خاص العهد
أبو مهدي المهندس "كافل الأيتام": "كنت ابنته الخامسة"
الهام هاشمي
أينما حل أبناء الشهداء كان الحاج "الشايب" معهم. مكتبه في طهران ومنزله لا يخلوان من أبناء وبنات الشهداء.. قد كان ملجأ للجميع.. يقدم النصيحة والمساعدة ويعطي من المحبة ما يعطي. والعديد من هؤلاء أيضًا ليسوا من عوائل الشهداء بل من أبناء المجتمع الذين يؤمن الحاج الشهيد أبو مهدي المهندس بأنهم صناع المستقبل ورواده.
في الذكرى الأولى لاستشهاد نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، تفتح زينب مخبأ ذكرياتها وتسرد لموقع "العهد" الاخباري بعضًا مما قدمه الشهيد لها بعدما انضمت الى أسرته وبات بمثابة الأب لها.. وبناته الأربع بتنَ خمسًا.
تقول زينب، وهي نموذج للشباب والشابات الذين قام المهندس بمساعدتهم ودعمهم: "من بعد وفاة والدي كان هو لي أباً وسنداً. تعرفت على الحاج أبو مهدي عندما كنت أبلغ من العمر 19 عاماً. التقيت به أول مرة في احتفال أقيم في منزل أحد الأصدقاء المشتركين وتعرفت أيضاً على زوجته وبناته. كان ذلك في مطلع العام 2008 وكان أبي قد توفي منذ ما يقارب العامين وكنت أتجرع مرارة الحياة وصعوباتها بعد وفاة والدي. كنت أعاني من مشاكل في الجامعة واضطررت الى تركها. لقد لاحظ أنني لست على ما يرام ومنذ ذلك الوقت كان دائماً يحاول مساعدتي ورسم البسمة على شفتي. كان دائماً مصدر الطاقة الايجابية ومنبع الحنان. لقد أصبح لي أباً.. لم يعوضني فقط عن حنان أبي الذي رحل عن هذه الدنيا لأعاني قسوتها وحدي بل كان أيضاً يساعدني في مواجهة الصعوبات".
بكثير من الحنين تتحدثت زينب عن الحاج: "الحاج أبو مهدي هو من علمني كيف أقف صلبة في مواجهة مصاعب الحياة وتحدياتها. كان خير العون لي ولزوجي وكان دائماً يقول لي: كان عندي أربع بنات وأنت ابنتي الخامسة. بالفعل كنت أشعر أنني ابنته وكان يدعمني وكأنه أبي حتى عندما يكون شديد الانهماك بالعمل والمسؤوليات. كان دائماً يتصل بنا ليطمئن علينا". وعندما تزوجتْ كان الحاج يخاطب زوجها ممازحاً "لا تعذبلي ابنتي وإلا أشوف شغلي معاك".
زينب وزوجها وعائلة أبو مهدي، كانوا عائلة واحدة، تقول زينب "زوجته وبناته في قمة الأدب والثقافة والتدين".
ليست زينب الوحيدة التي نالت عطف وعناية الحاج أبو مهدي، بل كان نعم الأب والعون والناصح للكثير من الشباب والشابات، وكان لأبناء الشهداء خاصة مكانة مميزة لديه.
مكتب الحاج أبو مهدي كان مليئًا بالحياة، يعج بأبناء وبنات الشهداء على وجه الخصوص والشباب والشابات بشكل عام. كان كثير النصح والارشاد لهم وكان يحاول متابعة أمورهم بشكل شخصي. تستذكر زينب: "كان كلامه دائماً مفعمًا بالأمل وكثيراً ما كان يكرر "اصنعوا مستقبلاً مشرقاً فأنتم الشباب المفعم بالحيوية والقدرات لا تهدروا وقتكم وجهودكم بل وظفوها جيداً في خدمة المجتمع والناس"".
شجع الحاج أبو مهدي زينب على إكمال علومها الأكاديمية فتسجلت في اختصاص علم النفس لتساهم في خدمة المجتمع: "وكما كان يؤكد لا فرق بين خدمة الناس سواء كنت في إيران أو العراق أو غيرهما من البلدان، لكنه كان يشدد على أهمية العمل الاجتماعي ومواكبة التطور والعلم بما ينفع المجتمع ويخدم في بنائه."
مميزاً بصفاته الحسنة وأخلاقه وطيبته.. حنوناً وكريماً جداً، كهذا يحلو لزينب تذكّر الحاج: "كان مصدر سعادة واطمئنان للكثيرين. كان أباً معطاء لكل من حوله، وحين لم تكن الظروف مواتية ليقوم بمساعدة الآخرين بنفسه كان يرسل من ينوب عنه ويقوم بالمساعدة".
وعن اللقاء الأخير قبل الرحيل الأبدي، تحدثت: "كان لكل منا وداعه الخاص، وكأنه كان يعلم أن لا لقاء بعد ذلك اليوم.. سلم علينا أنا وزوجي بحرارة وجرى حديث مطول بيننا. ثم التفت إلي وقال لي "يا ابنتي هل تحتاجين شيئا؟" وألح بالسؤال، ثم قال "إن لم أستطع أنا مساعدتك سيكون هناك من يقوم بالمهمة ان شاء الله"، لم أكن أعلم أنه لقاؤنا الأخير".
على الجبهات، لم يكن التعب يعرف طريقًا الى الحاج أبو مهدي، وجلّ همه نجاح العمليات وتحقيق النصر ودحر الأعداء الذين تسببوا بالقتل والدمار وأذية الأبرياء من الناس. كان الحاج اذا أكل الطعام تناول منه اليسير ، ثم استلقى على الأرض دون فراش أو غطاء، ليستجمع قواه في استراحة قصيرة متواضعة، ليكمل بعدها العمل. كان يردد "يجب أن نكون أقوى من صعوبات الحياة ولا نعرف الملل، يجب أن نكون فاعلين ومؤثرين في كل مجالات الحياة ونترك بصمة وأثراً طيباً أينما ذهبنا".
رحل أبو مهدي، وألهب الفراق قلوب المحبين، لكن حال الجميع كحال زينب التي تشتاق المجاهد والمناضل الذي كان نعم الأب والناصح والحامي، والتي لا يفارقها أينما ذهبت، فهو وثورته النضالية الشريفة حيان في قلوب زينب وأمثالها. رحل أبو مهدي وترك خلفه ألف ألف أبي مهدي لا يعرفون الملل ولا يستوحشون طريق الحق. صوره تملأ المكان وروحه تحلق في العلياء تحرس أجيال المستقبل وهو معهم حيًّا يرزق أينما ذهبوا.