خاص العهد
سلامة يقرّر التدخل متأخراً.. فهل ينجح في خفض سعر الصرف أم أنّ الأوان فات؟
فاطمة سلامة
قد لا يُصدّق من يسمع تصريح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بعد لقائه وزير المالية غازي وزني أمس الأربعاء أنّ سلامة نفسه من يقوله. قال الحاكم بأمر المركزي "اجتمعتُ مع الوزير وعرضت عليه بعض الاقتراحات(..) التي نعتقد أنها ستؤدي الى انخفاض سعر صرف الدولار في لبنان". من خارج السياق العام لسياسة سلامة أتى تصريحه. ففي كل مرة كان يُطلب منه التدخل كان يُسارع للقول: "لا دولارات لديّ". ومنذ ذلك الحين، حتى اليوم يستنفد الاحتياطي المركزي وتزداد الأوضاع سوءاً، ما يطرح السؤال الآتي: "ما الذي تبدّل وتغيّر اليوم حتى يتدخّل سلامة اليوم؟!".
مرجع مالي: وزني هاتف سلامة للحضور.. واقتراحات الأخير تضبط سعر صرف الدولار شرط أن تنفّذ
يؤكّد مرجع مالي لموقع "العهد" الإخباري أنّ حاكم مصرف لبنان زار وزني بناء على اتصال من الأخير طلب منه فيه الحضور للبحث في ما يمكن فعله من اجراءات للجم الارتفاع الجنوني بسعر صرف الدولار. وتلفت المصادر الى أنّ سلامة وضع وزني خلال اللقاء بصورة مجموعة من الاقتراحات التي اعتبرتها جيدة وفاعلة في إطار ضبط سعر الصرف شرط أن تنفّذ. ما هي هذه الاقتراحات؟
ترفض المصادر الغوص في تفاصيلها بانتظار الاجتماع الذي سيعقده سلامة اليوم الخميس مع المجلس المركزي. للأخير يعود القرار النهائي في البت بهذه الاقتراحات.
سألنا المرجع المالي: لماذا لم يتدخل سلامة سابقاً طالما بيده أسلحة؟ وسرعان ما أجاب: "السؤال يجب أن يوجه الى الحاكم مباشرةً".
منذ اندلاع أزمة النقد في لبنان وترك الأمور تأخذ طريقها السريع نحو الانهيار، والسؤال الرئيسي: أين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة؟ السؤال عن الحاكم ليس سؤالا عن شخصه، بل سؤال عن مهمته ووظيفته ودوره المفروض في إدارة الأزمة. الحاكم بموجب القانون هو الممثل القانوني والشرعي للبنك المركزي، ما يخوّله أن يتمتع بأوسع الصلاحيات. قانون "النقد والتسليف" يوكل للحاكم مهمة الحفاظ على ثبات وسلامة النقد في لبنان، وهو ما لم يفعله سلامة. على العكس من ذلك، ترك الأمور تتدحرج نحو الأسوأ عبر "تعاميم" وقرارات غير مفهومة في السياسة النقدية. تعاميم تزيد الطين بلة، وتحفر عميقاً في الانهيار. تعاميم أحدثت الفوضى في سوق الصرافة، ودفعت بالليرة اللبنانية - التي أوهمنا أنها مستقرة لسنوات - دفعت بها الى الدرك الأسفل.
طبعاً، نحن هنا لا نحمّل سلامة بمفرده المسؤولية عن تدهور الوضع النقدي والمالي في لبنان، لكنّه يتحمّل جزءاً كبيراً من المسؤولية أقله حين وقف موقف المتفرّج على الانهيار؛ بينما كان بوسعه فعل الكثير في بداية الأزمة. ألم يكن يستدعي الوضع حين بدأ جنون الدولار في المرحلة الأولى دعوة المجلس المركزي للانعقاد ليلاً نهاراً للبحث عن حل ما؟ لماذا لم يضخ سلامة في بداية الأزمة مبلغاً من "الدولارات" لضبط السوق عندما كان عداد ارتفاع سعر صرف الدولار يقتصر على بضع مئات من الليرات؟ لماذا في كل مرة كان يطالب فيها الحاكم بالتدخل كان يسارع للقول: لا دولارات لدي؟ لماذا تُرك سوق الصرافين بلا أية رقابة من قبل المصرف المركزي حتى استُخدمت الدولارات المدعومة في غير مكانها؟. أسئلة كثيرة تُطرح في هذا السياق، طبعاً عدا عن التهم التي وجّهت لسلامة بإعطاء أكياس من الأموال اللبنانية من المصرف المركزي الى مصارف عدة كانت تعطيها بدورها لشبكة صرافين يتلاعبون بالعملة الوطنية في السوق السوداء، وغيرها من التهم.
وعليه، هل لا يزال بإمكان سلامة التدخل بعدما ترك السوق لمصيره لفترة طويلة؟ وكيف يمكن أن يلجم سعر صرف الدولار؟.
أبو سليمان: السلاح الوحيد الذي يمكن أن يتدخّل به سلامة هو "وجود الدولارات"
بموازاة تكتم المرجع كما ذكرنا عن ذكر ماهية الاقتراحات، يؤكّد الخبير الاقتصادي وليد أبو سليمان لدى سؤاله: ما الذي يمكن أن يفعله الحاكم للجم سعر صرف الدولار الذي وصل الى مستويات قياسية؟ يؤكّد لموقعنا أنّ السلاح الوحيد الذي يمكن أن يتدخّل به سلامة هو "وجود الدولارات". سلامة مؤتمن على السياسة النقدية وبإمكانه التدخل في سوق القطع عبر الدولارات. ويوضح أبو سليمان أنّ سلامة كان تخلى عن التدخل بالسوق، وتعهّد تأمين السلع الأساسية، ومؤخراً كان يمد الصرافين بنحو 350 الف دولار يومياً الى أن توقف مطلع العام عن هذا الأمر.
" لا أعلم ما اذا كان لدى الحاكم وصفة سحرية"
لا يعلم أبو سليمان اذا ما كان الحاكم يملك حالياً الدولارات الكافية للتدخل، يقول: "لا أعلم ما اذا كان لديه وصفة سحرية". برأيه، ضخ الدولارات هو الطريقة الوحيدة لأن السوق قائم على العرض والطلب، وفي حال عرض الحاكم "الدولارات" فبالتأكيد "سيرتاح" السوق. وهنا يلفت أبو سليمان الى أن أي تدخل في السوق من أموال الاحتياطي الالزامي يعني تدخل من ودائع الناس. وحتى الذهب لا يمكن للحاكم أن يتدخل عبره لأن تسييله يحتاج الى قانون.
ويوضح أبو سليمان أن هناك طلباً على الدولار يصل سنوياً الى حدود الـ5 مليارات أي ما لا يقل عن 400 مليون دولار شهريا ما عدا الدعم. سوق الصرافين يتعامل يومياً بحوالى 5 ملايين دولار. وفي المقابل، يوضح أبو سليمان أن هناك دولارات تدخل من المغتربين وهذا ما يساعد السوق قليلاً.
وفي معرض حديثه، ينتقد أبو سليمان عدم مسارعة الحكومة الى إصدار السياسة التموينية منذ أشهر عندما كنا نشرف على ما تبقى من الدولارت قبل نفاد الاحتياطي الالزامي لتأمين الأمن الغذائي والصحي والاجتماعي.
كافة المؤشرات الاقتصادية في انهيار
وفي الختام، يتطرق أبو سليمان الى الأسباب التي تؤدي الى هذا الانهيار الدراماتيكي الخطير لليرة، فيوضح أنّه وعدا عن الأسباب الجوهرية للارتفاع، فإن كافة المؤشرات الاقتصادية في انهيار. عرض الدولار يقل فكل شخص يتمسك به كونه بات سلعة نادرة، فيما الطلب يزداد وسط عدم تحريك المعنيين ساكناً. ولدى سؤاله عن السعر الحقيقي للدولار، يشدد أبو سليمان على أنه من الصعب جداً تحديده، لافتاً الى أنه وفي حال رفع الدعم سيزداد سعر الصرف أكثر، مشيراً الى أنّ الأوضاع السياسية تلعب دورا كبيرا في الارتفاع الذي نشهده.