خاص العهد
تجربة حكومات "التكنوقراط" لم تكن مشجّعة.. ولهذه الأسباب الحل بحكومة تكنوسياسية
فاطمة سلامة
نصح الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بتشكيل حكومة تكنوسياسية لا حكومة اختصاصيين كما يسعى. نصيحة تأتي في سياق الحرص على مصلحة لبنان أولاً وأخيراً، رغم عدم ممانعة السير بالخيار الأول. أسدى سماحته النصيحة وهو العالِم بحجم الأزمات التي يتخبّط بها لبنان والتي تعادل ثقل الجبال. أزمات يجب أن تواجه بصلابة وقوة وظهير سياسي منعاً من تشكيل حكومة تسقط في الشارع. ليس المهم تشكيل حكومة بالاسم وكيفما كان، بل المهم تشكيل حكومة فاعلة تتّخذ القرارات المسؤولة والشجاعة لما فيه مصلحة هذا البلد. فلماذا تفضيل الحكومة التكنوسياسية على التكنوقراط (الاختصاصيين)؟.
12 حكومة تكنوقراط.. والتجربة لم تكن مشجّعة
من يطّلع على تاريخ لبنان، يجد أنّ حكومات "التكنوقراط" - وهي الحكومات المشكّلة من وزراء غير سياسيين أو حزبيين يمتلكون الخبرة في اختصاصهم - لم تصمد طويلاً. فمنذ الاستقلال عام 1943 وحتى الحكومة الحالية المستقيلة عرف لبنان 76 حكومة، منها 19 حكومة بعد الطائف في العام 1989. ومن بين هذه الحكومات، ثمّة 12 حكومة من التكنوقراط، 9 منذ الاستقلال حتى الطائف، وثلاث منذ الطائف حتى اليوم، وفق دراسة سابقة لـ"الدولية للمعلومات".
أول حكومة من هذا النوع شُكّلت عام 1964 برئاسة حسين العويني واستمرت 7 أشهر فقط.الحكومة الثانية برئاسة العويني أيضاً دامت نحو 53 يوماً، أي أقل من شهرين. الحكومة الثالثة عام 1966 دامت أقل من تسعة أشهر برئاسة الراحل رشيد كرامي، فيما كانت أطول حكومة من هذا النوع برئاسة الرئيس سليم الحص في الفترة الممتدة بين عامي 1976 و1979، ودامت سنتين و8 أشهر، أضف الى ذلك أن بعض الحكومات استمرت لعام ونصف تقريباً، فيما استمرت حكومة نجيب ميقاتي التي شكّلت عام 2005 ثلاثة أشهر فقط. أما الحكومة الأخيرة وهي حكومة الرئيس حسان دياب ورغم أنها عملت ليلاً ونهاراً لحل الأزمات إلا أنها لم تصمد سوى أقل من 7 أشهر.
وان كانت بعض الحكومات التي مرّت من "تكنوقراط" قد تمكّنت من الصمود لأكثر من عام أو عامين، إلا أنّ الوضع الحالي والأزمة التي يشهدها لبنان والتي تكاد تكون الأولى من نوعها، لا تُبشّر مطلقاً بوجود بيئة تنمو فيها هذه النوعية من الحكومات، ما يطرح السؤال الآتي: لماذا الحاجة ماسة لحكومة سياسية أو تكنوسياسية أو كما يفضّل البعض القول سياسية مطعّمة باختصاصيين؟.
بزي: حكومات التكنوقراط تاريخياً كانت تعبر عن خيبة
المحلل السياسي الدكتور وسيم بزي يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ "حكومة الاختصاصيين لا تفقه الأولويات الاستراتيجية التي تحكم ما يحمي البلد ولا تعرفها". برأيه، لا يكفي أن يكون رئيس الحكومة وحده مسيّساً كي نضمن حماية ثوابت البلد وأولوياته الاستراتيجية في ظل صراع محموم في المنطقة بهذا الحجم وهذه الخطورة. ويستذكر بزي تجربة حكومة الرئيس دياب بالمعنى الضيق للاختصاص والتي لم تكن مبشرة. كل حكومات التكنوقراط تاريخياً كانت تعبر ـ برأي بزي ـ عن خيبة.
ولأنّه المطلوب عدم تكرار الأخطاء والاستفادة من تجارب الماضي، ولأن أجندة المتطلبات على جدول أعمال الحكومة القادمة كبيرة وخطيرة وتمس الأمن الاجتماعي والاستراتيجي في البلد، فضلاً عن الأولويات الاقتصادية وسط تعدد الخيارات، لأجل كل ذلك لا بد من حكومة سياسية مطعّمة باختصاصيين. وفق بزي، كل ما سبق من متطلبات لا أحد بإمكانه أن يسوق له ويؤمن له حصانة شعبية ونيابية خاصة في ظل ما يسمى بمواكبة المجلس النيابي لهذه الحكومة الموعودة بتشريعات متناسبة، سوى الحكومة السياسية المطعّمة باختصاصيين.
الاختصاصيون لا يؤمّنون الحصانة السياسية المطلوبة لنجاح الحكومة
ويضيف بزي: "حكومة الاختصاصيين هو عنوان بلورته المبادرة الفرنسية؛ علماً أنّ أول لقاء في قصر الصنوبر مع الكتل ومع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد لم يتحدث فيه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون عن اختصاصيين". ويرى بزي أنّ مسار العقدة بتشكيل الحكومة منذ آب الى اليوم أعادت مضمون الطرح الى ما طرح سابقاً مع الحاج رعد لناحية حكومة مطعّمة ولكن أصلها سياسي وتستطيع أن تحمل أثقال التحدي القائم ولا تنوء تحتها. سماحة السيد نصر الله يقول إن هذا التحدي يحتاج جبالاً وبالتالي لا يمكن لحكومة اختصاصيين من غير ذوي الخبرة السياسية، ولا شرعية شعبية لديهم، ولا تجربة عملية ولا مرجعية سياسية لديهم، والأهم لا يؤمّنون ما يسمى بالحصانة السياسية المطلوبة لنجاح هكذا حكومة، لا يمكن لهؤلاء أن يستمروا. وفق بزي، الأولوية هي لنجاح الحكومة لأنّ أي حالة اعتراض على القرارات غير الشعبية يفترض بالحكومة القادمة أن تتخذها قد تؤدي الى اسقاطها بعد اسبوعين أو شهرين، وهذا ما لوح اليه سماحته.
السياسة تمثّل الضمانة للحكومة
لذلك من الضروري، بالنسبة لبزي أن نعود الى ما تمثله السياسة من ضمانة. أين تمثل السياسة الضمانة؟ يسأل بزي ويجيب على نفسه بالقول: "أولاً في الشرعية الشعبية، ثانياً في شرعية البرلمان، ثالثاً في شرعية إعطاء الثقة، رابعاً في شرعية ترويج القرارات عند جماهير هذه الأحزاب أو الكتل، وبالتالي تصبح ردات الفعل على أي قرارات مضبوطة بالحد الأدنى وتؤمن خريطة أمان لوصولها الى لحظة التطبيق".
وفي المضمون الأبعد لكلام سماحته عن ملف الحكومة، يرى بزي أنّ السيد نصر الله كمن يقول سقطت حكومة الاختصاصيين بكل وضوح. ويسجّل ملاحظته على طرح سماحته حكومة سياسية، لافتاً الى أن السيد نصر الله يريد جلب أكبر مروحة من الأحزاب الى هذه الحكومة، سواء تلك المشارِكة في تسمية الحريري أم لا، وذلك لجعل الجميع شركاء في مسؤولية المرحلة القادمة وصعوباتها وتحدياتها وأن لا يبقى أحد واقف على التل يتفرج وهو سبق أن كان شريكاً في المرحلة. وهنا يلفت المتحدّث الى أن الفرنسيين من المفترض أن يطوروا مبادرتهم، وهناك معلومات سرّبت خلال الساعات الماضية من أوساط ماكرون أن حكومة الاختصاصيين لم تعد تصلح لمواكبة المرحلة.
الحكومة بداية طريق الحل
وفي الختام، يرى بزي أنّ الحكومة هي بداية طريق الحل، ولأنّ البوابة لمقاربة الأزمة الواسعة هي الحكومة، فعليه يجب أن تكون الحكومة محصنة بقدرة إنجاز، والأخيرة مرتبطة ـ بنظره ـ بحد أدنى من التوافق السياسي والغطاء السياسي، مرتبطة برضى البرلمان، وبالقدرة على أن تواكب التشريعات بانسجام داخلي مع إرادة دعم من الخارج.