خاص العهد
شيخ شهداء المقاومة الإسلامية في صور جديدة تنشر للمرة الأولى
العهد
ولد شيخ شهداء المقاومة الشيخ راغب حرب في بلدته جبشيت من جبل عامل عام 1952 وترعرع في ظل أسرة متواضعة تعيش من زراعة التبغ. تلقى دراسته الابتدائية في مدرسة القرية ثم انتقل الى مدرسة النبطية حيث تابع دراسته المتوسطة.
في سن السادسة عشرة من عمره اتجه لدراسة العلوم الدينية في "المعهد الشرعي الاسلامي" في منطقة النبعة من ضواحي بيروت، واستمر لمدة ثلاث سنوات غادر بعدها لبنان الى النجف الأشرف حيث أمضى أربع سنوات في التحصيل العلمي الجاد، عاد بعدها الى مسقط رأسه جبشيت ليمارس رسالته الدينية، بكل وعي وحكمة وهدوء.
قبل انتصار الثورة الاسلامية المباركة، التزم بإقامة صلاة الجمعة التي أصبحت ملتقى المؤمنين في جبشيت والقرى المجاورة، ومنبراً هاماً للوعي السياسي الثوري.
شارك في انشاء اللجان المساندة للثورة الاسلامية في ايران والتي واكبت كل خطوات الثورة حتى منّ الله بالنصر وتأسست دولة الاسلام وبزغ فجر جديد في عالم المستضعفين.
لقد أحبه كل من عرفه وسنحت له الفرصة ليلتقي به، فقد جمع الى ايمانه الصادق واخلاصه الكبير لله سبحانه، شمائل فريدة قلما جمعت في نفس رجل واحد. كان لين الطبع، متواضع الجنب، لا تفارق البسمة شفتيه، يأنس باستخدام تعابير قومه الطيبين القرويين الذين كان دائم الاعتزاز بهم .. يزورهم ويتفقدهم ويواسيهم ويزرع معهم ويمازحهم حتى يسقط من أمامهم كل الحواجز التي تحول بينه وبينهم.
أقام العديد من المشاريع العامة، فساهم في بناء مدرسة في قرية الشرقية. وأشرف على بناء وادارة مبرة السيدة زينب "ع" في جبشيت لشدة اهتمامه بالأيتام والفقراء وبدأ مشروع توسيع مسجد النبي شيت في بلدته أيضاً.
في حزيران/ يونيومن العام 1982 وعندما حصل الاجتياح الصهيوني للبنان، كان الشيخ يحضر المؤتمر العالمي الأول للمستضعفين في طهران، فانخرط في عداد إحدى الوفود التي شكلتها الثورة الاسلامية على عجل لزيارة العديد من الدول الاسلامية بقصد تحريك المسلمين واستنهاضهم لأداء واجبهم في مقاومة الاحتلال. وعاد مباشرة الى لبنان ليبدأ مع الاخوة المؤمنين الذين وقفوا وحدهم في الساحة يتصدون للاحتلال .. رحلة المقاومة الاسلامية الظافرة.
كان قرار المواجهة الاول الذي اتخذه الشهيد السعيد هو تحريم دفع الضرائب المالية لميليشيا "الحرس الوطني" التي شكلتها "اسرائيل" وقد نفذه أهالي جبشيت بنجاح باهر.
الخطوة الثانية كانت أكثر جرأة، فلقد أنذر الشيخ الشهيد (رض) كل المتعاملين من أبناء بلدته (على قتلهم ودعاهم الى التوبة واقفال المكتب وتسليم السلاح. والا فسيزحف مع الأهالي لإقفاله بالقوة ..
والذي حصل آنذاك أن هذا القرار الجريء قد شجع جميع القرى المجاورة وأقدمت على نفس الخطوة، مما شل فعالية (الحرس الوطني) وقضى على إمكانية تشكيل أي جسم متعامل.
وكانت هذه هي مقدمة إفشال كل المشاريع المحلية التي أرادات "اسرائيل" أن تنشئها في المناطق المحتلة.
داهم الاسرائيليون منزله في البلدة، وهمّ الضباط لمصافحته ومدوا أيديهم، فكانت المفاجأة صاعقة لهم عندما صرخ الشهيد في وجوهم وقال لهم أخرجوا من منزلي "لا أستضيفكم ولا أضيفكم ولا أصافحكم حتى الجلاء عن وطني وبيت المقدس".
اعتقل ليلة الجمعة في 18\3\83 وكان اعتقاله فرصة للانتفاضة الجماهيرية التي شملت كل مناطق الجنوب المحتل واعتصمت جبشيت لمدة سبعة عشر يوماً الى أن تم اطلاق سراحه بعدما شعر العدو أنه أوقع نفسه في مأزق كبير.
في ليلة 16 شباط/ فبراير 1984 م وأثناء عودته من المسجد عقب قراءة دعاء كميل مع بعض اخوانه المجاهدين من أبناء القرية، كَمَن له الاعداء وأطلقوا رصاصات قاتلة باتجاهه، فوقع على الارض مضرجاً بدماء الشهادة وهو يردد "الله اكبر .. والنصر للإسلام".
في يوم تشييعه شارك الألاف من أبناء الجنوب ومن تمكن من المشاركة من بيروت والبقاع، فكانت مبايعة جماهيرية كبرى لخط المقاومة الاسلامية الذي تعمد بالدم العلمائي الطاهر.
أقيمت مجالس الفاتحة عن روحه الطاهرة في كل بقعة وطأتها أقدام المؤمنين في لبنان والعالم الاسلامي.