خاص العهد
المستشفيات تطالب برفع التعرفة.. وكركي لـ"العهد": هناك استحالة ونحذر من أي قرار إفرادي
فاطمة سلامة
قد لا نفلح مئة بالمئة اذا أردنا تعداد الأزمات التي يمر بها البلد حالياً. صدقاً، لا يعرف الفرد من أين يبدأ وكل الأزمات اجتمعت في مكان وزمان واحد. لا شيء يُطمئن، هذه العبارة يكرّرها كثر لا يمكن وصفهم بالمتشائمين بقدر ما يمكن وصفهم بالواقعيين. الصورة على الأرض قاتمة جداً مالياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وحتى صحياً. وفي خضم كل هذه الأزمات، لم يكن ينقص اللبناني سوى الحديث عن اتجاه لرفع تكلفة الاستشفاء، تلك التكلفة التي تعد أصلاً من الأغلى في العالم، لتصبح صحة الإنسان المُهدّدة في الأصل تحتاج الى "ثروة" ربما للحفاظ عليها في بلد قد لا يجد فيه المرء كفاف يومه. طبعاً، "نغمة" رفع تكلفة الاستشفاء وفقاً لسعر المنصة أي 3900 ليرة ليست بجديدة. منذ أشهر يتم التداول بها، ولكنها اليوم تبدو أكثر ترداداً في الأوساط الصحية. الخطوة التي إن حصلت ستتضاعف معها فاتورة الاستشفاء نحو ثلاث مرات، ما يعني حكماً كارثة صحية بكل ما للكلمة من معنى. المستشفيات الخاصة تصر على هذا الخيار متذرعة بأنها تتكبّد الخسائر. وفي المقابل، هناك من لا يرى أحقية لهذه الزيادة. هناك من يطالب المستشفيات التي جنت أرباحاً طائلة تحمل جزءا من المسؤولية في هذا الظرف الصعب الذي يمر به لبنان.
فهل تستدعي أوضاع المستشفيات فعلاً رفع التعرفة الصحية؟ أي واقع يُزجّ فيه المريض وهل يصبح ضحية الكباش الحاصل بين المستشفيات والدولة؟ ماذا عن الجهات الضامنة؟ وهل بإمكان الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي تحمل التكاليف الجديدة اذا ما نُفّذت الخطوة؟.
هارون: لا حل سوى بزيادة التعرفة وفقاً لسعر المنصة أي 3900 ليرة
لا شك أنّ الخلاف الواقع لجهة التعرفة الصحية يُشبه الخلاف الحاصل على أي قضية في هذا البلد. ثمّة وجهتا نظر؛ أولى تتبناها المستشفيات الخاصة وتعبّر فيها عن عجزها عن تحمل الأوضاع والضائقة الاقتصادية والتكاليف المرتفعة، وثانية ترى أنه من غير المنطقي رفع التعرفة المالية للقطاع الاستشفائي دون إيجاد موارد -هذا ان تأكدنا فعلاً من ضرورة رفع التعرفة- تعبّر عنها جهات عدّة منها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. نقيب المستشفيات الخاصة المهندس سليمان هارون لا يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري حلاً سوى بزيادة التعرفة وفقاً لسعر المنصة أي 3900 ليرة. لا نستطيع أن نستمر بهذه الطريقة. منذ عام ونصف ونحن نتحمل في هذه "المعمعة" ونراكم الخسائر. لا بد من إيجاد حل ولكن للأسف حتى اللحظة لا أحد يبحث في الحل، يقول هارون الذي ينفي علمه بأي توجه تصبح فيه الأسعار وفقاً لسعر السوق السوداء كما ذكر البعض. طلبنا إعادة النظر بالتعريفات على أساس سعر دولار المنصة 3900 ليرة.
مصرف لبنان يرفع الدعم عملياً دون أن يعلن ذلك
لكنّ هارون في الوقت نفسه يشير الى أن هناك بعض التكاليف تدفعها المستشفيات وفقاً لسعر السوق السوداء، كالمستلزمات الطبية والوقاية من كورونا وكواشف المختبر، ومواد التعقيم. ورغم أنّ 85 بالمئة من هذه المستلزمات مدعومة من قبل مصرف لبنان، إلا أنّ هارون يقول إنّ التجار يبيعوننا إياها بسعر السوق السوداء نقداً بذريعة أنّ مصرف لبنان لا يدعم هذه المواد. ولكن هذا ليس معناه أننا طالبنا بأن تكون التعرفة على أساس السوق السوداء. وفي هذا الإطار، يلفت هارون الى أنّ المفاوضات مع الجهات المعنية لم تصل الى مكان بعد. الدولة تجيبنا بأن لا أموال لديها، ونحن في هذه الحال بـ"ورطة" كبيرة لأن المستشفيات غير قادرة على تحمل الخسارة والمريض غير قادر على تحمل الدفع من جيبه. نريد حلاً، فالوضع صعب ولا نستطيع المتابعة بهذه الطريقة، فالأزمة التي نمر بها تُفاقم أوضاعنا، وكل يوم نتفاجأ بأمور جديدة يتم تسعيرها وفقاً للسوق السوداء وكأن مصرف لبنان يرفع الدعم عملياً دون أن يعلنها.
الدولة عاجزة عن تأمين الطبابة
هل من الممكن الوصول الى مكان لا تقدر فيه المستشفيات على دفع المستحقات؟ يجيب هارون:" لا نستطيع البقاء في هذا الواقع حيث لا تزال كل التعريفات على سعر الـ1500 ليرة، فيما تزداد المصاريف". كل شيء لا يزال على الـ1500 ليرة من استشفاء الى مختبر، أشعة، العمليات، غرف الإقامة". لا ينكر هارون أنّ الدولة عاجزة وليس لديها المقدرة المادية لتحمل الكلفة ما يضعنا في ورطة. عملياً، الدولة عاجزة عن تأمين الطبابة للمواطن كما هي عاجزة عن الكثير من الأمور. وعليه، فإن صحة المريض مهددة بالتأكيد -يقول هارون- الذي يوضح أن هذا الواقع ستنعكس نتيجته على مستوى الخدمات ولا مهرب من ذلك، وقد بدأت تنعكس فهناك أمور عمدنا الى تأجيلها. على سبيل المثال، عمليات العظم غير المستعجلة. كلها عمدنا الى تأجيلها وكل ما نتمكّن من تأجيله سنؤجله، يختم هارون.
كركي: هناك استحالة لرفع التعرفة لا على سعر السوق ولا على سعر المنصة
مدير عام الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الدكتور محمد كركي يرد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على ما يقوله هارون، فيوضح بدايةً أنّ كل ما نستطيع فعله من تحسينات تندرج ضمن الإمكانيات التي يستطيع الضمان القيام بها. أقررنا الزيادات المطلوبة لكل ما يتعلق بكورونا. أمس الأربعاء أنجزنا كإدارة الدراسة المتعلقة بموضوع زيادة تعريفات غسيل الكلى، ورفعنا الكتاب الى مجلس الإدارة، وستكون التكلفة بحدود الـ15 مليار ليرة سنوياً. كما رفعنا كتابا الى مجلس الإدارة لوضع هذا الأمر كأول بند على جدول الأعمال كي لا يتكلّف المضمون أي فروقات مالية. هذا في ما يتعلق بالأمور الطارئة، أما في ما يتعلّق بما يعرضه القطاع الصحي ونقابة المستشفيات لجهة تسعير تعرفة الاستشفاء وفقاً لسعر المنصة أو السوق السوداء، فهذا الموضوع يحتاج الى إعادة نظر شاملة. وفق كركي، إذا تحدثنا عن تكلفة بسعر 3900 ليرة، فنحن نتحدّث عن مضاعفة التكلفة السنوية التي ندفعها -والبالغة نحو 1200 مليار ليرة- مرتين أو ثلاث مرات لتصبح التكلفة حوالى 3600 مليار ليرة سنوياً، ما يعني عملياً أنّ هناك 2400 مليار ليرة يجب تأمينها، وعليه، هناك استحالة لتطبيق هذا الموضوع لا على سعر السوق ولا على سعر المنصة.
الدولة اللبنانية لم تتمكن من دفع متوجباتها السنوية للضمان
اذًا لم يعد لدى المستشفيات القدرة فعلاً على متابعة عملها الا من خلال رفع التكلفة، وهذا يحتاج الى دراسة -يقول كركي- فأمامنا حلّان؛ إما أن تعطي الدولة اللبنانية مساعدة استثنائية للضمان كي يتمكن من تحمل الأعباء ودفع الفروقات، وإما أن نعمد الى زيادة الاشتراكات لتأمين التوازن المالي في الضمان. لكنّ كركي يستبعد بشكل كبير جداً هذا الموضوع لأنّ الدولة اللبنانية للأسف لم تتمكن من دفع متوجباتها السنوية للضمان والديون السابقة والتي تلامس الـ5000 مليار ليرة فكيف ستتحمل التكاليف الجديدة؟. يتفهم كركي أن كل شيء في البلد بات يحتاج الى إعادة نظر، إلا أنه يشير الى أنه وقبل إعادة النظر علينا أن نعرف على أي سعر صرف سيستقر الدولار. اذا سرنا بتعرفة على أساس الـ3900 ليرة، وأصبح الدولار بـ20 ألفاً، ماذا نكون قد فعلنا؟، يسأل كركي الذي يستغرب كيف يطالب بالزيادات من راكم أرباحا على مدى 30 سنة. يتفهم كركي الوضع الضاغط على الجميع، ولكن في النهاية هناك إمكانات محدودة ومصادر تمويل معروفة. ثمّة مؤسسات لا تقدر على دفع اشتراكاتها العادية، ولذلك تنجز لها الدولة قوانين تقسيط، فكيف سنزيد عليها الاشتراكات؟.
لن نسمح بأن يكون المضمون ضحية وسنتخذ الاجراءات الرادعة بحق أي مستشفى يتخذ قرارا إفراديا
وعليه، يقول كركي: "اذا كانت الدولة والقطاع الخاص غير قادرين على الدفع، فبالتأكيد الضمان الاجتماعي غير قادر على زيادة تعريفاته أبداً لا على الـ3900 ولا غيرها. بالتأكيد نحن أمام مشكلة كبيرة جداً، لكننا لن نسمح بأن يكون المضمون ضحية ولن نتركه لذلك. هذا الموضوع أكبر من أن تأخذ نقابة المستشفيات منفردة القرار. وعليه، يحذّر كركي المستشفيات عبر موقعنا من اتخاذ أي قرارات إفرادية من طرف واحد، فالضمان لديه عقود إفرادية مع المستشفيات لا مع نقابة المستشفيات، وبالتالي فأي مستشفى سيلجأ الى اتخاذ قرار إفرادي بدون احترام تعريفات الضمان الاجتماعي سنتخذ الاجراءات الرادعة بحقه. نحذر المستشفيات -يضيف كركي- ونحن على علاقة طبيعية معها منذ عام 2011 حيث نعطيهم سلفات مالية وأُدخل اليها آلاف المليارات وهذه حقوقها، وكل شهر نحن ندفع لها سلفات مالية بحدود الـ46 مليار ليرة.
وفي سياق حديثه، يدلّل كركي على دعم مصرف لبنان لـ85 بالمئة من دولارات المستلزمات الطبية. ورداً على سؤال حول ما يقوله هارون من أنّ التجار يتذرعون بشرائها وفقاً للسوق السوداء، يقول كركي: "هذه مشكلتهم يجب أن يتم حلها مع مصرف لبنان أو أي جهة أخرى، وليست مشكلتنا. وفي الاجتماعات التي عقدت برئاسة نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينة عكر بحضور ممثل لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة جرى حل كل الأمور ولم يكن هناك مشكلة، وفي حينها تذرعوا بعدم قدرتهم على دفع الـ15 بالمئة، فوجدت لهم عكر حلاً إما الدفع نقداً أو عبر "شيك مصرفي".
نحدد التعريفات من خلال اللجنة الاستشارية الطبية العليا
وفي ما يتعلق بنا كضمان اجتماعي يشدد كركي على أننا من نحدد التعريفات من خلال اللجنة الاستشارية الطبية العليا والتي تضم ممثلين عن نقابتي الأطباء والمستشفيات، وزارة الصحة، الضمان والجامعات الأميركية واللبنانية واليسوعية. هذه اللجنة على مستوى عال في الضمان الاجتماعي وتحدد التعريفات التي يطبقها المعنيون بعدما يقرها مجلس إدارة الضمان. يعود كركي ليحذر من أي قرار إفرادي دون الرجوع الى الضمان والتعريفات، واذا كان الوضع فعلا كارثياً ولا أحد يلبيهم، فلتتحمل الدولة مسؤولياتها وتعلن ما اذا كانت ستبقي التعرفة على الـ1500 ليرة أو ستزيدها. وفي هذه الحال يتطلّب الأمر تدخل وزير المالية، حاكم مصرف لبنان، رئيس الحكومة ونائبه، ووزير الصحة كي نضع الأسس التي على أساسها ستتم عملية التسعير.
لا يمكننا إعطاء أي زيادات اذا لم يكن لديها موارد
ويشدّد كركي على أن لا مشكلة لدينا أن نسعر وفقاً لـ3900 ليرة أو أعلى، ولكن الأهم أنه لا يمكننا إعطاء أي زيادات اذا لم يكن لديها موارد. لهذه الموارد مصدران؛ الدولة اللبنانية، وإما زيادة الاشتراكات او الاثنين معاً، بحيث تعطي الدولة مساهمة استثنائية وفقاً لما ينص عليه الضمان بأنه عندما يكون هناك كوارث بإمكان الدولة أن تتدخل وتعطي مساعدات مالية، واذا كان الوضع فعلاً لم يعد يحتمل -وهذا يتطلب التأكد من وضع المستشفيات من قبل المعنيين- فكلنا سنقف الى جانبها وسنزيد التعرفة ولكن كما سنهتم بالمستشفيات لتقف على رجليها علينا تأمين التمويل اللازم للضمان.
البلد لا يتحمل خضات اجتماعية خاصة صحية
وفي ختام حديثه، يشدّد كركي على أننا لن نترك المريض المضمون أن يكون الحلقة الضعيفة، مجدداً تحذيره من أي قرار فردي دون الرجوع والتنسيق مع الضمان الذي يفتح أبوابه وهاتفه لكافة النقابات والمعنيين في القطاع الصحي. بنظره، لا داعي بالاضافة لأزمات البلد إحداث أزمة صحية جديدة نضع بموجبها المضمون بالواجهة. على المستشفيات إجراء توازن بين قدرات البلد وقدراتها والأهم عدم اللجوء الى قرار إفرادي لأن البلد لا يتحمل خضات اجتماعية خاصةً صحية.