خاص العهد
على أبواب الأعياد.. نصيحة "التباعد الاجتماعي" بجَمَل
فاطمة سلامة
منذ بداية انتشار فيروس "كورونا" وتغلغله في العالم، بقيت الكثير من أسراره رهينة البحث والتجارب. نحن أمام فيروس مستجد والمطلوب تفكيك خصائصه كاملة لمعرفة كيفية مواجهته وتحديد السلاح الفعال للقضاء عليه. إلا أنّ خاصية من خصائص هذا الفيروس لم تدم طويلاً لاكتشافها. الفيروس سريع العدوى وبالتالي سريع الانتشار والسلاح المضمون لمواجهته يكمن في تطبيق "التباعد الاجتماعي". تلك القاعدة الأساسية التي بُحّ صوت المعنيين في المناداة بها لحماية أنفسنا من شر "كورونا". وللأسف، كثيرون لم يلتزموا بقاعدة التباعد لحماية أنفسهم أولاً ومحيطهم ثانياً ما دفع بعداد الإصابات الى التزايد وتسجيل المزيد في قائمة المصابين. تماماً كما دفع بأسرة المستشفيات الى النفاد جراء الضغط الحاصل.
اليوم، وعلى أبواب الأعياد، يبدو "التباعد الاجتماعي" مهدداً أكثر فأكثر. العيد يعني اجتماع الأهل والأصدقاء، والمطلوب من كل فرد منا أن يتسلّح بالوعي. أن يخيّر نفسه بين الحفاظ على صحة من يحب ونقل الأذى لها مع ما سيحمله من تأنيب للضمير مدى الحياة. على أبواب الأعياد لا بد أن يضع كل فرد في باله احتمال أن يكون مصاباً فينقل العدوى في العيد لمن يعتبرهم العيد. لا بد أن يضع كل فرد في ذهنه واقع المستشفيات في لبنان والتي لامست قدرتها الاستيعابية الحدود القصوى. وعليه لا بد أن يعيش العيد مع أحبائه فكريا وروحيا وقلبياً، وأن يلغي من أجندته الزيارات واللقاءات ولو لمرة واحدة في العمر، فالعيد يُعوّض أما الصحة هيهات.
بري: اذا كانت المحبة ستنعكس خطراً على أحبائنا علينا أن نفكر مليون مرة قبل أن نقيم الاجتماعات
رئيسة دائرة الأمراض الانتقالية في وزارة الصحّة الدكتورة عاتكة بري توجّه عبر موقع "العهد" الإخباري جملة نصائح وإرشادات للمواطنين على أبواب الأعياد، فتشير بداية الى أنّ العيد مناسبة لتجتمع العائلات والأقارب والأصدقاء، ولكن الوضع الصحي في لبنان حساس جداً خاصة بالنسبة لكبار السن ومن لديهم أمراض مزمنة. صحيح أنّ التعبير عن المحبة للآخرين هو أمر مهم، ولكن اذا كانت هذه المحبة ستنعكس خطراً على حياة هؤلاء الأشخاص، علينا أن نفكر مليون مرة قبل أن نقيم الاجتماعات واللقاءات.
قد يكون للاجتماعات تبعات خطيرة جداً
أهم ما ننصح به كوزارة صحة -تقول بري- هو أن تتم الاجتماعات على نية العيد عبر الهاتف وتقنية "الفيديو كول" أو أي تقنية أخرى. بإمكاننا الاستعاضة عن اللقاء الجسدي بالكثير من الأفكار للحفاظ على صحة أقربائنا كإرسال الهدايا لهم دون أن نذهب شخصياً ونلتقي جسدياً. باستطاعتنا أن نلتقي فكريا وقلبيا. وفق بري، من المهم جداً أن نحد من الاجتماعات والعزائم التي قد يكون لها تبعات خطيرة جداً، يندم إثرها الشخص الذي قد يخسر بسببها عزيزاً على قلبه.
لا نزال في دائرة الخطر
وتشدّد بري على أنه: "في حال ولسبب من الأسباب، أصبح هناك اضطرار شديد للتواجد مع كبار السن وذوي الأمراض المزمنة يجب الالتزام بالتباعد الاجتماعي ووضع الكمامة والتعقيم المستمر لليدين والابتعاد كل البعد عن العناق والمصافحة وكل ما ينقل العدوى".
ورداً على سؤال حول ما اذا كان هناك مخاوف من ازدياد أرقام الإصابات بعد فترة الأعياد، تقول بري:" هذا الأمر يرتبط بالتزام الناس، ففي حال لم تلتزم بالتأكيد هناك مخاوف جدية بازدياد الأعداد". وتوضح بري أنه" وخلال فترة الاقفال العام التي حصلت ارتاحت المستشفيات بنسبة ضئيلة جداً، ولكننا الآن عدنا الى الضغط والأعداد لا تزال عالية وعلى عتبة الـ2000. هذا الأمر غير مقبول وغير صحي بتاتاً بالنسبة للبنان البلد الصغير والذي يمتلك عدد أسرة محدودا في المستشفيات".
وفي الختام، تلفت بري الى أننا لا نزال في دائرة الخطر وعلينا الانتباه لناحية الأعداد المرتفعة ومحدودية الأسرة في المستشفيات".
بودرغم: الوضع الاقتصادي حساس جداً
وفي الوقت الذي من المرجّح أن تشهد فيه فترة الأعياد حركة اقتصادية يتحرّك بموجبها العمل في المطاعم والمقاهي ما يعني زيادة خطر انتشار العدوى، يؤكّد عضو لجنة التدابير الوقائية من فيروس كورونا مستشار وزير السياحة مازن بو درغام لموقعنا أنّ الوضع الاقتصادي حساس جداً ما يجعلنا بحاجة الى حركة تنشّط الاقتصاد اللبناني قليلاً. وهنا يؤكّد المتحدّث أن السياحة تشكل ركيزة الاقتصاد اللبناني، مستشهداً بعام 2019 قبل بدء الأزمة الاقتصادية حيث كانت حصة الاقتصاد 7 مليارات دولار من القطاع السياحي. وفق بو درغم، نحن بحاجة الى حركة اقتصادية أساسية نعول فيها على عودة المغتربين ومساهمتهم بشكل أو بآخر في تنشيط الاقتصاد، فآخر 4 أشهر كان يصل شهريا بين الـ25 ألف و35 ألف مغترب الى لبنان، وهذا دليل أن الحركة الاقتصادية بدأت تتحرك رويداً رويداً.
للتوفيق بين الوضعين الاقتصادي والصحي
كيف يمكن التوفيق بين تنشيط العجلة الاقتصادية والمحافظة على الصحة على أبواب الأعياد؟ يؤكّد بو درغم في معرض إجابته عن السؤال أنّ أزمة الكورونا هي أزمة وطنية عالمية ومسؤولية فردية شخصية. المجتمع يجب أن يكون حذراً فنحن بين سيف ذي حدين؛ وضع اقتصادي سيئ ووضع صحي سيئ، لذلك علينا اولا الانتباه والالتزام بالتباعد الاجتماعي، ثانياً الوقاية ثم الوقاية، ثالثاً الالتزام بكل ما يصدر عن وزارة الصحة من تدابير وإرشادات. بحسب بو درغم فالأساس المواطن والفرد الذي يجب أن يتحمل المسؤولية لنوفق بين الوضع الاقتصادي والصحي لأن لا حل آخر أمامنا، فلبنان يعتمد على الاقتصاد والاقتصاد يعتمد على الاستقرار ما يحتم علينا الانتباه والحذر من أزمة كورونا. يشدد بو درغم على أن الشخص مسؤول وصاحب المؤسسة مسؤول. الأخير عليه الالتزام بالتباعد الاجتماعي. وعليه وضعت وزارة السياحة في خطتها خرائط لكل مؤسسة للالتزام بنسبة 50 بالمئة من قدرتها الاستيعابية، ما يحتم عليها الحسم والرقابة على نفسها للمحافظة على الاستمرارية والحفاظ على البلد للعبور به من خطر كورونا وخطر الوضع الاقتصادي الصعب.