خاص العهد
"كورونا" لبنان..الوضع محرج: هل بات الإقفال العام "أبغض الحلال"؟
فاطمة سلامة
كل يوم يمر، يتّجه فيه الوضع "الكوروني" من سيئ الى أسوأ. عداد الإصابات يسير نحو التصاعد، والقدرة الاستيعابية للمستشفيات أيضا. حالات عدة بدأت تشكو من عدم وجود أماكن لها في المستشفيات. تحذيرات من سيناريوهات سيئة جداً تنتهي فيها حياة الأفراد عند أبواب المستشفيات أو في الطرقات في حال استمر الوضع على ما هو عليه. ولعلّ أكثر ما يستدعي الأسف يكمن في الاستهتار الحاصل والذي لم تنفع معه لا تحذيرات ولا دعوات. كثر لا يزالون يعتبرون كورونا "مزحة" حتى تحل الكارثة في عقر دارهم. ووسط هذا الاستهتار لم تنفع مجمل التدابير التي تتخذها الدولة، فالإقفال الجزئي الذي لجأت اليه على أنه أهون "الشرّين" وسط الاقتصاد الصعب والمتردي يبدو أنّه غير نافع. لم يؤت أكله ولم يؤخّر في عداد الإصابات نتيجة الاستخفاف الموجود بأرواح الناس. وعليه، يبرز الى الواجهة الحديث عن ضرورة الإقفال العام. الأخير دونه محاذير أولها اقتصادي. فكيف يبدو المشهد "الكوروني"؟ ماذا عن واقع المستشفيات؟ وهل بات الإقفال العام ضرورة لتدارك الأسوأ؟.
خوري: الإقفال العام هو الخيار الأفضل ولكن...
مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الصحية والاجتماعية النائب السابق الدكتور وليد خوري يلفت بدايةً الى ما بات معروفاً لناحية أنّ المشهد "الكوروني" في لبنان سيئ، فالكثير من المناطق صُنّفت في الدائرة الحمراء نظراً لتجاوزها الثمانية بالمئة ألف في النهار الواحد. هذا الرقم يشكّل إشارة عالمية ـ وفق خوري ـ الى أنّ الفيروس يتفشى، وعليه لبنان في وضع لا يحسد عليه كما البلدان في العالم. يعبّر خوري عن تأييده للإقفال العام فهو الخيار الأفضل شرط أن يضاف اليه منع التجول نهائياً، ولكن هذا الأمر يحتاج الى تقديمات من الدولة والى وجود قوى أمنية تفعّل عملية المراقبة وتفرض غرامات كبرى على عدم الالتزام. بتقدير خوري، بهذه التدابير يمكننا خفض الأرقام.
عدم إقفال مدينة بيروت أوجد مشكلة
وفي معرض حديثه، يتطرّق خوري وهو عضو لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية لفيروس "كورونا"، يتطرّق الى التجربة التي خاضها لبنان مؤخراً لناحية الإقفال لضبط الأوضاع الصحية، لكنّ الوضع الاقتصادي الصعب حدا بالبعض داخل الحكومة الى معارضة الإقفال. وبناء عليه، عملت لجنة "كورونا" للتخفيف من حدة تداعيات الفيروس عبر اللجوء الى خطة إقفال القرى التي تشهد انتشاراً بالفعل، وهو ما كان عبر الإقفال الجزئي، ولكن المشكلة تكمن في عدم إقفال مدينة بيروت رغم وجود إصابات كبيرة فيها، وسط اعتراض البعض على إقفالها. هذا الواقع دفعنا الى المطالبة بإقفال شوارع في بيروت، إلا أنّ هذه الفكرة لاقت اعتراضاً أيضاً.
جردة حساب لمرحلة الإقفال الجزئي
ويجري خوري جردة حساب لمرحلة الإقفال الجزئي التي حصلت خلال الأسابيع الماضية، فيلفت الى أنّ هذه التجربة لم تؤت أكلها لأنّ الناس لم تلتزم والشوارع بقيت مفتوحة وبقي الاختلاط بين منطقة وأخرى قائماً. أكثر من ذلك، كان من واجب المعنيين مراقبة القرى لمعرفة مستوى الانتشار لكن هذا الأمر لم يحصل. بحسب خوري، وصلنا الى مرحلة استمرار التفشي حتى مع الإقفال الجزئي، وعليه بات الإقفال العام ضروريا، لكن دونه محاذير كبيرة لناحية ضرر الاقتصاد من جهة والخوف من عدم الحصول على النتيجة المرجوة من جهة ثانية.
قرار الإقفال العام لم يبت
ويوضح خوري أنّ الاجتماع الوزراي الذي عقدته خلية الأزمة الإثنين الماضي اتخذت فيه الخلية قراراً بإقفال البلاد لأسبوعين وسط انقسام الرأي حول ما اذا كان الإقفال سيشمل المطار أم لا. وهنا يشير خوري الى أن لا قرار حتى اللحظة بالإقفال العام، وسط عدم قدرة اللجنة الوزارية على اتخاذ القرار منفردة بهذا الصدد، فالمسألة تتطلب وجود الحكومة مجتمعةً. القرار الذي اتخذته اللجنة غير ملزم، ويتطلّب رفعه إما للحكومة وهي غير موجودة أو لمجلس الدفاع الأعلى. هناك إشكالية تنفيذية ـ بحسب خوري ـ والبحث جار عن فتوى لحلها، فيما لم يتم التبليغ عن اجتماع لمجلس الدفاع الأعلى على أن تتضح الصورة لاحقاً.
الإقفال العام يتطلّب مراقبة جدية
ويشير خوري الى أنّ الإقفال العام الذي شهده لبنان في بداية أزمة "الكورونا" شهد نوعاً من الالتزام، ولكن الواقع الحالي لا يبشّر بهذا الأمر خصوصاً بعد تجربة الإقفال الجزئي ووسط غياب المراقبة الجدية التي يجب أن تحصل سواء من قبل القوى الأمنية أو البلديات. ووسط هذه الأجواء، يعرب خوري عن مخاوفه في حال أقفل البلد كاملاً من أن لا نشهد التزاماً في كل لبنان خاصة أن الوقت الاقتصادي صعب وفي بلدان أخرى تقدم الدول تقديمات مقابل الطلب من المواطنين ملازمة منازلهم.
المشكلة الكبرى في المستشفيات
ويتطرّق خوري في معرض حديثه الى وضع المستشفيات، فيوضح أن المشكلة الكبرى تتمثّل بالقطاع الاستشفائي، اذ من ستة أشهر يجري التحضير للموجات الجديدة التي نشهدها اليوم، وقد جهزت المستشفيات الحكومية بشكل مقبول، لكن القطاع الطبي في لبنان يحتوي في 80 بالمئة منه على مستشفيات خاصة، وبإمكاننا الاستفادة من 40 مستشفى خاص بمقدورها احتواء أقسام كبيرة للكورونا، لكن للأسف لا يوجد سوى 10 مستشفيات حتى اليوم مجهزين لهذا الفيروس لأسباب مادية.
ويتوقّع خوري أن نشهد مرحلة أخطر من الحالية في فصل الشتاء مع بروز الانفلونزا العادية وتشابه العوارض. برأيه، أكثر ما يؤسف هو غياب الوعي المجتمعي وعدم التزام المواطنين. مهما أقدمت الدولة على اتخاذ قرارات، فإنّ هذا الأمر غير كاف اذا لم يلتزم المواطن، يختم خوري.
بري: نجد صعوبة بالغة في تأمين سرير عادي لمريض في المستشفى
لا تختلف رؤية رئيسة دائرة مكافحة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحة الدكتورة عاتكة بري عن رؤية خوري. الوضع في لبنان سيئ، وهذا الوصف ليس كلمة تقال، بل عندما نصل الى مرحلة نجد فيها صعوبة بالغة لتأمين سرير عادي في المستشفى لمريض "كورونا"، وليس سريراً في العناية الفائقة، فهذا معناه أننا في وضع سيئ. وعليه، لا ترى بري سبيلاً للتخفيف من هذه الوطأة واسترجاع القدرة الاستيعابية قليلاً سوى بالإقفال العام. الاقفال الجزئي لم ينفّذ فالمناطق متداخلة ببعضها البعض. إقفال شارع كفيل باستبداله بآخر من قبل المواطنين. وفق بري، اذا لم يقفل البلد كلياً كما حصل في بداية الأزمة سنذهب الى وضع أسوأ خصوصا مع موسم الانفلونزا العادية. وهنا لا تخفي بري أن الأزمة الموجودة في المستشفيات لم تتوقّف عند عدم وجود أسرة عادية لمرضى "كورونا" أو عناية فائقة، بل لم نعد نجد أسرة للمرضى العاديين، فبعض المستشفيات فتح جزءاً من أقسامه العادية لاستقبال مرضى "كورونا" وبالتالي تم اقتطاع جزء من القدرة الاستيعابية للاستشفاء العادي.
القدرة الاستيعابية للمستشفيات ستصل للحد الأقصى قريباً جداً
وتعرب بري عن خوفها من وصول القدرة الاستيعابية للمستشفيات للحد الأقصى ونحن سنصل الى هذا الحد قريباً جداً سواء فيما يخص "كورونا" وغيرها، ما سيدخلنا في سيناريو لبناني سيئ جداً سنصطدم فيه بالحائط. وفق بري، من المرجح أن تتوفى حالات تحتاج الى عمليات مستعجلة وغيرها اذا لم نعثر لها على أسرة داخل المستشفيات. وهنا تشدد بري على أن وزير الصحة الدكتور حمد حسن طالب مرارا وتكراراً بإقفال البلد، فالإقفال الجزئي لم يؤت أكله خاصة أن الحالات الكبيرة محصورة في المدن كبيروت وطرابلس، وهذه المدن لم تقفل وسط الازدياد الكبير بأعداد الإصابات.
ورداً على سؤال حول الوفيات التي بدأت تطال شباناً في منتصف العمر، تلفت بري الى أنّ أكثر من 95 بالمئة من الوفيات تعود لأشخاص إما كبار في السن أو ذوي أمراض مزمنة، والحالات النادرة جداً برزت عند بعض الشباب، وهي حالات قد تحصل في العالم لأسباب متعددة منها ما يتعلق بالجينات. وتطالب بري الجميع باتخاذ الاحتياطات اللازمة عبر اتباع التدابير البسيطة "وضع الكمامة، تعقيم اليدين، والتباعد الاجتماعي" والتي تحمي من كل الأمراض التنفسية بما فيها الانفلونزا الحادة.
أبي حنا: الوضع خطير ويستدعي الإقفال العام
عضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة الدكتور بيار أبي حنا يعتبر في حديث لموقعنا أنّ الوضع خطير، ويستدعي الإقفال العام، على أن يُسمح للأماكن التي تستطيع أن تفتح بطريقة آمنة أن تستمر في عملها كالسوبرماركت وغيرها.
ويشدد أبي حنا على أنّنا وصلنا الى مرحلة يتعب فيها المريض في منزله ولا نجد له مكانا في المستشفيات؛ فهناك أشخاص توفوا في المنازل بعد تعذر تأمين أماكن لمعاينتهم في المستشفيات.