خاص العهد
مرة جديدة.. دمشق تكسر قواعد الاشتباك الصهيونية
حسين كوراني
طرحت الغارات الأخيرة التي نفذّها سلاح الجو الإسرائيلي على سوريا عددًا من التساؤلات حول المعادلة التي تريد قيادة العدو أن تفرضها على دمشق بعد تقهقر مشروع الإرهاب الذي ضرب المنطقة بدعم من واشنطن وتل أبيب وبعض الأنظمة العربية المتآمرة. خاصة أن هذه الغارات هي الأعنف منذ بدء الحرب الإرهابية على سوريا لجهة عدد الصواريخ والمواقع المستهدفة والاستمرارية في الطلعات الجوية حسبما أكد كيان العدو، وقد جاء الاعتداء في وقت كانت القمة العربية في بيروت تختتم أعمالها، وبعد حالة التخبط التي أحدثها قرار الانسحاب الأميركي من شرق الفرات السوري وسقوط عدد من الجنود الأمريكيين قتلى في منبج.
في مجريات الاعتداء، أكد مصدر أمني في الجيش السوري أن "وسائط الدفاع الجوية السورية تصدت بكفاءة عالية لعدوان جوي "إسرائيلي" استهدف المنطقة الجنوبية ومنعته من تحقيق أي من أهدافه، حيث تم إسقاط 38 صاروخًا إسرائيليًا أرض-أرض وجوـ أرض توزعت بين محيط العاصمة دمشق وريفها وريفي القنيطرة والسويداء". بالمقابل، زعم الناطق باسم الجيش الصهيوني أفيخاي أدرعي، أن الضربات كانت ضد أهداف فيلق القدس الإيراني بسبب قيامه بإطلاق صاروخ أرض-أرض متوسط المدى من منطقة دمشق باتجاه شمال هضبة الجولان، وحذر بيان لجيش الاحتلال من محاولة استهداف الأراضي المحتلة أو قوّاته.
أيًا كانت الأسباب وراء حجم الضربة، فإن طرفي الصراع الصهيوني وداعميه من جهة والسوري وحلفاءه من جهة ثانية يعملان على تكريس معادلة جديدة، الأول يزعم وعلى لسان قادته منع التموضع الإيراني في سوريا ومنع التهديد بإزالة "إسرائيل" وهذا ما أكده وزير الاستيطان الصهيوني يوآف غالنت بأن "إسرائيل لن تسمح بتأسيس جيش إيراني في سوريا وسنطرد إيران من سوريا، ولا يمكننا فتح جبهة أخرى لحزب الله في مرتفعات الجولان"، في حين اعتبر رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو أن "إسرائيل تعمل ضد "التخندق" الإيراني في سوريا". وتزامنت هذه المواقف مع تصريحات أدلى بها قائد القوات الجوية الإيرانية عزيز نصير زاده أكد فيها "استعداد قوات بلاده لخوض المعركة مع "إسرائيل" وإزالتها من الوجود".
وفي هذا السياق أكد الباحث في مركز دمشق للأبحاث والدراسات العميد تركي حسن لـ"موقع العهد الإخباري" أن الجانب الصهيوني المأزوم داخليًا يريد فرض قواعد اشتباك جديدة بزعمه ضرب مواقع لفيلق القدس وتدمير أسلحة استراتيجية قادمة من إيران، والغاية جر سوريا وحلفائها الى حرب يعتبر نفسه فيها المدافع عن نفسه بعد أن أيقن أن سوريا انتصرت على الإرهاب، مضيفًا أن "إسرائيل" تريد أن "تحافظ على قوة الردع التي لطالما تغنت بها للحفاظ على هيبتها داخليًا وخارجيًا".
بدوره، المحلل السياسي والعسكري السوري، الخبير الإستراتيجي العميد علي مقصود، وفي حديث لـ"العهد" اعتبر أن العدو الصهيوني أراد أن يوصل رسالة عبر اعتدائه الأعنف هذا في أن إيران هي المفتري بتسلحها في دمشق وبناء قواعد لها هناك، وأن ضرب هذه القواعد غايته استباق عدوان إيراني محتمل على "إسرائيل"، لإيهام الرأي العالمي أن إيران تريد أن تدمر "إسرائيل" كما يصرح قادتها"، مبينًا أنه "من خلال هذا الاعتداء تستدرج إيران وسوريا للرّد على الداخل الصهيوني وبهذا تكون تل أبيب قد جرّت المجتمع الدولي الى مواجهة شاملة ضد طهران ودمشق يحملهما أسباب وقوعها".
ورأى مقصود أن الضربة جاءت في وقت يريد به نتنياهو أن يثبت للرأي العام الصهيوني أنه وكوزير للحرب والأمن هو المسؤول الأول عن حماية المستوطنين من هجوم تحضر له إيران على الكيان، والغاية تلميع صورته داخليًا بعد ملاحقته قضائيًا بتهم فساد، بالإضافة الى إيصال رسالة خارجية مفادها أنه لو انتصرت سوريا في حربها على الإرهاب وساندتها كل من إيران وروسيا، فإن "إسرائيل" ستبقي على خطوطها الحمراء السابقة في أن دمشق وطهران هما العدوان الأولان لتل أبيب ويجب ضربهما"، واضاف أن "نتنياهو يعمل على إظهار جيشه كأنه ما زال قادرًا على الرد في أي لحظة بعد الانتكاسات الأخيرة التي مني بها في جبهات المقاومة للرفع من معنوياته المنهارة".
وختم المحلل السوري قائلاً: "سوريا وإيران والمقاومة أذكى من أن يستدرجوا لحرب يريدها الغرب بتوقيته بعد انتصارهم على الإرهاب، كما أن دمشق أصبح لديها خطوط حمراء في الرد على أي اعتداء يطال أراضيها. بالأمس اسقطت طائرة اف 16 واليوم اسقط 38 صاروخاً من أصل 43 وتم استهداف جبل الشيخ المحتل بصاروخ أرض أرض سوري".
ووسط صمت دولي إزاء الاعتداء الصهيوني، دعت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ، في مؤتمر صحفي لاحترام وحماية استقلال سوريا وسيادتها، مؤكدة وجوب امتناع جميع الأطراف المعنية عن الأعمال التي تنذر بتصعيد الوضع.. وأن تلعب دورًا في الحفاظ على الاستقرار والسلام في المنطقة".