خاص العهد
حوار العام.. قراءة في الشكل والمضمون
فاطمة سلامة
لا يُشبه التوقيت أو الموعد المنتظر عادةً لإطلالة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله أي موعد آخر عند كثيرين. ليس مستغرباً مثلاً أن نجد من يلغي موعدا ما أو أي نشاط خطّط له سابقاً كرمى لتلك الإطلالة لما تحمله من أبعاد ودلالات ورسائل. في العادة، يُعطي اسم الضيف ثقلاً لأي برنامج، لكنّ استخلاص أهمية الحوار مع أي شخصية يبقى رهن إجرائه لتتكشّف المواقف، إلا الحوار مع سماحة السيد نصر الله، فهو حوار مختلف تماماً. حوار ينتظره العدو قبل الصديق. حوار يكفي الإعلان عن موعده حتى نعلم مسبقاً أنه سيأتي بجديد، وهو أمر تفتقده الكثير من الشخصيات التي لطالما كرّرت ذاتها، إلا أنّ إطلالات سماحة السيد كعادتها لا تُشبه سابقاتها. كل حوار كفيل برسم معادلات جديدة، وكل حوار يحمل في طياته الكثير من الأبعاد. تماما كما كان حوار العام الذي قدّم خلاله سماحة السيد قراءة مفصّلة لمختلف الملفات ورسم بمنهجيته المعهودة الكثير من الرسائل.
بزي يقدّم قراءة في الشكل والمضمون
المحلّل السياسي الدكتور وسيم بزي يُقدّم قراءة لإطلالة الأمين العام لحزب الله، فيتوقّف بدايةً عند الشكل. إنها أطول مقابلة على الإطلاق، أجاب فيها سماحته على مختلف الأسئلة على مدى 4 ساعات، حتى أنّ الفاصل الأول لم يأت الا بعد ساعة و28 دقيقة. وللتوقيت أيضاً دلالاته -بحسب بزي- الذي يوضح أنّ المقابلة تأتي في ذروة وداع إدارة دونالد ترامب العنيفة والدموية بالمواجهة في عام 2020، فالمتبقي من عمر الإدارة الأميركية 26 يوماً تحمل ما تحمل من احتمالات لا تتعلق فقط بمستقبل المنطقة بل بمستقبل أميركا.
وفي المضمون، يرى بزي أنّ مجموعة مؤشرات تكثّفت لتعطي أهمية إضافية لإطلالة سماحته هذا العام خاصة أننا أمام الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد الحاج قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس ومن يتكلم عنهما شخص لصيق بهما، وهو أكثر ما يعبر عن إرادة ما بعد اغتيالهما، حيث وعد بالانتقام الحتمي لدمائهما. صحيح أنّ القيادة الايرانية والعراقية المعنية مباشرةً تحدثت عن الرد ولكن عندما يؤكد سماحته من فمه وموقعه على هذا الأمر يعطيه بعداً اضافياً واستثنائياً، يضيف بزي الذي يتناول حديث سماحته عن علاقته بالحاج قاسم والتي كانت بمثابة شخصين متماهيين بشخص واحد ما يوضح كم كانت الشراكة عميقة بين هذين القائدين الكبيرين.
قدّم تبويباً منهجياً لمرحلة مضت تأسيساً لمرحلة قادمة
وفيما يشدّد على أنّ سماحته أعاد رسم الحقائق وموازين القوى بنصابها واستشرف معالم المرحلة المقبلة وسياقاتها ووقع الأحداث المحيطة، يلفت بزي الى أنّ إطلالة سماحته أعطت تقييماً لنهاية عام في إطار الصراع القائم ووضعت الانجازات والخيبات بنطاقها الحقيقي، مع عدم التنكر للحقائق؛ بمعنى أننا بقدر ما نقاتل بقدر ما نكون معرضين لأن نربح ونخسر، والخسارة هي خسارة على طريق الربح وليست خسارة بالميزان لِما نخسره من القادة. وفق بزي، قدّم سماحته تبويباً منهجياً لمرحلة مضت تأسيساً لمرحلة قادمة، علماً أنها ليست انتقالاً من عام الى عام، بل قد تكون -مع كوفيد 19- انتقالاً من عالم الى عالم، وفي أميركا انتقالاً من إدارة الى إدارة، وفي إطار الصراع انتقالاً من مرحلة الى مرحلة.
المقابلة كشفت حقائق ودقائق من تاريخ المواجهة خلال العشر سنوات الأخيرة
ويلفت بزي الى أنّ سماحته أعاد بإطلالته وضع الأمور في نصابها الحقيقي خاصةً أنّ محور المقاومة يتعرض لحملة تهوينية تريد إضعاف معنوياته ووضع موازين القوى خارج النطاق العملاني الحقيقي. هذه الحملة التهوينية تضم مجموعة أدوات يشكّل الإعلام -القوي جداً- للمحور الآخر أداة أساسية، حيث يجري التلاعب بحقائق موازين القوى على كل ساحات المحور والاستفادة من وقع الأحداث التي حصلت ومنها اغتيال القادة الشهداء خاصةً أننا على بعد أيام قليلة من إحياء الذكرى الأولى لاستشهادهم. كل هذه الأسباب مجتمعة مع مفصلية لحظة الانتقال في أميركا بين إدارة آفلة وأخرى قادمة وموقف السعودية بكل تعقيداته سواء بقضية الحلف مع العدو الصهيوني أو موقفها من لبنان والمقاومة كانت جوهرية جداً -برأي بزي- الذي يشير الى أنّ المقابلة كشفت حقائق ودقائق من تاريخ المواجهة خلال العشر سنوات الأخيرة على كل الساحات ربطاً بالشراكة بين سماحة السيد نصر الله والحاج قاسم سليماني، وهي حقائق ستأخذ الكثير من النقاش والإضاءات على أحداث كانت متوارية خلف الإعلام وهي أساسية في صناعة الحدث.
إطلالة مترقبة من العالم
ويؤكّد بزي أنها كانت إطلالة مترقبة من العالم بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية التي قال لها سماحته بكل وضوح إنني قاتلتك وأقاتلك وسأقاتلك أيتها المتغطرسة على الكرة الأرضية جمعاء وأنا لست خائفا منك بل كنت جزءاً من المواجهة في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين واليمن ولم أزل كذلك، وعليه، فإنّ مسألة أن أكون معرضاً بحياتي هو أمر طبيعي بإطار موقعي في المواجهة. ويشدّد بزي على أنّ سماحته وبكل رباطة جأش وصلابة وقوة خاطب أكبر ثلاثة متجبرين في العالم هم: أميركا و"اسرائيل" والسعودية، وقال لهم بكل وضوح إننا على خياراتنا ومستمرون في المعركة وبالنسبة لنا فإنّ إمكانية أن نستشهد في هذه المعركة هي أمر طبيعي، أما غير الطبيعي فأن نموت على فراشنا. هذا الكلام -وفق بزي- رفع ذروة التحدي مع الأميركي والسعودي و"الإسرائيلي" الى قمة جديدة ما يبرز أن حقيقة توازنات الصراع في المنطقة غير ما يلهج بها الإعلام في الأشهر التي مرت، وأنّ الأساس ليس رد الفعل الثأري والانتقامي -على أهميته- بل الاستمرار بالهدف الأسمى وهو الوصول الى خط النهاية في صراع النصر والهزيمة.
لا أحد يملك القدرة على تقديم المشهد للساحات جميعها كما قدّمه السيد
وفي الختام، يُشدّد بزي على أنّ إطلالة سماحته أكّدت أن مسار تراكم عشر سنوات من المواجهة لا يزال في طريقه الصحيح، ولا يوجد أحد في هذا العالم يملك تقديم المشهد للساحات جميعها كما قدّمه السيد بالأمس. ولا يوجد أحد بإمكانه أن يحيط الجمع بين الاستراتيجيا والتفصيل كما قدّمه الأمين العام لحزب الله، وهذه رسالة طمأنة لمن يلوذون بالدفاع عن المنطقة وثرواتها وأبنائها بأنّ محور المقاومة لا يزال على الطريق الصحيح والثابت نحو لحظة الانتصار القادمة.