خاص العهد
بعد موقف تونس من التطبيع.. ما هي سيناريوهات المرحلة؟
تونس - روعة قاسم
منذ أن نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" أنباءً تفيد بأن تونس ستكون ضمن الموجة الثالثة من التطبيع العربي، لم يهدأ الشارع التونسي للتعبير عن الرفض الشعبي لأية محاولات للاستسلام وأي شكل من أشكال التطبيع مهما كانت. وعبّر ناشطون عن استنكارهم لهذه الأنباء، وطالبت شخصيات وطنية حزبية وأكاديمية السلطة التونسية برد واضح على كل هذه الادعاءات.
ورغم أن ردّ وزارة الخارجية التونسية كان واضحًا وجليًا عبر بيانها الذي أكدت خلاله رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، ونفت فيه صحة هذه الأنباء المتداولة، الا أن الشكوك لم تهدأ لدى التونسيين المتوجسين من الضغوطات الغربية التي قد تمارس على بلد مثل تونس يمرّ بصعوبات اقتصادية صعبة وأزمات سياسية خانقة. فالمعلوم أن الغرب المحكوم من الصهيونية الإمبريالية لا يتوانى عن تسليط سيف الضغوطات أو العقوبات لحثّ الدول العربية على التطبيع الصهيوني المجاني.
تموضع صهيوني جديد
فتقرير "نيوريوك تايمز" ، بحسب محللين لم يأت صدفة، ويجب فهمه في سياق الخطوات التي قطعتها موجة التطبيع الراهنة وهي مرحلة يمكن تسميتها بـ مرحلة "التموضع الصهيوني الجديد" في المحيط العربي. هذه الخطوة تمركزت في ثلاثة مواقع استراتيجية، الامارات كقوة اقتصادية، والمغرب التي كان ينظر اليها مخططو الحرب الصهيونية كمنجم ديمغرافي لدعم الكيان الصهيوني، والسودان للإمساك بخاصرة البحر الأحمر.
ويبدو أن المرحلة القادمة في عملية التطبيع ستكون في اتجاه تأمين هذه المناطق وبالتالي الانقضاض على بعض المواقع والدول الأخرى التي تشكّل حزامًا رافضًا لهذه السياسات الاستسلامية.
ففي منطقة "المغرب العربي" العين مركزة على الجزائر في اتجاه ارباك الوضع الداخلي. لذلك عندما نشر خبر "نيويورك تايمز" حول امكانية التطبيع في تونس، سارعت بعض القيادات الجزائرية للتحذير من أن الخطر الصهيوني أصبح على حدود الجزائر. ويبدو أن تقرير الصحيفة الأمريكية كان بمثابة رسالة تهديد للجزائر بأنها ستكون محاصرة من الاتجاهين، خاصة أن الحديث عن التطبيع في تونس ترافق أيضًا مع أنباء تتداول بشأن ضغوطات تتعرض اليها ليبيا للتطبيع الصهيوني .
ضرورة المقاومة الاقتصادية
بيان وزارة الخارجية التونسية جاء بعد حدثين مهمين، الأول هو الاجتماع الثلاثي الأمريكي - الصهيوني - المغربي وتطبيع علاقات المملكة المغربية مع الكيان الصهيوني بحضور الولايات المتحدة الأمريكية. والحدث الثاني هو ما تحدثت عنه "نيويورك تايمز" من اتصالات تجري مع بعض المسؤولين التونسيين حول ترتيبات التطبيع مع تونس. ويرى البعض أن بيان وزارة الخارجية التونسية هو بيان رئاسة الجمهورية باسم وزارة الخارجية، بالنظر الى أن اللغة التي كتب بها البيان أقرب الى صياغة رئيس الجمهورية منها الى الصياغات التقليدية للدبلوماسية التونسية في مجال القضية الفلسطينية.
في هذا الاطار، يعتبر الناطق باسم "التيار الشعبي" محسن النابتي في حديثه لـ "العهد" أن هناك تطورًا في المصطلحات واختلافًا كبيرًا حول ما اعتاد عليه الرأي العام التونسي من بيانات تصدر عن الدبلوماسية التونسية في مثل هكذا ظروف. ويتابع: "اعتقد أن رئيس الجمهورية أحسّ بنوع من التجاوز والتطاول، فكان البيان بمثابة تأكيد واضح وجلي بأن تونس غير معنية بالتطبيع مع الكيان الصهيوني وأنها تنحى منحى الحياد تجاه ما تقوم به دول عربية أخرى" . ويضيف محدثنا :" ما يعنينا في المقام الأول هو تأكيد رئاسة الجمهورية أن تونس لن تطبّع مع الكيان الصهيوني ولن تنخرط في هذه الجوقة -ان صحّ التعبير- التي تجري الآن في المنطقة العربية". ولكن هذا لا يحجب صعوبة المهمة التونسية في هذه الظروف وهي صعوبات تكمن في اتجاهات متعددة. لأن الكيان الصهيوني لن يبقى متفرجا تجاه الموقف التونسي ولا تجاه موقف مماثل من دولة عربية. فكل الدول العربية التي واجهت الكيان الصهيوني ورفضت التطبيع معه والاستسلام له، من العراق الى سوريا واليمن وليبيا وغيرها.. عوقبت أشد عقاب بالتدويل والتفكيك والحروب الأهلية والاختراقات وغيرها.
حقق الكيان الصهيوني اختراقًا ضخمًا في المنطقة العربية، وقد يشمل الاستثناء الى الآن ست دول فقط هي الجزائر سوريا تونس الكويت والعراق ولبنان. وبحسب النابتي، فإن "ما يؤرقنا في التيار الشعبي في الموقف التونسي هو الوضع الاقتصادي في البلاد. واعتقد أن من ساهم في تدمير المقدرات الاقتصادية للدولة الوطنية التونسية وحطّم تقريبا كل مقومات الاقتصاد التونسي وكل القطاعات الإنتاجية التي تمّ تدميرها في هذا العقد من المديونية بشكل خطير ورهيب، كان يهدف الى اضعاف الجبهة الاقتصادية استعدادًا لسيناريوهات المهادنة والتنازل".
ويوضح النابتي أنه "يكفي أن ميزانية 2021 تتطلب مبدئيًا أن تخرج تونس الى السوق الدولية لتستلف أكثر من 16 مليار دولار، فكل عوامل الضعف الفادحة التي طرأت على جسم الدولة التونسية والبيئة التونسية، تشكل تهديدًا وخطرًا كبيرًا على تونس"، داعيًا "رئاسة الجمهورية اذا كانت جادة بالفعل في إبقاء تونس بعيدًا عن حظيرة التطبيع، الى أن تقوي كل عناصر المقاومة الاقتصادية وأولها أن يكون هناك اقتصاد متين. فأية دولة تريد أن تواجه الكيان الصهيوني عليها أن تقيم علاقات دولية متوازنة وأن تخرج من شرنقة الاتحاد الاوروبي والارتباط التقليدي به وبالأمريكيين وتقيم علاقات متنوعة مع الصين وروسيا والكتلة الأخرى المواجهة للولايات المتحدة الأمريكية".