـ5 بالمئة وصولاً الى الـ15 بالمئة. هذا القرار (277) يُعاد درسة من جديد -وفق يونس- لإضافة بعض المواد أو السلع التي لم تكن مدرجة كالكمامات وأدوات التعقيم، ولتغيير بعض النسب بشكل بسيط. ولا يخفي يونس أنّه ولأول مرة نشهد هذا الارتفاع الخيالي في الأسعار. للأسف فنحن نستورد معظم السلع وهذه السلع بالدولار والأخير ارتفع من 1500 الى 4200، حتى أن هناك بعض السلع ارتفع سعرها بعد أن تشددت الدول بتصديرها كالهند مثلاً التي منعت تصدير الأرز.

خطة وزارة الاقتصاد لحماية المستهلك

ما خطة وزارة الاقتصاد لحماية المستهلك؟، يجيب يونس على هذا السؤال بالتأكيد أنّ الوزارة تعمل على وضع لائحة بالمواد الاستهلاكية الأساسية، وخاصة الغذائية، وذلك بالتعاون مع وزارة الزراعة وبرنامج الغذاء العالمي لتحديد السلع الأساسية التي من الممكن أن يدعمها مصرف لبنان. طبعاً الموضوع بحاجة الى قرار من مجلس الوزراء -يقول يونس- لكن الواقع يفرض الاتفاق مع مصرف لبنان على هذه اللائحة لتأمين الدعم والذهاب به نحو الحكومة، تماماً كالدعم الحاصل على المحروقات والأدوية بنسب معينة. فلسفة الدعم تقوم -بحسب يونس- على تأمين الدولار للمستوردين بسعر صرف  دولار أقل من السوق، وفتح اعتمادات لهم، ما يمكّن المستورد من الاستيراد بسهولة، كي لا يحصل لدينا نقص في المواد بالسوق من جهة، وكي تنخفض الأسعار من جهة أخرى. ويوضح المتحدّث أنه إذا جرى تأمين اعتمادات لاستيراد بعض المواد الأساسية من المفترض أن يهبط سعر هذه المواد بالحد الأدنى من 20 الى 25 بالمئة، مع الاشارة طبعاً الى أنّ هذا الأمر يتوقف على سعر صرف الدولار الذي سيؤمنه مصرف لبنان للمستوردين. 

 

"المجلس الوطني لسياسة الأسعار" وحماية المستهلك: هل تذهب وزارة الاقتصاد نحو خطة أكثر تشدداً؟  

ماذا تضم اللائحة؟
 

يلفت مدير ​حماية المستهلك​ في ​وزارة الاقتصاد​ الى أنّ اللائحة المنوي دعمها تحتوي على حوالى 8 أبواب واسعة، بداخلها الكثير من العناوين الفرعية. الأبواب تضم: البقوليات والحبوب، الأسمدة الزراعية، الأعلاف الحيوانية، الطحين، الأرز، وغيرها من المواد، كما يجري العمل على إدخال السردين والطون. ويشير يونس الى أن مصرف لبنان قد يطلب حذف بعض المواد. أين أصبحت هذه اللائحة؟ وهل تنجز قريباً؟ يتحدّث يونس بكل صراحة، فوزير الاقتصاد يضع هذه القضية أولوية ويهتم بها كثيراً، لكنّ الموضوع رهن قرار مجلس الوزراء والاتفاق مع مصرف لبنان.  

وفيما يعوّل يونس على أهمية هذه اللائحة في التخفيف من تداعيات الأزمة، يلفت الى أنّ وزارة الاقتصاد تعمل على أكثر من موضوع في الوقت نفسه. تعمل على تكثيف قضية مراقبة الأسعار عبر التعاون مع الادارات المحلية كالبلديات التي باستطاعتها لعب دور كبير في هذا الصدد. ولم يعد خافياً على أحد أنّ عدد المراقبين في المديرية يبلغ 95 مراقبا فقط. هذا العدد مطلوب منه -بحسب يونس-  تغطية كافة المناطق في لبنان. كما أنّ المهام المطلوبة متنوعة ولا تقتصر على مراقبة الأسعار، بل سلامة غذائية، محطات وقود، مخالفة مولدات، وزن خبز الأفران، احتكار مازوت، وهذا من سابع المستحيلات. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة تدريب وزارة الاقتصاد لعناصر الشرطة البلدية الذين يمتلكون صلاحيات واسعة بموجب قانون البلديات، فلو أن كل بلدة راقبت أسعارها الغذائية، وغطت نطاقها الجغرافي لخفّت الأزمة. 

مخالفات متنوعة وتسجيل 800 محضر ضبط

ويؤكد المتحدّث أنّ هناك مخالفات متنوعة لمسناها على الأرض. هناك مخالفات بعدم إعلان أسعار، وهناك محلات تجارية تُبقي السعر على الرف كما هو، وتعمل على تغييره عند الصندوق، ما يؤدي الى خداع المستهلك، وهذه مخالفة كبيرة جداً. ويُشدّد يونس على أننا كمديرية حماية المستهلك عملنا على مراعاة المحلات كي لا تقفل، لكننا في الوقت نفسه لن نسمح بتحقيق أرباح غير منطقية وغير مبررة. هناك مخالفات كثيرة في هذا الصدد دفعتنا الى تسجيل 800 محضر ضبط متنوع منذ بداية العام حتى اليوم. لكن يونس يأسف، فهناك جهد كبير يبذل لكن لم تتم ترجمته دائماً لصالح المستهلك بسبب النصوص القانونية، وغياب الأحكام القضائية، وتعطيل الجلسات مع أزمة "كورونا". وبموازاة هذه الظروف، ذهبنا الى خيارات أقسى عندما صادرنا معمل دجاج بعد أن لمسنا ارتفاعا كبيرا جداً بالأسعار.  

ذاهبون نحو تطبيق خطة أكثر تشدداً  

وفي الختام، يعد يونس كمدير حماية المستهلك بأننا ذاهبون الى تطبيق خطة أكثر تشدداً قد تكون بالتعاون مع القضاء والقوى الأمنية للمحافظة على الأمن الغذائي. ويدعو المواطنين الى تزويد وزارة الاقتصاد بالمخالفات الفاضحة التي يشاهدونها، وبأن لا يكتفوا بالشكاية و"النق" فقط، بل يجب الابلاغ عن المخالفات، ونحن سنعمل ما بوسعنا وبالقدرات الموجودة لدينا لإعطائها الأولوية. 

فقيه: قضية بحجم وطن 
 
من جهته، رئيس الاتحاد العمالي العام بالإنابة الأستاذ حسن فقيه يؤكّد في حديث لموقعنا أنّ قضية إحياء المجلس الوطني لسياسة الأسعار أكثر من ضرورة في ظل الأوضاع الصعبة التي نعيشها اليوم، موضحاً أنّ الاتحاد انتدب ثلاثة أشخاص للمشاركة في جلسات هذا المجلس. 

 

"المجلس الوطني لسياسة الأسعار" وحماية المستهلك: هل تذهب وزارة الاقتصاد نحو خطة أكثر تشدداً؟  

لكن فقيه يُشدد في المقابل على أن قضية وضع حد للتلاعب بالأسعار والاحتكار هي قضية بحجم الوطن، وتتطلب تعاوناً من الجميع، لتطبيق القانون الذي حدّد هوامش الأرباح. وفق فقيه، على جميع المسؤولين والمعنيين التشدد في مراقبة المحلات التجارية لوضع حد للاحتكار وجشع التجار الذين عمدوا الى تخزين السلع والمواد الغذائية قبل أزمة ارتفاع سعر صرف الدولار، ليصار الى احتكارها.

غلاء الأسعار

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل