معركة أولي البأس

خاص العهد

الإنفاق الصحي: بين الفعالية وجشع المستشفيات
15/02/2019

الإنفاق الصحي: بين الفعالية وجشع المستشفيات

العهد

تشكلت الحكومة التوافقية الحالية حصيلة وعود انتخابية بمحاربة الفساد وإيجاد حلول للمشاكل الخدماتية التي يعاني منها اللبنانيون. وعلى رأس اللائحة التي تطول الخدمات الصحية. فاللبنانيون يتوقون إلى الحصول على الأمان المستقبلي من وزارة الصحة في حال التعرض لوعكة صحية تتطلب دخول المستشفى أو عارض صحي يستلزم فحوصات طبية. كذلك يحلم اللبنانيون بفاتورة دواء منطقية توازي أسعار الدواء في البلاد المجاورة وتتناسب مع الأجور السائدة في البلد. هذه الطموحات ليست سوى حقوق لكن السياسات المتعاقبة جعلت من هذا الحلم شبه مستحيل في نظر اللبنانيين.

إن الحديث عن غياب التغطية الصحية في لبنان حديث غير دقيق. فالضمان الاجتماعي والذي يندرج كمؤسسة عامّة تحت وصاية وزارة العمل يغطي الاستشفاء، مقابل اشتراك، بنسبة 90% وما يقارب 70% من فاتورة الدواء للمعاملين لدى المؤسسات العامّة والمؤسسات الخاصة المسجلة في الضمان وكذلك الطلاب الجامعيين. إلا أن تهرب المؤسسات من تسجيل العاملين هو سبب ما يتعرض له بعضهم من عدم التغطية في حالات المرض. ومن هنا يستوجب العمل على إلزام المؤسسات المتهربة بتسجيل العاملين فيها بالضمان. أما العاملين في الإدارات العامة فيندرجون تحت طبابة تغطيها تعاونية موظفي الدولة.

وبالنظر إلى باقي المواطنين الذين لا يشملهم الضمان، فإن وزارة الصحة تغطي الطبابة من فحوصات وعلاجات وعمليات. فقد كانت ميزانية وزارة الصحة عام 2017 تقارب 708.5 مليار ليرة لبنانية. وهذا يظهر النسب المرتفعة التي من المفترض أن تغطيها وزارة الصحة. وفي ظل كل ذلك، ما زالت المستشفيات تتبارز برفض المرضى على أبوابها.

إن نسبة الإنفاق على الصحة من الناتج المحلي في لبنان حوالي 7%، وهذا يشير إلى أن الإنفاق على الصحة مرتفع. ولكن المشهد العام لا يعكس هذا المستوى من الإنفاق، فنرى المشهد العام للصحة في لبنان متأخراً عن الدول المتقدمة رغم محافظته على مرتبة أفضل من محيطه.

ولعل أبرز أزمات النظام الصحي اللبناني هي عدم تغطية الضمان الاجتماعي طبابة العاملين بعد التقاعد والتي تتم محاولة حلّها عبر الضمان الاختياري. علاوة على ذلك، فقد تعهدت وزارة الصحة تمويل الطبابة 100% لمن يفوق عمرهم الـ 64 عاماً، لكن كثيراً ما لا تستقبلهم المستشفيات تحت ذريعة اخفاق الوزارة بتلبية التزاماتها. فنسبة الإنفاق الحكومي على الصحة تقارب 47.6% من الإنفاق الإجمالي على الصحة. وهذا ما يفسر ضعف المستشفيات الحكومية.

وبما أن القطاع العام أثبت أنه غير فعال وغير كاف، فإن القطاع الخاص يعمل على إغلاق الفجوة. في إحصاء لعام 2016، كشفت وزارة الصحة العامة أنه في كل من مناطق البلد، فإن عدد المستشفيات العامة هزيل مقارنة بالمستشفيات الخاصة.

تم تسجيل أكبر فجوة في جبل لبنان حيث يوجد 5 مستشفيات عامة فقط مقارنة مع 47 مستشفى خاص، تليها منطقة البقاع مع 5 مستشفيات عامة مقابل 21 مستشفى خاص. في الواقع، يدفع المرضى 15 ٪ من الفواتير الطبية في المستشفيات الخاصة بدلا من 5 ٪ في المستشفيات العامة.

علاوة على ذلك، فوفقا لمؤشر BMI وتقرير مفوض من الحكومة، والتي تقارن المستشفيات المحلية بالمعايير الدولية، خلصت النتيجة إلى أن 86 فقط من جميع المستشفيات (144) كانت تعمل بحسب هذه المعايير.

تكشف هذه النتائج عن إهمال قطاع الصحة. وبحسب القانون اللبناني، فإن وزارة الصحة العامة ملزمة بإغلاق المستشفيات غير المعتمدة المعايير الدولية. كما أن إعادة هيكلة هذه المستشفيات مكلفة جدا.

إن الخلل القائم في نظام التأمين الصحي في لبنان يندرج تحت لواء إهمال الوزارة وجشع المستشفيات. فالضمان الاجتماعي ووزارة الصحة هما ركيزتا الإنفاق على الصحة في لبنان. ومع ذلك، تخالف المستشفيات القوانين والالتزامات وتهدر أموال وتتلاعب بالفواتير على حساب الفقير ولا تدخله المستشفى.

لا يمكن تجاهل فواتير الدواء المرتفعة المبنية على احتكار الدواء وحماية التجار. فعادة ما يتم تخفيض سعر الدواء، إن حصل، وإلى حد كبير على حساب الصيادلة. إن تفعيل إنتاج الدواء اللبناني فرصة أمام اللبنانيين لتخفيض فاتورة الدواء وخلق فرص عمل ورفع إنتاجية البلد إلا أن ذلك يتعارض مع مصالح محتكري الدواء.

إن أزمات قطاع الصحة لا يمكن تلخيصها بما سبق، ولكن هذا الطرح يظهر مدى هشاشة القطاع الصحي في لبنان ومجالات الانتهاكات فيه التي لا تقتصر على الفواتير بل تتعداها لعدم الالتزام بالمعايير الصحية الدولية. قد يكون الاتجاه لتنمية المستشفيات الحكومية وإنتاج الدواء المحلي، أو التوجه نحو غيرها من الحلول. ولكن ما يهم أن لا يكون الحل حملات التبرع الخيرية الهادفة إلى معالجة طفل لا يستقبله المستشفى.

إقرأ المزيد في: خاص العهد