خاص العهد
هل من سقف لارتفاع سعر صرف الدولار؟
مع كل ارتفاع لافت لسعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية يدور الحديث مجدداً عن الأسباب التي أدّت إلى ذلك، بين من يؤيد فرضية أنّ ارتفاعه يعود إلى أسباب سياسية بحتة، وبين من يقول أنّ الأمر مرتبط بالشقّ الاقتصادي وما يتربط بقاعدة العرض والطلب التي تحكُم السوق وانعكاس الحديث عن رفع الدّعم عن السلع الرئيسة، فيما البعض يدرج ملف التدقيق الجنائي أيضاً في إطار لعبة الدولار، حيث أنّه كلّما تمّ التداول بهذا الملف، كلّما تمّ الضّغط في مكان آخر لتحييد النظر عنه.
في ظلّ ذلك، وفي نظرة أكثر شمولية وإجمالية يمكن أن نستنتج أنّ جميع هذه الأمور المذكورة ترتبط في ما بينها وتؤدي إلى ما وصلنا إليه من ارتفاع سعر صرف الدولار بشكل كبير في اليومين الماضيين، فيما يبدو أنّ الإتجاه إلى مزيد من الإرتفاع في سعر الصرف في الأيام القادمة.
وللوقوف عند الأسباب الأساسية والثانوية لهذا التقلّب "الخطير" في سعر صرف الدولار، أجرينا مقابلة مع الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي الذي يُعيد الأسباب نفسها إلى تلك التي رفعت الدولار من 2000 إلى 3000 والـ7000 وصولاً إلى الـ9000 ليرة.
ويقول يشوعي لموقع "العهد" الإخباري أنّ هناك عدّة تفسيرات وعوامل لهذا الإرتفاع إحداها العامل السياسي من أجل رفع الضغط لأجل تشكيل الحكومة، أو استعمال "لعبة الدولار" للضغط لتشكيلها.
عامل آخر يضيفه يشوعي وهو "المضاربة"، ويوضح أنّ من يتلاعب بسعر السوق هم الذين يقومون بشراء الدولار بسعر منخفض ثم يرفعونه ويقومون باسترداد "الدولار" مرّة أخرى.
كلّ ما ذكر أعلاه وفق يشوعي هو "أسبابٌ ثانوية"، فيما المشكلة الأساسية هي "بنيوية"، ويشرح أنّ السبب الرئيس لإرتفاع سعر الصرف هو تضخم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية وتراجع احتياطات الدولار في المصرف المركزي.
ويضيف أنّ "هناك خلَلاً قائماً في البنية النقدية في لبنان، حيث أنّ توزيع النّقد بين النقد المحلي والأجنبي فقد توزانه لصالح الليرة اللبنانية، أي أنّ الليرة اللبنانية باتت متوفّرة بشكلٍ هائل في مقابل شحّ الدولار، وهذا ما يؤدي إلى التضخم وبالتالي ارتفاع الأسعار.
يشوعي يؤكد أنّ المشكلة هيكلية، وتعود إلى الفجوة المالية في البنك المركزي التي تبلغ 54 مليار دولار وهي أموال المودعين التي اختفت بشكلٍ مفاجئ.
ويسأل الخبير الإقتصادي "هل نحن بحاجة إلى شركات دولية للتّدقيق الجنائي ليقولوا لنا في النهاية أنّهم اكتشفوا هذه الفجوة التي سببها الهندسات المالية، والزبائنية في القروض السكنية، والمنافع والمكافآت التي وزّعت يميناً وشمالاً، أو الأموال التي صرفت لشراء الإعلام، والتواطئ مع السياسيين"، مشدداً على أنّه لو كان لدينا نظام داخلي للمحاسبة لكان القضاء اللبناني كافياً للمعالجة.
وعن مسألة بلوغ احتياطات مصرف لبنان من الدولار التي تغطّي عمليات شراء السلع الرئيسة الخطوط الحمر، أشار يشوعي إلى أنّ تعريف الدعم الحقيقي هو أنّ الدول تدعم من احتياطاتها، ومن أموال تملكها، إلاّ في لبنان فإنّ دعم اللبنانيين يكون عبر أموالهم الخاصة.
وعن ما يتمّ تداوله حول آليات ترشيد الدعم، توجّه يشوعي عبر "العهد" إلى السياسيين قائلاً "من الإجرام أن ترشدوا أيّ دعم قبل أن تعيدوا الأموال إلى الرصيد المتبقي للمودعين في المصرف المركزي".
ختاماً يحذّر الخبير الإقتصادي من الإنفجار القادم في حال لم يتمّ استرداد أموال المودعين، لافتاً إلى أنّه هناك في لبنان من "يلعب في النار"، وبمصير الناس ولقمة عيشهم.
ويبقى الحديث عن إمكانية تحديد سقف لارتفاع سعر الدولار غير مطروح حالياً في ظلّ وجود مشكلة سياسية متشعبة ولا ضوابط لها، وفي ظلّ غياب السياسية الإقتصادية والنقدية التي يمكن أن تخفّف من التّدهور الحالي.