خاص العهد
كورونا.. هل من سلالات جديدة غير البريطانية في لبنان؟
فاطمة سلامة
لم يخش العلماء من فيروس "كورونا" كوباء عالمي، بقدر ما أثارت ريبتهم خصائص هذا الفيروس. التغير الجيني المستمر لهذه الجائحة يجعل السيطرة الكلية عليها في وقت مبكر بمثابة ضرب من الخيال. وعليه، تبدو هذه الخاصية النقطة الأصعب في المعادلات الطبية. التغير أو التعديل الجيني يعني حكماً الانتقال الى مواجهة إضافية في عالم هذا الفيروس. كما تتطلّب هذه الحقيقة المزيد من الدراسات والأبحاث، وهو الأمر الذي يدفع نحو المزيد من "الحيرة" والقلق. وهذا ما لمسناه فعلاً حول العالم لمجرّد الإعلان عن سلالات جديدة من فيروس "كورونا"، سلالات لوحظ أنها تتميّز بسرعة انتشار أعلى من السلالة القديمة بنسبة تفوق الـ50 بالمئة. والمؤسف أنّ لبنان لم يسلم من السلالات الجديدة، ففي 25 كانون الأول 2019 أعلن عن تسجيل أول إصابة بالسلالة البريطانية، لتتوالى بعدها المخاوف من تسجيل حالات بالجملة، وهو ما تمكّن باحثون لبنانيون من إثباته علمياً وعملياً، حيث أكّدت الفحوصات وجود إصابات واسعة بنوع جديد من الفيروس أكثر انتشاراً وأكثر خطورة.
وعليه، تُطرح العديد من الأسئلة البديهية: هل ثمّة ارتباط بين الارتفاع الجنوني بعداد الإصابات والسلالة الجديدة كونها أسرع انتشاراً؟ هل هناك سلالات جديدة أخرى في لبنان غير البريطانية؟ كيف السبيل لمواجهة النوع الجديد من الفيروس بعد أن بات الوضع الطبي في لبنان أشهر من نار على علم؟.
مخباط: نسبة العدوى في السلالات الجديدة تزيد عن 50 بالمئة
خبير الأمراض الجرثومية وعضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة لمتابعة كورونا البروفيسور جاك مخباط يشير في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى انتشار عدة سلالات من فيروس "كورونا" في العالم. من بين هذه السلالات، هناك ثلاثة أنواع أكثر انتشاراً بالإضافة الى السلالة القديمة: السلالة البريطانية، البرازيلية، والجنوب أفريقية. هذه السلالات الثلاث تختلف عن السلالة القديمة في التغيير الحاصل بالبروتين الموجود على غلاف الفيروس. هذا التغيير يزيد من التصاق الفيروس بالخلايا مما يجعل حظوظ العدوى أكبر، وقدرة الفيروس على الانتقال أسرع. وفق مخباط، بما أن هذا الفيروس يمتلك القدرة على الانتقال السريع، نرى أنّ عدد الإصابات يزداد. ولذلك، فإنّ نسبة خطر الانتقال تتزايد من قبل حامل الفيروس للمحيط، بحيث يصبح الشخص المصاب بكورونا معدياً أكثر، حيث تزيد نسبة العدوى عن 50 بالمئة.
خشية من وجود سلالات جديدة أخرى غير البريطانية
وفي سياق مقاربته للوضع اللبناني، يلفت مخباط الى أنّ الجامعتين اللبنانية واللبنانية الأميركية أجرتا دراسات لتقصي السلالات الجديدة، وقد تبيّن فعلاً وجود السلالة البريطانية. هذا الأمر متوقع -بحسب مخباط- فالسلالة البريطانية تتكاثر في العالم منذ أيلول المنصرم، ومن الطبيعي أن تكون موجودة في لبنان. أما وجود سلالات أخرى كالجنوب أفريقية والبرازيلية فهو أمر غير محسوم وغير مؤكّد حتى الساعة. وبحسب مخباط، هناك مخاوف بالتأكيد من احتمال وجود هاتين السلالتين خاصة بعد الارتفاع الكبير بعداد الإصابات. وهنا يستطرد مخباط بالإشارة الى أنّ سبب الارتفاع الحاصل بعداد الإصابات لا يمكن إرجاعه فقط الى ظهور سلالات جديدة، بل يتحمل السلوك الإنساني وما نتج عنه من اسهتار كبير الجزء الرئيسي في هذا السياق.
هل اللقاحات المصنّعة فعالة على السلالات الجديدة؟
هل اللقاحات المصنّعة حالياً فعالة على هذا النوع من السلالات؟. بحسب مخباط، فإنّ المناعة المكتسبة من اللقاحات ضد السلالة القديمة لا تزال فعالة مئة بالمئة على البريطانية التي ظهرت. أما فيما يتعلّق بالسلالتين الجنوب أفريقية والبرازيلية اللتين تمتلكان طفرة إضافية عن السلالة البريطانية فإنه ولغاية الآن لا علم لدينا اذا كان هناك خطر من عدم فعالية اللقاح عليهما. وفق مخباط، هناك احتمال أن لا تكون المناعة الناجمة عن اللقاح فعالة مئة بالمئة على هاتين السلاليتن. هذا الخطر الذي نفكر به حاليا -يقول مخباط- الذي يلفت الى أن فكرة تتم دراستها لناحية ما اذا كان هناك ضرورة لتقوية اللقاحات، لكنّه يؤكّد أنّ الدراسات في الوقت الحاضر ليست كافية.
ويوضح مخباط أنّ اللقاحات الموجودة حالياً صُنّعت بطريقة أن تكون فعاليتها على عدة طفرات جينية، بحيث تعمل على المناطق الثابتة في الفيروس. لذلك، فإنّ الأرجح -من وجهة نظر مخباط- أن يبقى هذا اللقاح فعالا، وينجم عنه مناعة تتفاعل مع عدة أنواع فيروسات بنسب متفاوتة. بمعنى، قد تكون هذه اللقاحات فعالة مئة بالمئة على الفيروس الكلاسيكي، مئة بالمئة على الطفرة البريطانية، 70 بالمئة على الطفرة الأفريقية، 60 بالمئة على الطفرة البرازيلية. لغاية الآن لا علم يقينيا لدينا بهذا الأمر -يضيف مخباط- وكل ما لدينا تكهنات، بانتظار تكشُّف الوضع الميداني أكثر فأكثر لندرس كيفية التعاطي مع هذا الأمر.
هل بإمكان الفحوصات العادية أن تُثبت وجود سلالات جديدة؟
هل بإمكان لبنان تأكيد وجود سلالات جديدة في الفحوصات العادية؟ يلفت مخباط الى أنه بإمكاننا وبسهولة إثبات السلالات الجديدة. وفق حساباته، بإمكان الفحوصات الموجودة في لبنان أن تكشف كل أنواع السلالات تقريباً. نحن نعلم أن فحص الـpcr يكشف حوالي 70 بالمئة من الإصابات. أما الـ30 بالمئة المتبقية فيتم تشخيصها ببعض الحالات سريرياً، وذلك لعدة أسباب، فإما أن هناك خطأ في الفحص بحيث لم يتم إدخال القطنة جيداً الى داخل الأنف أو الحنجرة، أو يعود السبب لوجود طفرات جينية جديدة. بتقدير مخباط، فإنّ الفحوصات في أكثر المختبرات بلبنان تكشف في الوقت الحاضر عما لا يقل عن 3 جينات ما يمكّننا من اكتشاف الطفرة والعثور على الفيروس، وهنا تكمن "شطارة" المختبر في فهم النتيجة، يضيف مخباط.
وفي الختام، يشدّد مخباط على أنّ الوضع الكوروني في لبنان مخيف وخطير، فنسبة الإصابات عالية والفحوصات الإيجابية تتراوح بين 20 الى 25 بالمئة من إجمالي الفحوصات. هذا الأمر يولد خوفاً كبيرا في الوقت الحاضر، لكن علينا أن نكون متنبهين الى أنّ الفحوصات التي تحصل تتم على أشخاص تعرضوا للفيروس أكثر منها فحوصات عشوائية، ومن خلال هذا الواقع لا يمكننا القول إن نسبة الـ25 بالمئة تمثل انتشار الفيروس في كل لبنان. طريقة الفحص فقط تجزم هذا الأمر.
أبي حنا: نحتاج المزيد من الدراسات
رئيس قسم الأمراض الجرثومية في مستشفى رفيق الحريري الجامعي وعضو اللجنة العلمية في وزارة الصحة الدكتور بيار أبي حنا يلفت في حديث لموقعنا الى أنّ بعض المختبرات لاحظت تغير فيروس كورونا، ولكن الأمر يحتاج الى دراسات جينية، اذ ليس معروفاً -من وجهة نظر أبي حنا- اذا كانت السلالة الجديدة موجودة في لبنان وتسبّب هذا الانتشار الواسع. هذا الشيء معقول -بحسب أبي حنا- ولكن لا إثبات عليه.
عندما تتغير الفيروسات تصبح مع الوقت أقل فتكاً
ويوضح أبي حنا أنّ التغير الجيني الحالي الذي حدث في بريطانيا وأثار الخوف على صعيد العالم ينتقل بسرعة أكثر من السلالة السابقة، لكنه -بحسب أبي حنا- ليس مؤذياً أو فتاكاً أكثر من السلالة القديمة، أضف الى أنّ اللقاحات الموجودة تحمي من السلالة البريطانية، ولكن هذا ليس معناه أن نكون مطمئنين، فهذا الفيروس يتغير أسرع مما نتصور. هذا الأمر يحتم علينا الانتباه وإجراء الدراسات الجينية للفيروس في البلدان لمعرفة ما اذا كان هناك تغير يشكل خطراً. وبحسب أبي حنا، تاريخياً عندما تتغير الفيروسات تصبح مع الوقت أقل فتكاً وتتجانس مع الناس لتصبح أقل ضررا، آملاً أن تجعل التغييرات تدريجياً هذا الفيروس أقل ضرراً في العالم.
للالتزام بالإجراءات البسيطة
كيف السبيل لمواجهة هذه السلالات الجديدة؟ يجيب أبي حنا عن هذا السؤال بالإشارة الى ضرورة الالتزام بالإجراءات البسيطة من وضع الكمامة الى تعقيم اليدين والتباعد الاجتماعي، مشدداً على ضرورة أن يعزل المريض نفسه لحماية محيطه.