خاص العهد
العقوبات على باسيل...هكذا انتهكت أميركا القانون الدولي وضربت المواثيق
فاطمة سلامة
لم تأت العقوبات الأميركية على رئيس التيار الوطني الحر الوزير السابق جبران باسيل مفاجئة. من يراقب التصريحات والمواقف الأميركية، يع أن العقوبات على لبنان لن تقف عند حد. كل من يقول " لا" للأجندة الأميركية سيأتي دوره ويعاقب. الحرب على لبنان وتحديدا على المقاومة فيها باتت مكشوفة بلا أقنعة. تريد واشنطن الطعن بهذه المقاومة من قبل شخصيات لها حيثية شعبية واسعة، شخصيات تتلقى عروضا معلبة وفيها ما فيها من الاغراءات. تماما كما حصل مع الوزير باسيل الذي فضح بكل جرأة العروض الأميركية على قاعدة " العصا والجزرة".
الا أن العقوبات لا تثير الاستغراب بقدر ما يثيرها أولئك المصفقون والمهللون للقرار الأميركي وكأنه انتصار للبنان، بينما الحقيقة هو تعد واضح وارهاب دولي يمارس بحق الشعب اللبناني على خياراته السياسية. فكيف ينظر القانون الدولي للقرار الأميركي الجائر؟.
جوني: العقوبات تشكّل إرهاباً أميركياً
المتخصص في القانون الدولي الدكتور حسن جوني يقدّم في حديث لموقع "العهد" الإخباري قراءة قانونية للقرار الأميركي الجائر بحق الوزير باسيل، فيوضح بدايةً أنّ ما مارسته أميركا يشكّل إرهاباً، فالعقوبات هي شكل من أشكال الإرهاب، لافتاً الى أنّ قضية العقوبات منذ ميثاق الأمم المتحدة ونهاية الحرب العالمية الثانية حُصرت بمجلس الأمن بحسب المادة 41 من الميثاق والتي أعطت الحق لمجلس الأمن فقط باتخاذ العقوبات ضد أي دولة. لماذا؟ لأنه وقبل هذا التاريخ وقبل عصبة الأمم كان هناك الكثير من العقوبات في العالم، بحيث تعاقب الدول بعضها بعضا مما يؤدي الى الكثير من التوترات والنزاعات العسكرية. لذلك، وبما أنّ العقوبات تهدد السلم والأمن الدوليين سواء كانت عقوبات سياسية أو اقتصادية أو دبلوماسية أو غيرها، وضعت كل هذه العقوبات في عهدة مجلس الأمن خوفا من أن تؤدي الى حروب وهذا ما حصل. على سبيل المثال، عندما اتخذت في معاهدة "فرساي" عقوبات ضد ألمانيا أدى هذا الأمر الى اندلاع الحرب العالمية الثانية.
العقوبات انتهاك للقانون الدولي والقواعد والأعراف الدولية
ويشدد جوني على أن ما تفعله أميركا بفرض عقوبات يشكل انتهاكا لميثاق الأمم المتحدة وانتهاكا للكثير من القواعد والأعراف الدولية نذكر منها:
-انتهاك المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحصر العقوبات بمجلس الأمن، وعليه تهدد هذه العقوبات السلم والأمن الدوليين كونها تضع الدول ضد بعضها بعضا وتفتح المجال للحروب والمشكلات.
-تشكل العقوبات انتهاكا لقواعد القانون الدولي، حيث تنتهك أهم قاعدة أساسية في القانون الدولي العام، والتي تؤكّد أنّ أي قانون تتخذه أي دولة لا يسري الا على أراضيها سواء "ماغنيتسكي" أو غيره، اذ لا يجوز أن تتخذ دولة ما أي قرار أو مرسوم وينفذ خارج اقليمها.
-انتهاك ميثاق الأمم المتحدة وخصوصاً المادة الثانية الفقرة 7 والتي تمنع الدول من التدخل بالشؤون الداخلية لدولة أخرى. العقوبات تحدثت عن فساد وهي قضية داخلية ولا يجوز لأي دولة أن تتدخل بشؤون دولة أخرى، حتى الأمم المتحدة لا يحق لها التدخل. فقط مجلس الأمن يحق له التدخل بالشؤون الداخلية للدولة على أساس الفصل السابع.
-تنتهك العقوبات بشكل فادح سيادة لبنان رغم أنّ القانون الدولي يحترم هذه السيادة وهذه النقطة مهمة جداً خاصة عندما نتحدث عن المادة الثانية في الفقرة الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة والتي تتحدث عن سيادة الدول، فنحن لا نعيش في فوضى بل هناك دولة، اذ يقوم القانون الدولي والمنظومة الدولية على أساس سيادة الدول. وفق جوني، بدون احترام هذه السيادة يذهب العالم الى الفوضى حكماً وهذا ما تريده الولايات المتحدة الأميركية.
-انتهاك خطير جداً للقانون الدولي لجهة حقوق الانسان، فهذه العقوبات وجهت ضد شخص. ماذا يعني ذلك؟. وفق جوني، يعني الحاق الضرر المعنوي والمادي والسياسي بحق هذا الشخص، فواشنطن تدخلت بالحياة السياسية اللبنانية عبر اتهامها لشخصية سياسية. وهنا يسأل جوني: هل أعطت واشنطن لهذه الشخصية حق الدفاع عن نفسها أم ألحقت بها ضررا نفسيا ومعنويا وسياسيا؟ بأي حق فعلت واشنطن ذلك؟ يضيف جوني الذي يؤكّد أننا نتحدث هنا عن مبدأ أساسي في القانون الدولي لحقوق الانسان، مبدأ يرتبط بقضية مهمة جداً وهي حق الانسان بمحاكمة عادلة وهذا يعني أن الانسان بريء حتى يثبت العكس ويحق له الحصول على محاكمة عادلة للدفاع عن نفسه. وفق جوني، هذا الأمر غير موجود في سياسة واشنطن، وبالتالي ما حصل خطير جداً وضرب عرض الحائط بحقوق الانسان.
ويستشهد جوني بحالة عاقب فيها مجلس الأمن أشخاصاً ذهبوا لاحقاً الى القضاء الاوروبي، والأخير أعطاهم حقاً لأنهم تضرروا بقرار مجلس الأمن ولم يأخذوا فرصتهم للحصول على محاكمة عادلة وللدفاع عن نفسهم. وفق جوني، وقف القضاء الى جانبهم رغم أن القرار صادر عن مجلس الأمن الذي يحق له إصدار القرارات في هذا الصدد. وبالتالي، هذه السياسة التي تقوم على مبدأ العقوبات ضد أشخاص تعود للقرون الوسطى، أما اليوم، فيتهم الشخص ويعاقب دون أن يدافع عن نفسه وفقاً للسياسة الأميركية.
حق الانسان في المحاكمة العادلة من الأسس الأساسية للقانون الدولي
ويشدد جوني على أن القانون الدولي سواء العهد الدولي المتعلق بالحقوق السياسية والمدنية، أو الإعلان العالمي لحقوق الانسان وكل الاتفاقيات الدولية تعتبر أن مسألة حصول الشخص المعاقب على محكمة وأن تكون عادلة هي مسألة مهمة جداً. وفق جوني، فإنّ القانون الدولي لحقوق الانسان اعتبر أن حق الانسان في المحاكمة العادلة من الأسس الأساسية للقانون الدولي لحقوق الانسان التي لا يجوز أبداً انتهاكها.
وفي الختام، يعبّر جوني عن إعجابه بموقف الوزير باسيل، فما سمعناه منه على الصعيد السياسي يشعرنا أن هناك كرامة لا تزال لدى الانسان في لبنان، وعلى الصعيد القانوني عرف الوزير باسيل كيف يدافع عن حقه.