معركة أولي البأس

خاص العهد

رسالة بعبدا الى مجلس النواب بين السياسة والدستور
10/12/2018

رسالة بعبدا الى مجلس النواب بين السياسة والدستور

فاطمة سلامة

ذهب رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري إلى أبعد الحدود في تماديه بملف تشكيل الحكومة. يؤخذ عليه منذ تكليفه في 24 أيار/مايو، وحتى اليوم بأنه لم يكن جدياً بالشكل المطلوب أن يكون عليه. لا مانع لديه من ترك البلاد بكل ما تتخبّط به من أزمات، والانطلاق في رحلة خارجية. تماماً كما لا مانع لديه من التمسك برأيه، وتشبثه بعدم تمثيل "اللقاء التشاوري" في الحكومة، وعدم استقبالهم حتى. يتصرّف الحريري في ملف التشكيل على مهله، فهو في الأصل يضع موقع رئاسة الحكومة في الجيب وغير مستعجل على التأليف، فيُغني مواله حتى ولو كان الثمن خراب البلد، وفق ما تقول مصادر على صلة بالمفاوضات الحكومية. لا ترى المصادر في كلامها أية مبالغة، فـ"الشمس طالعة والناس قاشعة" كما يقولون، وذلك بدليل مختلف الطروحات التي قُدّمت كمخرج للحل خلال حركة الوزير جبران باسيل المكوكية، والتي قوبلت بالرفض تحت مبررات لا واقعية. وآخرها، صيغة الـ32 وزيراً، التي قوبلت برفض مطلق من قبل الحريري.  

هذا الواقع بما يُشكّله من ضرر واسع على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، دفع رئيس الجمهورية ميشال عون الى رفع سقف الخيارات المطروحة، فكان ما أعلنه عن وضع الملف في عهدة مجلس النواب، في حال استمر التعثر الحكومي قائماً. من وجهة نظر بعبدا لم يعد مقبولاً كل هذه البرودة في مقاربة الملف الحكومي. طبعاً، لا يستطيع أحد أن يُنكر حجم الصدمة التي أحدثها بيان الرئيس عون لناحية تلويحه بخطوة كانت من سابع "المستحيلات" في قاموس الحريري، الذي لطالما استبعد حدوثها على قاعدة "الظروف لا تسمح". وهنا تلفت المصادر الى أنّ كلام عون لم يأت من فراغ، فكيل بعبدا طفح من ردة فعل الحريري إزاء العديد من المقترحات التي كان يُقدَّم الورد خلالها لحل الأزمة فلا يُحصَد سوى العليق. برأيها أراد رئيس الجمهورية تحريك المياه الراكدة حكومياً، فالظروف لم تعد تحتمل كل هذا الترف السياسي والتصرف على قاعدة "من أتى بي لا يستطيع الإتيان بغيري". وهنا تقول مصادر مقرّبة من الرئيس عون لموقع "العهد الإخباري" أنّ خطوة توجيه رسالة الى مجلس النواب تُشكل خياراً من سلّة خيارات مطروحة، فالفكرة طُرحت في إطار جملة من الأفكار بحثها الرئيس كمخارج للأزمات، لكن لا شيء محدد حتى الساعة. وفق حساباتها، فإن خطوة البرلمان لا تزال خياراً أكثر منها قراراً.  

 نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي يُعلّق في حديث لموقع "العهد" على بيان الرئيس عون، وهو من أوائل الذين تمنوا على بعبدا اتخاذ الخطوة المذكورة. يُشدّد على أن لا بديل عن خطوة التوجه الى مجلس النواب لحل الأزمة الحكومية، بعدما بلغت الأمور حداً لا يمكن السكوت عنه. يؤكّد أن خيار الرئيس عون وفي حال قُضي الأمر بتنفيذه، فهو غير موجه ضد أحد، بل ضد الأزمة الحكومية واستمرارها. هناك أزمة عمرها سبعة أشهر لا تزال في كنف رئيس الجمهورية الذي لا يملك صلاحيات لحلها، بل بإمكانه الرجوع الى مصدر السلطة، فهل المطلوب ترك الأزمة في كنف الرئيس عون مزيداً من الأشهر؟، يسأل الفرزلي. 

رأي الدستور 

 تلويح الرئيس عون في حال نُفّذ، لن يكون الأول من نوعه، فالتاريخ اللبناني يشهد على حالات عديدة وجّه فيها رئيس الجمهورية رسالة الى البرلمان، منها على سبيل المثال الرسالة التي وجّهها الرئيس الراحل الياس الهراوي عام 1998 الى مجلس النواب، والتي  تضمنت طلباً بوضع آلية تشكيل الهيئة الوطنية تمهيداً لدراسة مقترحات وسبل الغاء الطائفية. ومنها أيضاً رسالة رئيس الجمهورية السابق إميل لحود عام 2000 التي وجّه فيها رسالة إلى مجلس النواب حثه فيها على "إجراء انتخابات نيابية بمواعيدها الدستورية في ظل قانون يؤمن أفضل تعبير عن إرادة الشعب في محاولة لحسم الجدل الدائر بشأن قانون الانتخاب. وحتى لا نذهب بعيداً، فالرئيس عون وجّه في نيسان/ابريل الماضي رسالة الى مجلس النواب يُطالب فيها بإعادة النظر في نص المادة 49 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2018، والتي تقضي بمنح اقامة الى كل عربي أو أجنبي يشتري وحدة سكنية في لبنان بالشروط التي حددتها المادة المذكورة. 

فكيف يُعطي الدستور الحق لرئيس الجمهورية بتوجيه رسالة؟ 

يشرح الخبير الدستوري عادل يمين أنّ الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور أعطت الحق لرئيس الجمهورية توجيه رسائل الى مجلس النواب عند الضرورة، وهذه الفقرة لم تحصر صلاحيات الرئيس بمواضيع ورسائل معينة ما يعني أنّ حقه في مخاطبة مجلس النواب يشمل جميع  المواضيع دون استثناء. يلفت يمين الى أنّ رئيس الجمهورية بحسب المادة 45 من الدستور هو رئيس الدولة والمعني بوحدة الوطن، وبالتالي فمن واجبه أن يتخذ التدابير اللازمة لانتظام عمل المؤسسات، وعندما يستشعر أن عملية تأليف الحكومة بلغت مأزقاً مستعصياً يستطيع العودة الى مجلس النواب أب السلطات والمصدر الأساسي لاختيار رئيس الحكومة المكلف باعتبار أنّ هذا الاختيار يتم عبر الاستشارات النيابية الملزمة والتي يجريها الرئيس، وباعتبار أن البرلمان هو المعني بمنح أو حجب الثقة عن الحكومة. وبناء على رسالة الرئيس عون يتعين على البرلمان عملاً بالمادة 145 من النظام الداخلي للمجلس النيابي أن يلتئم خلال ثلاثة أيام من أجل مناقشة رسالة الرئيس واتخاذ القرار والموقف المناسبين.

يوضح يمين أنه ومن غير وجود نص صريح يستطيع البرلمان عملاً بالمبادئ العامة وروحية الدستور، يستطيع أن يصدر توصيةً في ضوء رسالة الرئيس وهذه التوصية قد تتضمّن تحديد مواصفات أو معايير لتأليف الحكومة، وقد تتضمن توصية بسحب التكليف من رئيس الحكومة، وعندها يصدر رئيس الجمهورية ورقة بسحب التكليف، ويدعو الى استشارات نيابية ملزمة من جديد. وهنا يستبعد يمين أن يُصار الى تحديد مدة زمنية لتشكيل الحكومة لأنّ تحديد المهل يحتاج الى قانون، ويشير الى أنّه عندما لا ينص الدستور على مهلة لتأليف الحكومة، فذلك لا يعني أن المدة مفتوحة الى أجل غير مسمى، بل يعني أن التأليف واجب وفوري وخلال ساعات أو أيام، باللجوء الى مفهوم المهلة الزمنية المعقولة والتي لا يمكن أن تتجاوز 30 يوماً من التكليف قياساً بالمهلة المحدّدة في الدستور لإنجاز البيان الوزاري والمثول أمام البرلمان لإعطاء الثقة للحكومة الجديدة. يشدد يمين على أن كل تفسير معاكس لمفهوم الفقرة 10 المذكورة يعني أن الدستور شرّع أدوات تعطيله بذاته وهذا ما لا يمكن تصوره وقبوله مطلقاً. 

وفيما يلفت يمين الى أن مجلس النواب بحسب المادة 145 ملزم بالانعقاد بناء على دعوة رئيس الجمهورية، يوضح أنّ مبدأ توجيه الرسائل استُحدث بعد اتفاق الطائف، حيث جرى تعديل المادة 53 عبر تحديثها بإدخال الفقرة 10 كما ذكرنا سابقاً. وعليه، تم التعديل بموجب القانون تاريخ 21/9/1990 الذي وُضع تنفيذاً لتوصيات وثيقة الاتفاق الوطني، وقد تم بالاستناد الى هذه الصلاحية المستخدمة إرسال أكثر من رسالة من قبل رؤساء الجمهورية الى البرلمان. وهنا يؤكد نائب رئيس مجلس النواب أن الرئيس نبيه بري حريص جداً على تطبيق الأصول الدستورية، وبالتالي سيستجيب حكماً في حال وُجّهت رسالة الى مجلس النواب عملاً  بالمنطق الدستوري.

 

إقرأ المزيد في: خاص العهد