معركة أولي البأس

خاص العهد

قبل مغادرته لبنان..السفير الروسي يتحدّث لـ
26/08/2020

قبل مغادرته لبنان..السفير الروسي يتحدّث لـ"العهد" عن خصوصية العمل الدبلوماسي في بيروت

فاطمة سلامة

يبدو السفير الروسي في لبنان الكسندر زاسبكين متحمّساً للعودة الى ربوع بلاده مع صدور قرار رئاسي بإنهاء مهامه الدبلوماسية في لبنان. الحديث معه يكشف مستوى الحنين لبلده الأم ولعائلته بعدما أمضى 47 عاماً من الخدمة الدبلوماسية في الخارج، عشر سنوات منها في بيروت. كل هذه المدة جعلت زاسبكين متشوّقاً للعودة خاصة أن فترة الشهر ونصف كعطلة صيفية سنوية ليست كافية ما يجعله مشجّعاً لتعويض ما فقده في السنوات الأخيرة وخاصةً أيضاً أن عودته هذه المرة الى موسكو هي عودة "تقاعدية". السفير الذي يتحدّث العربية بطلاقة بعدما قضى ثلثي سنوات خدمته في العالم العربي يشير في حديث لموقع العهد الإخباري الى أنّ العمل الدبلوماسي في لبنان يتميّز عن غيره من البلدان. العمل في بلاد الأرز يتميّز بكثافة الاتصالات واللقاءات ويتطلّب من أي سفير مستوى واسعا من التعمق في دراسة القضايا. وفق السفير الروسي -الذي يتحضّر بعد أيام للسفر الى موسكو- فإنّ العمل في لبنان يتطلب مستوى عاليا من التفكير السياسي ويتطلب من الدبلوماسي معرفة دقيقة بما يحدث للغوص ملياً في التفاصيل الكثيرة.

إلا أنّ الوضع بالنسبة لي كان مختلفاً عن عدد كبير من الدبلوماسيين الآخرين -يقول زاسبكين- نظراً لمتابعه الملف اللبناني منذ أواسط سبعينيات القرن الماضي، وعلى مدى عشرات السنين ما خوّله امتلاك خلفية جامعة لقراءة العمق الاستراتيجي لما يحدث في لبنان، ولهذه الأسباب لم يشعر بأي صعوبة في العمل. هذا بالإضافة الى عنصر آخر سهّل المهمة -يُسلّط عليه الضوء زاسبكين- وهو الانفتاح الروسي على كافة الأحزاب في لبنان، فموسكو تقف على مسافة واحدة من الجميع. 

وفيما يشير زاسبكين الى أنّ توقف العمل الدبلوماسي في لبنان لا يعني إيقاف التواصل مع الأصدقاء فيه وسط وفرة الاتصالات، يوضح أنه سيتابع من موسكو وبجهد شخصي ما يحدث ليس فقط في لبنان بل في الشرق الأوسط، ما يفتح أمامه مرحلة جديدة. 

وعلى الصعيد السياسي، يتمنى زاسبكين في حديث لموقعنا أنّ يتمكّن لبنان من تشكيل حكومة أكثر فعالية من الحالية، لكنه يعتبر أن لا شيء مضمونا حتى الآن نظراً لوجود اعتبارات سياسية للطرف الأميركي الذي يؤثر أكثر من الآخرين على الأوضاع اللبنانية. ويؤكّد زاسبكين أنّ الطرف الأميركي يفتّش عن وسيلة للضغط أكثر على الأوضاع في لبنان لاستخدام ذلك ضد المقاومة وبالتحديد ضد حزب الله، فهذا هو الهدف الأساسي بالنسبة للأميركي الذي لن ينجح وفق ما يؤكّد زاسبكين.

اقتصادياً، يعتبر السفير الروسي أنّ السلوك الأميركي كان مضراً بالنظام المصرفي اللبناني ما أدى الى الهلع وأوجد أزمة اقتصادية كبيرة في لبنان، فالهلع في الأوساط المالية خصوصاً في أوساط المودعين أخذ في الاعتبار السيطرة الأميركية على النظام المالي والمصرفي. 

وهنا نص المقابلة: 

س. ما رأيكم في الأوضاع العامة في لبنان اليوم خاصة بعد قضية تفجير المرفأ؟. 

ج. الأوضاع في لبنان باتت معروفة للجميع. كافة النقاط واضحة لناحية المسائل المالية والاقتصادية والمطالبات بزيادة فعالية مؤسسات الدولة، فضلاً عن الدعوات لتشكيل الحكومة الآن. وفق قناعاتي، اذا لم يحدث تحرك جدي من قبل مؤسسات الدولة فلبنان معرض لموجات جديدة من الحركات الاحتجاجية وهو ما بات يهدد الأمن والاستقرار. على السلطات الرسمية أن تتحرك سريعاً لإيقاف الانهيار وتغيير الوضع نحو الأفضل. طبعاً، هناك جانب آخر من الأزمة يتعلق بمواقف الدول الخارجية، اذ وبدون خطوات إيجابية من قبل الدول المانحة ذات النفوذ من الصعب أن يتجاوز لبنان كافة الصعوبات بقدرات ذاتية، المطلوب مساعدته لتخطي الأزمة. 

س. ذكرت حضرتك أننا قد نكون أمام موجات جديدة من الحركات الاحتجاجية. هل لديكم معلومات بأنّ هناك دولاً تدعم هذه الحركات؟. وهل هناك من هو مستفيد خارجياً من العبث بأمن وساحة لبنان؟. 

ج. المشكلة أنني لا أستطيع -حتى ولو كنت في حالة استقالة- الحديث عن تفاصيل ما يجري في لبنان من هذه الناحية. ولكن أستطيع أن أشير الى أن تكنولوجيا الثورات الملونة هي تكنولوجيا دولية تحصل خلال عشرات السنين. الدول الغربية بصورة متنوعة تقود هذه العملية في عدد كبير من الدول في الشرق الأوسط وأوكرانيا وبيلاروسيا وغيرها. هذه التكنولوجيا معروفة وهناك خصوصيات في لبنان. الأخير يختلف عن الدول الأخرى ولكن هناك أشياء مشتركة ما بين كافة الدول، وإحدى ميزات هذه الثورات هي التمويل المباشر من قبل المصادر الغربية للمنظمات غير الحكومية وللمجموعات التابعة للغرب والتي تنفذ الأوامر الغربية وهنا الخطر الأساسي  للثورات الملونة لأن الشعب الذي يشارك بهذه الثورات يريد الديمقراطية وحقوق الانسان وهذه الأهداف نبيلة وجيدة ولكن تحقيق هذه الأهداف عبر الثورات الملونة يؤدي الى تغييرها حيث تتحول الثورة الى شيء آخر وبنتائج مغايرة للأهداف. لدينا أمثلة عديدة للتطور السلبي لحركات الاحتجاج، وبالتالي تأخذ روسيا موقفاً حذراً من هذه الثورات رغم أننا متعاطفون معها ولكننا نحذّر من التداعيات السلبية المحتملة نتيجة التدخلات الخارجية للأطراف الذين لديهم أهداف أخرى. 

س. بعد نكبة بيروت الأخيرة، شهدنا تعاطفا دولياً غير مسبوق لناحية تقديم المساعدات من عدة دول ومنها روسيا. برأيكم هل هناك مساعدات مشروطة في سبيل البحث عن موطئ قدم سياسي في الساحة اللبنانية؟. 

ج. ردة فعل المجتمع الدولي على الأحداث الطارئة كالزلازل أو الانفجارات كما حدث في لبنان هي ردة فعل طبيعية وإنسانية، وأنا لا أرى فيها الكثير من السياسة بغض النظر عن المواقف من سياسة هذا البلد أو ذاك. بالنسبة لروسيا عندما يحصل أي طارئ فإنها تتحرك بسرعة لتجهيز طائرات ومشاف ميدانية، وأظن أن الدول الأخرى تسلك ذات الطريق. لكن في المقابل، لا أرى شخصياً فرقاً كبيراً بتعاطي الدول المانحة مع لبنان قبل وبعد الانفجار. العوامل السياسية لا تزال تلعب دوراً كبيراً في لبنان، وهذه العوامل معروفة والأطراف الأساسية التي تدير فيها الأمور معروفة خصوصاً لجهة أهداف الولايات المتحدة الاميركية في لبنان وأهداف حلفائها الذين ينسّقون سياساتهم مع الموقف الأميركي.

س. بهذا المعنى لا تخرج بعض المساعدات عن المعيار السياسي خصوصاً من جانب واشنطن، أليس كذلك؟. 

ج. هناك جانبان لهذه المشكلة. أولاً لجهة الموقف السياسي الأميركي الذي بات واضحا كل الوضوح حيث يركّز على ضرورة اتخاذ الاجراءات ضد المقاومة وبالتحديد ضد حزب الله. وهذه الإجراءات سوف تستمر لأن الأميركيين يحاولون الإيحاء بأنّ كل المشاكل هي نتيجة وجود المقاومة، وهذا الأسلوب لن ينجح بشكل عام ولكنه يترك أثراً على جزء من الفئة السياسية في لبنان، وأكرّر لن ينجحوا بهذه الطريقة لأنهم وبهذا الاسلوب لن يتمكنوا من الضغط على المقاومة لتحقيق أهدافهم. الشيء الآخر الذي أود الإضاءة عليه يتمثّل في الإجابة عن سؤال: ما هو المطلوب من لبنان؟. برأيي، هناك الكثير من الكلام والتوصيات بالإصلاحات خصوصاً من الدول الغربية. مطلب الإصلاح هو مطلب الجميع. وأنا أود أن أشير هنا الى أن 
ثمّة شيئا غامضا بموضوع الاصلاحات والمفاوضات بين صندوق النقد والحكومة التي تقول إنها بدأت بالاصلاحات. بالنسبة لنا، الصورة غير واضحة في هذا الصدد وننتظر النتائج التي يبدو أنها لن تكون قريبة أو جوهرية. اليوم عدنا للحديث عن تشكيل حكومة جديدة وكأنها ستكون أكثر فعالية من الحالية. نحن نتمنى ذلك لكن لا شيء مضمونا حتى الآن لأن هناك اعتبارات سياسية للطرف الأميركي الذي يؤثر أكثر من الآخرين على الأوضاع اللبنانية. 

س. أشرتم الى اعتبارات سياسية للطرف الأميركي في مسألة تشكيل الحكومة. بهذا المعنى هل يسعى الأميركي لفرض شروطه في تأليف الحكومة؟ .

ج. لا ندري لأن الأهداف الأميركية ليست مرتبطة بتشكيل الحكومة. تشكيل الحكومة هو جزء من صورة عامة. الأميركي يفتّش عن وسيلة للضغط أكثر على الأوضاع في لبنان لاستخدامه ضد المقاومة وهذا هو الهدف الأساسي للأميركي. 

س. فيما يخص اللقاح الروسي لمحاربة فيروس "كورونا". متى سيتوفّر في لبنان؟. 

ج. تتم الاجراءات الرسمية في روسيا لتصدير اللقاح الى الخارج. ونحن في المقابل لا ننتظر نتائج استكمال هذه الاجراءات بل نتواصل مع الأطراف المعنية في الدول بما في ذلك لبنان لتصدير اللقاح بلا مماطلة. بصراحة لا نعرف بالتحديد متى سيكون في السوق اللبناني، لكن أرجّح توفره خلال شهرين. ولا بد من الاشارة الى أنّ هذا اللقاح سيكون أولياً وخلال مرحلة قادمة سيكون لدينا أنواعا أخرى من اللقاحات الروسية لأن لدينا عدة مراكز علمية تعمل في هذا المجال. 

س. بالأمس شهدت منطقة الجنوب اعتداء "إسرائيلياً". كيف تعلقون؟

ج. لا أستطيع التعليق، ولكن من حيث المبدأ، شهدنا لفترة طويلة استقراراً للوضع في الجنوب ما يؤكد فعالية وجود قوات "اليونيفيل" الدولية. ولكن ما يحصل مؤخراً هو أن "إسرائيل" تقوم من حين الى آخر بغارات على أهداف في الأراضي السورية وهذا -كما هو معروف- يتطلب رداً من المقاومة. 

س. على الدوام، نرى موقفاً متمايزاً لروسيا لجهة التصرفات الأميركية، كيف تعلّقون على سياسة العقوبات المتبعة من قبل أميركا خصوصاً فيما يتعلق بالاتفاق النووي؟. 

ج. نعتبر أن هناك خرقا للشرعية الدولية من قبل الأميركيين، وهذا أمر خطير جداً لأننا نريد الحفاظ على العناصر الأساسية للشرعية الدولية لكن الاميركيين يخرّبون ذلك. وهذا يتعلق بمعاهدات الأمن الاستراتيجي والى آخره. وبالتحديد فيما يخص الاتفاق حول البرنامج النووي الايراني. التصرف الاميركي خطير ويؤدي الى تداعيات سلبية من ناحية الشرعية الدولية التي تُنتهك كما أن الاميركيين يتصرفون بمنطق غريب. فهم يطلبون من إيران الالتزام الكامل بكل ما ينص عليه الاتفاق، وفي المقابل يعلنون انسحابهم منه. هذا الأمر غير مقبول. بالنسبة لنا ولمن يؤيد الاتفاق سنواصل الجهود من أجل استمرار تنفيذ خطة العمل المشتركة الشاملة للاتفاق النووي. ولهذه الغاية، لدينا اقتراح لانعقاد لقاء للدول الخمس الدائمة العضوية لبحث الموضوع ولعدم توتير الاوضاع، وهذه الخطوة تأتي كدلالة أخرى على مبادرة روسيا على الدوام نحو  الخطوات البناءة أما الأميركيون فهم دائما يتصرفون خارج منطق الشرعية الدولية.

والجدير بالذكر أن ما يحصل هو جزء بسيط من حالة عامة دولية. الأميركيون يراهنون على استخدام الدور المميز للدولار. وتدرج أميركا هذه العملة لأهدافها السياسية وغيرها لإجراء منافسة غير عادلة مع شركات ودول وتثبيت النفوذ الاقتصادي الاميركي من خلال دور الدولار، وهذا ما لم يكن أثناء الاتفاقات الأولى حول الدولار ودوره. لكن اليوم تتصرف واشنطن بقرارات آحادية الجانب وهذا ما لا يقبله عدد كبير من الدول في العالم بما في ذلك الصين وايران وروسيا. لذلك فان الهدف الكبير لدينا هو الوقوف ضد سياسة العقوبات الأميركية التي تتوسع وتشمل الكثير من الدول ما يؤثر على الحركة الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية في العالم وحتى على الاوروبيين، ما يحتّم علينا الوقوف بحزم ضد سياسة العقوبات وضد الحروب الاقتصادية التي تخوضها أميركا. 

س. بما أنكم تطرقتم الى الحروب الاقتصادية التي تقودها أميركا ومسألة الدولار، نحن اليوم في لبنان نعيش ما يشبه العدوان الاقتصادي لا سيما وسط ارتفاع غير مسبوق لسعر صرف الدولار ووسط معلومات تفيد بأنّ أميركا سحبت الدولارات من السوق اللبنانية. برأيكم، هل تتحمل أميركا مسوؤلية ما يحصل في هذا الإطار؟. 

ج. نعم، كلنا يعرف هذه المعلومات. أنا لا أريد أن اؤكد أو أنفي صحتها، ولكن أريد أن أشير الى الشائعات المبنية على قرارات الخزينة الأميركية كإغلاق المصرف. كلنا يعرف أن الهلع في الأوساط المالية خصوصاً في أوساط المودعين أخذ في الاعتبار السيطرة الأميركية على النظام المالي والمصرفي ونحن نعرف أنه وفي كل مرة تلمح فيها وتعلن أميركا عن عقوبات جديدة تسافر الوفود الى واشنطن. هناك خوف لدى الناس في لبنان وهذه وقائع. فهل من الصدفة أن يبدأ الحراك الشعبي وتغلق المصارف ليصل اللبنانيون الى هذه الحال؟ الأميركيون يعرفون أكثر من الآخرين الوضع المصرفي في لبنان. كل ذلك لا يحتاج الى معلومات، وكل ذلك يوصل الى الاستنتاج أنّ السلوك الأميركي كان مضراً بالنظام المصرفي اللبناني ما أدى الى الهلع وأوجد أزمة اقتصادية كبيرة في لبنان، لأنّ النظام المصرفي يتطلب الاستقرار الأمني والمالي كي لا تضطر الناس الى سحب ودائعها. 

س. ما قراءتكم للأوضاع على الساحة السورية؟

ج. منذ فترة، تبدلت موازين القوى لمصلحة السلطات السورية، ونحن نواصل الدعم والتعاون مع الجيش السوري وحلفائه لاستكمال مهمة القضاء على الارهابيين ولاستعادة السيادة في كل أنحاء البلاد ولتأمين انسحاب القوات الأجنبية الموجودة بصورة غير شرعية وتأمين الأوضاع الانسانية. 

كما تعمل روسيا على مسار آستانة لترتيب الأمور في شمال سوريا، فضلاً عن أنّ هناك بعض القضايا الكبيرة في المجال الاقتصادي وعودة النازحين تحت عنوان "إعادة الاعمار في سوريا". وأود الإشارة الى أنّ حجم اعادة الإعمار لا يكفي للانتعاش السريع لأن الاوروبيين والخليجيين لا يشاركون في إعادة الاعمار. اما الاميركيون فقد ذهبوا أكثر من ذلك وفرضوا قانون "قيصر" المزعوم لمنع أي تعاون ما بين الاطراف الخليجية وسوريا. وبطبيعة الحال هذه الخطوة تندرج في إطار تعطيل اعادة الاعمار في سوريا. لكننا سنواصل العمل البنّاء انطلاقا من القدرات السورية والروسية وكافة الشركاء القادرين على تقديم العون والمساعدة في هذا المجال. وهنا أشير الى أن أي المحاولات لطرح شروط تعجيزية من قبل البعض لن تعطل مسيرة الحل في سوريا.

الكسندر زاسبكين

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة

خبر عاجل