خاص العهد
مخاوف من تفاقم كورونا في السجون: ما المطلوب لتدارك الكارثة؟
فاطمة سلامة
لطالما شكّل ملف السجون مادة للتجاذبات في لبنان. كلما تعلو الأصوات بضرورة وضع هذه القضية على سكّة الإصلاح، يجري تسييسها وتحويرها لا بل إفراغها من مضمونها المأساوي. منذ سنوات ونحن نسمع أنّ السجون على وشك الإنفجار، وأنّ الأوضاع بداخلها مزرية للغاية. قرابة العشرة آلاف سجين يتوزعون على 42 سجناً في لبنان. اثنان أو ثلاثة منها تخضغ للمعايير العالمية ولديها المواصفات الهندسية، أما البقية فليست بسجون، بل عبارة عن نظارات وقصور عدل. زنزانة السجن التي من المفترض أن تستقبل شخصاً أو شخصين تضجّ بالمساجين، ولا يوجد فيها أدنى المقوّمات للعيش. هذا الواقع قد ينفع معه غضّ الطرف سابقاً، أما اليوم، ومع جائحة "كورونا" تبدو الصورة مختلفة كلياً. سياسة غضّ الطرف لم تعد تنفع، والكارثة باتت على الأبواب. سجن رومية على سبيل المثال، والذي يعدّ أكبر سجون لبنان جهّز في الأصل لاستقبال 1100 سجين، لكنّه يحتوي حالياً على ما يفوق الـ4500 سجين. وعليه، فإنّ غياب أدنى مقوّمات التباعد الاجتماعي، يعني حكماً أنّ كل سجين معرّض للإصابة. وفي هذا الإطار، يُحكى عن ارتفاع في عداد الإصابات داخل السجون، ما يُنذر بالأسوأ في حال لم يتمّ تدارك الأمر. كما أنّ هذا الواقع يزداد خطورة وسط الحديث عن تفشي الفيروس المتحوّر والمعروف بسرعة انتشاره في لبنان. فما المطلوب اليوم لتدارك الأسوأ في السجون خاصة في سجن رومية؟.
الموسوي: خارطة طريق واضحة وبسيطة لحل أزمة السجون
عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب الدكتور ابراهيم الموسوي كان من أوائل الذين رفعوا الصوت قبل أشهر محذرين من كارثة كبيرة إذا ما تفشى فيروس "كورونا" داخل السجون. اليوم، يعيد الموسوي التحذير من خطورة هذه القضية، ويلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري إلى أنّ العبور بهذه الأزمة يستدعي خارطة طريق بسيطة وواضحة ومباشرة كان لا بد من سلوكها منذ زمن. هذه الخارطة تكمن في إجراء إحصاء واضح لحالات محدّدة للموجودين في سجن رومية سواء المحكومين أو الموقوفين. تماماً كما تستدعي خارطة الطريق أن يكون هناك استنفار قضائي ومحاكمات بشكلٍ استثنائي، وأن يتمّ تخفيض السنة السجنية بما يُتيح لهؤلاء المساجين بالخروج.
لإطلاق ورشة حقيقية على مستوى القضاء لتسريع المحاكمات
وفق قناعات الموسوي، إذا كان السجن هو عقاب للإصلاح يدخل إليه السجين ليخرج عضواً أفضل في المجتمع، فمع الأسف وسط الظروف الحالية يخرج الشخص الذي لديه القليل من الإنحراف أكثر إجراماً وسط غياب التأهيل وغياب الكادر المخوّل بالتّعاطي مع هؤلاء السجناء. يعرب الموسوي عن تقديره واحترامه للجهود التي تبذلها قوى الأمن، لكن هناك مشكلة حقيقية في الموضوع التخصّصي، فهذه القضية -بحسب الموسوي- لا يجب أن تكون في عهدة الأمن الداخلي بل وزارة العدل، بحيث يكون هناك كادر مؤهل للتعاطي مع هذه الفئة. وفي سياق تعداده للمشاكل التي تعاني منها السجون في لبنان، يوضح الموسوي أنّه يتمّ فرز عناصر من قوى الأمن على السجون. هذا العنصر أو ذاك يتعاطى مع المساجين لسنة أو سنتين وعندما تصبح لديه الخبرة في التعاطي مع السجناء، يتمّ فرزه إلى مكانٍ آخر، ليحل مكانه عنصر جديد.
إزاء ما تقدّم، يشدّد الموسوي على ضرورة إطلاق ورشة حقيقية على مستوى القضاء لتسريع المحاكمات وإعادة النظر بموضوع الأحكام، وما إذا كنّا بحاجة إلى تشريعات معينة في مجلس النواب لتعديل القوانين. ويتطرّق الموسوي إلى ملف التلقيح، فيشدّد على أن يكون هناك أولوية للسجناء على مستوى وزارة الصحة لتلقي اللقاح والعناية الطبية لأن هذه الفئة في عهدة الدولة. ورغم قيام هذا السجين أو ذاك بجنحة أو جريمة ولكنه يبقى إنساناً ولديه عائلات ويجب أن لا نحكم عليه بالإعدام مسبقاً.
كورونا يجب أن تكون دافعاً للإصلاح
ويُشدّد الموسوي على أنّ قضية فيروس كورونا يجب أن تكون دافعاً للإصلاح والنهوض في ملف السجون. ثمّة دول أطلقت عشرات آلاف السجناء بسبب أزمة كورونا لأنها غير قادرة على التعاطي مع هذا الموضوع ووسط غياب الحد الأدنى من التباعد الاجتماعي، فكيف بنا الحال في لبنان!.
للتعاطي بمسؤولية
وفيما يأمل الموسوي أن لا نصل إلى الكارثة التي سبق وتوقعناها، يوضح أنّه لو كان قانون "العفو العام" تأمّن لاختلف الأمر، أما اليوم فالأزمة تتفاقم وتزداد أكثر فأكثر وسط الإقفال العام وغياب المحاكمات. برأي الموسوي، لو أنّ كل جهة تعاطت بمسؤولية عليا وبعيداً عن السياسة في هذا الملف من المؤكّد أنّنا سنتمكن من تطويق الأزمة.
بعقليني: أعداد الإصابات إلى تزايد في مبنى "الدال" والأحداث
بدوره، رئيس جمعية "عدل ورحمة" الأب د. نجيب بعقليني الذي يتابع عن كثب قضية السجون في لبنان يؤكّد في حديث لموقعنا أنّه وبحسب المعطيات المتوافرة، فأعداد الإصابات بفيروس كورونا في سجن رومية إلى تزايد خاصّة في مبنى "الدال" والأحداث. ويوضح بعقليني أنّ وباء كورونا تفشى بسرعة كبيرة بين المواطنين العاديين، فكيف الحال داخل السجون حيث لا بيئة صحية وسليمة ولا تباعد بين السجناء، مشدّداً على ضرورة تسريع المحاكمات وتأمين الإحتياجات اللّازمة للسجناء.
لتكثيف الجهود
ولا يخفي بعقليني أنّ هذا الملف محلّ اهتمام من المسؤولين ومنظمة الصحة العالمية وعدد من الجمعيات، لكنّه يطالب الجميع من دولة ومجتمع مدني بضرورة تكثيف الجهود والتّشدد أكثر والعمل على إيجاد أمكنة لحجر المصابين. وفي هذا السياق، تعمل جمعية "عدل ورحمة" على توزيع مواد التّعقيم والتنظيف ومستلزمات الوقاية على المباني والمحكومين -يضيف بعقليني- ولكن عندما تكون المباني غير مجهزة سيتعرّض السجناء للأسف للإصابة ما يحتّم تكثيف الجهود أكثر وأكثر.