خاص العهد
رفع الدعم كارثة اجتماعية: ما البدائل؟
فاطمة سلامة
كيفما اتجهنا نسمع من يهمس خوفاً وقلقاً من رفع الدعم عن السلع الأساسية (المحروقات، والقمح، والدواء) كما لوّح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قبل مدة. لا شك أنّ هواجس المواطنين في محلها، فأوضاعهم التي وصلت الى الدرك الأسفل لم تعد تحتمل المزيد من الأعباء. يُحكى في هذا الصدد عن أسعار خيالية لصفيحة البنزين وربطة الخبز والدواء. أسعار خيالية لمواد تشكّل جزءاً لا يتجزأ من يوميات المواطنين. وما يُثير القلق أكثر وأكثر، أنّ رفع الدعم عن هذه السلع سيدفع المستوردين لتأمين الدولار من السوق السوداء لاستيرادها، مع ما يرسمه هذا الأمر من سيناريو خطير جداً على مستقبل سعر صرف الدولار. الأخير من المتوقّع أن يحلّق بلا سقف والى أبعد الحدود. التحليق المذكور مرده الضغط الكبير والطلب الواسع على العملة الصعبة، وسط قلّة العرض، ما يعني ببساطة ارتفاع الأسعار الأساسية والاستهلاكية بشكل قد لا يتصوره عقل. الأمر الذي يدفع بنا الى السؤال عن البدائل الواجب على الدولة تأمينها -حال رفع الدعم- كي لا تتدحرج الأمور نحو الأسوأ ونصبح أمام سيناريوهات مُرّة قد تُفجّر الأوضاع أكثر فأكثر.
أحمد: الأولوية لإنشاء قاعدة بيانات لتحديد الأسر الفقيرة
الكارثة الاجتماعية التي ستحل في البلد جراء رفع الدعم، دفعتنا الى سؤال مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية القاضي عبد الله أحمد عما اذا كان هناك بدائل لدى الوزارة في حال رفع الدعم للتخفيف من الآثار الاجتماعية الكارثية. أحمد يؤكّد في حديث لموقعنا أن رفع الدعم معناه حصره بفئة معينة من المواطنين، وليس رفعه كلياً، بمعنى إعادة درس الدعم لتستفيد منه الأسر المحتاجة لتأمين احتياجاتها الرئيسية. لكنّ تحديد هذه الأسر -برأي أحمد- يتطلّب إنشاء قاعدة بيانات، وهو لهذه الغاية يناشد منذ فترة المنظمات الدولية التي تتحدّث عن فقر مدقع في لبنان يصل الى حد الـ23 بالمئة إنشاء قاعدة بيانات للأسر الفقيرة. وفق قناعاته، فإنّ الحديث في العموميات عن أرقام في الهواء هو كلام "فارغ" إن لم نحدد من هي هذه الأسر الفقيرة التي تتراوح بين الـ170 ألف والـ200 ألف أسرة. لا بد من تسمية هذه الأسر بالاسم كي يعرف المعنيون الى أين سيتوجهون بالدعم.
فوضى في سوق المساعدات
ويتوقّف أحمد عند الفوضى التي نراها اليوم من قبل المجتمع الدولي والجمعيات والمنظمات التي توجد بكثرة على الأرض لإعطاء مساعدات عينية وغذائية دون أن تتوجه بالمباشر للأسر المحتاجة فعلاً وفقاً لقاعدة بيانات محددة. وجود قاعدة بيانات واضحة يسهّل الحصول على هبات لا قروض، ويحدّد من الأسر التي تحتاج فعلاً الى الدعم. وهنا يتحدّث أحمد بكل صراحة: "كان هناك تردد في تحديد قاعدة البيانات، ولكن اليوم هناك تفاوض حول هذه النقطة، إلا أنّ الأمر لا يخلو من أن بعض المنظمات لديها تحفظات وأجندات واعتبارات تلعب دورها أحيانا في اتخاذ قراراتها".
نسعى لتأمين التمويل خلال ستة أشهر كبديل لرفع الدعم
ويؤكّد أحمد أننا كدولة وتحديداً وزارة شؤون اجتماعية نسعى جاهدين لتأمين التمويل خلال ستة أشهر حتى نتمكن بأسرع وقت ممكن من تأمين البديل عن رفع الدعم، بحيث يكون لدينا 200 الف أسرة محددة في حال رفع الدعم. وبحسب أحمد قد يتم وضع الأموال داخل البطاقات. تماماً كما سيحصل بعد مدة حيث ستتلقى 50 ألف أسرة دعماً مالياً لفترة سنتين من الاتحاد الأوروبي. وهنا يعيد أحمد التأكيد أن قاعدة البيانات تساعد المانح في تحديد خياراته بالدعم والمساعدة، لكن طالما لا يوجد قاعدة بيانات فنحن في المجهول، حيث ستلعب الاعتبارات دوراً في اختيار الأسر التي سيتم دعمها وستدخل السياسة والفساد في هذه العملية، أما وجود قاعدة بيانات علمية فسيعمل على تضييق هامش الفساد والسياسة بشكل كبير. كما يشير أحمد الى دور آخر لوزارة الشؤون الاجتماعية يتمثل في تقديمها والجمعيات الشريكة مروحة كبيرة من الخدمات من دعم غذائي ومعونات وخدمات متخصصة على أنواعها تمتد لتشمل رعاية الأطفال في المدارس والمعوقين وغيرهم.
لا حل سوى باستراتيجية الحماية الاجتماعية
سألناه: "لكن البعض قد يعتبر أن رقم الـ200 ألف ليس كافياً مقارنة بنسبة الفقر الموجودة في لبنان"، فيجيب أحمد :"أن الـ200 ألف أسرة يطال من يعانون من فقر مدقع أما الفقر العادي فيبلغ أكثر من 55 بالمئة". كيف سيتأمن الدعم لهؤلاء؟ يلفت أحمد الى ضرورة أن يكون هناك نظام للحماية الاجتماعية في لبنان، وهذا ما نعمل عليه منذ أكثر من عام، لكن هذا المشروع لاقى عراقيل عديدة ولأسباب كثيرة. وفق مدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية فإنّ هذه الاستراتيجية هي الحل الوحيد اذ ليس من المنطق القول إن هناك مليوني لبناني بلا رعاية في الوقت الذي يهدر فيه المال على الموضوع الصحي عبر إنفاق الجهات الضامنة ووزارة الصحة والأجهزة الأمنية وغيرهم أموالاً على الدعم الصحي. برأي أحمد، لو جرى ترشيد هذا الانفاق لكان هناك تغطية صحية لـ80 بالمئة من اللبنانيين.
عكوش: رفع الدعم دون تأمين البدائل سيودي بنا الى كارثة اجتماعية
الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ رفع الدعم دون تأمين البدائل سيودي بنا الى كارثة اجتماعية. وفق قناعاته، لكي ترفع الدولة الدعم عليها أن تؤمّن البديل وإلا سترتفع الأسعار أكثر في بلد يبلغ فيه الحد الأدنى للأجور 675 ألفا، وهو مبلغ لا يعادل وفق سعر الصرف 60 الى 70 دولارا، فيما يرجّح اذا ارتفع سعر الصرف أكثر أن ترتفع الأسعار أكثر وقد تصل الى خمسة أو ستة أضعاف. فماذا سيتشري المواطن بالـ675 الفا؟ يسأل عكوش الذي يوضح أن هذا الرقم قد لا يكفي مؤنة المواطن الشهرية من خبز وكهرباء.
مساران كبديل لرفع الدعم
ويعتبر عكوش أنّ هناك مسارين كبديل عن رفع الدعم:
رفع الرواتب والأجور
أول؛ يتمثّل برفع الرواتب والأجور بنسبة محددة لتعويض الخسارة التي لحقت بالقدرة الشرائية لدى موظفي القطاع العام والخاص، لكنّ علوش يلفت الى أنّ رفع الرواتب والأجور قد يكون ممكناً في القطاع العام اذا ما تم اعتماد سعر صرف السوق أو أقله المنصة في الرسوم الجمركية والقيمة المضافة، وهناك كتاب لوزارة المالية بهذا الخصوص لرفع سعر صرف الدولار الجمركي والقيمة المضافة. وهنا يؤكّد عكوش أنه في حال جرى رفع سعر الصرف الجمركي ستزيد واردات الدولة بنسبة كبيرة أقله 150 بالمئة، فلهذا الموضوع محاذير -بحسب عكوش- خصوصا أنّ أسعار المواد الأولية الاستهلاكية سترتفع أكثر وبنسبة تزيد عن العشرين بالمئة لأن الكلفة سترتفع ان كان من ناحية رسوم المرفأ أو الرسوم الجمركية او ارتفاع رسم الـtva لأن هذا الرسم يدفعه المستهلكون.
أما القطاع الخاص، فلا يرى عكوش أنه قادر على زيادة الرواتب والأجور في هذه الفترة. معظم القطاع الخاص يعاني من دفع كامل الرواتب فكيف اذا كنا سنطلب منه زيادة الرواتب للموظفين؟ هذا الأمر صعب جداً -بحسب عكوش- الذي يشير الى أنّ رفع الرواتب والأجور في هذا الوقت صعب جداً ما يحتم علينا الذهاب الى طرح منطقي ومعقول في هذه الظروف.
دعم العائلات مباشرةً
الطرح المنطقي والمعقول يطرحه عكوش كمسار ثان يتمثمل بدعم العائلات مباشرةً. هذا الخيار كان مطروحاً منذ بداية العام، ولو تم الذهاب اليه لما وصلنا الى ما وصلنا اليه حيث استنزف مصرف لبنان احتياطه من العملات الأجنبية وتراكمت الخسائر ووصلت الى 66 الف مليار ليرة في نهاية أيلول. وعليه، فإنّ الحل الأمثل -برأي عكوش- هو الذهاب نحو دعم العائلات ببطاقات يتم وضع الأموال "كاش" بداخلها لكل عائلة بحسب حجمها وعدد أفرادها، على أن يتم وضع مبالغ شهرية ليشتري المواطن حاجاته الاستهلاكية.
هل بإمكان الدولة دعم العائلات مباشرةً؟. وفق عكوش، بإمكانها تغطية مليون عائلة بكل سهولة. المساعدة ستشمل بتقديره موظفي القطاعين العام والخاص والفقراء. يجري عكوش عملية حسابية بسيطة: اذا ما وضعت الدولة شهرياً 100 دولار وفق سعر السوق أي 800 ألف ليرة لمليون عائلة، سيبلغ المجموع مليار ومئتين مليون دولار سنوياً، وهو رقم أقل بكثير مما ندفعه اليوم ككلفة دعم لسلع أساسية شهرياً والتي تبلغ ما يفوق الـ600 مليون دولار. ويلفت الى أن نسبة المتضررين من سعر الصرف تزيد عن 90 بالمئة من العائلات اللبنانية، اذ انخفضت القدرة الشرائية لدى كل المواطنين والهدف من هذه البطاقة -برأي عكوش- أن تتمكن العائلات من تأمين احتياجاتها وموادها الاستهلاكية التي تبدو بأمس الحاجة اليها.
وفي معرض حديثه، يشدد عكوش على أن سياسية الدعم يجب أن تستمر أقله لثلاث سنوات حتى ينهض لبنان وتتحسن أوضاعه وينتعش القطاع المصرفي. الأخير طالما أنه غير فعال وغير نشط معناه أن اقتصادنا سيبقى على هذا المنول. ويعتبر عكوش أننا اذا أردنا أن نعيد الحياة للاقتصاد، علينا أن نعيد تفعيل القطاع المصرفي عبر عدة خطوات منها إعادة الودائع المخزّنة في المنازل الى المصارف، اذ هناك 30 ألف مليار ليرة وما يفوق الخمسة مليارات دولار موجودة بين يدي الناس والشركات، في الوقت الذي ينخفض فيه احتياطي مصرف لبنان بشكل "تراجيدي"، اذ خلال 15 يوما الأخيرة من شهر أيلول بلغ الانفاق 2.24 مليار دولار، وهذا رقم كبير ويشكّل نكبة -يضيف عكوش- ونحن نعلم جيداً أن الاستيراد انخفض كثيراً عن الاعوام الماضية. الواردات بلغت في الستة أشهر الأولى من السنة الحالية 5.3 مليارات دولار، والصادرات 1.7 مليار دولار أي ان العجز التجاري لا يزيد عن 3,5 مليار دولار، بينما كان العجز سابقاً 9 مليارات خلال ستة أشهر.
لتنشيط القطاع المصرفي
وفي الختام، يشدّد عكوش على أنه اذا فعلنا القطاع المصرفي، وعادت الحوالات المالية الى الداخل وفعّلنا القطاع السياحي والخدمات، سنحقق فائضاً في ميزان المدفوعات ما يعزّز احتياطي العملات الصعبة بمصرف لبنان. لكن عكوش يوضح أنه اذا لم ننشّط القطاع المصرفي لن ينتعش احتياطي مصرف لبنان، واذا لم تتسلم المصارف التجارية ودائع جديدة سنشهد المزيد من الاستنزاف في الاحتياطي الأجنبي. وفي هذا الصدد، يذكر عكوش أن إعادة إحياء القطاع المصرفي تتم عبر اعتماد جملة من الخطوات من ضمنها إقرار تشريعات وقوانين جديدة، فضلاً عن تقديم تحفيزات لأصحاب الودائع الجديدة مع ضمانات من قبل مصرف لبنان والمصارف التجارية بقانون واضح وتشريعات تضمن عدم المس بودائع المواطنين.