خاص العهد
أزمة الدولار تنسحب على سوق العقارات..بدء مرحلة ركود كبيرة رغم انخفاض الأسعار
فاطمة سلامة
انتكاسات متتالية شهدها سوق العقارات في لبنان في السنوات الأخيرة. لم يعد السوق نشطاً كما كان في سابق عهده حيث عمليات البيع والشراء في أوجها. يشهد منذ سنوات فترات من الركود. في بعض الأحيان، تنشط حركة البيع قليلاً، لكنها ما تلبث أن تتوقّف. أزمة سعر الصرف التي يشهدها لبنان حالياً كانت بمثابة "الضربة القاضية" إذا صحّ التعبير، بعد أن سبقتها أزمة إيقاف العمل بالقروض المصرفية السكنية. التّخبط السياسي والاقتصادي الذي يعيشه لبنان يجعل الإستثمار في قطاع العقارات بمثابة ضرب من "الجنون" لدى كثيرين. وعليه، يُفضّل كثر التريث ريثما تنجلي صورة القادم من الأيام.
موسى: نحن في بَداية أزمة العقار في لبنان
نقيب الوسطاء والإستشاريين العقاريين وليد موسى يُجري في حديث لموقع "العهد" الإخباري ملخصاً موجزاً عن المحطات التي مرّ بها القطاع العقاري في لبنان في السنوات الأخيرة. يقول صراحة :"بدأنا اليوم مرحلة جديدة وفيها بداية أزمة العقار في لبنان" حيث تراجعت عمليات البيع بنسبة كبيرة. منذ عام 2011 تقريباً بدأت الإنتكاسات في القطاع الاقتصادي، وعام 2017 شهد الضربة القاضية حيث توقف الدعم على قروض الإسكان.
يُقسّم موسى المراحل التي مرّ بها القطاع العقاري في السنوات الأخيرة إلى أربعة. المرحلة الأولى بدأت منذ تشرين الأول 2019 حتى آذار 2020. هذه المرحلة انقلبت فيها المعادلة. فبعد فترة ركود طويلة دامت لعدة سنوات، وخاصة بعد إيقاف الدعم على القروض السكنية من مصرف لبنان شهد السوق حركة نشطة من خلال شراء العقارات من قبل المودعين عبر "الشيكات" المصرفية. أولئك لم يجدوا طريقة لإخراج أموالهم من المصارف سوى عبر "الشيك" المصرفي، وقد تمّت هذه العملية بشكل طبيعي. شهدت تلك المرحلة فترة إقبال على الشراء إذ كان المطوّر أو البائع يبيع ويسدّد ديونه بالمقابل دون أي زيادة على أسعار العقارات.
أما المرحلة الثانية، فقد بدأت منذ آذار 2020 حتى أيلول 2020. هذه المرحلة شهدت زيادة في الأسعار ما بين 25 إلى 30 بالمئة عبر "الشيك" المصري. البعض كان يطلب من مشتري العقار الدفع جزءاً من المبلغ "كاش" وجزءاً آخر عبر "الشيك" المصرفي.
ومن تشرين الأول 2020 حتى شباط 2021، انقلب السوق رأساً على عقب. الأكثرية من أصحاب العقارات كانوا يمتنعون عن البيع إن لم يكن الثمن "كاش" بأكمله، أو مناصفة بين "الكاش" و"الشيك" المصرفي.
وبحسب موسى، دخلنا اليوم في المرحلة الرابعة، إذ بعدما تخطّى سعر صرف الدولار عتبة الـ15 ألف ليرة، شهدت معظم العقارات تحولاً جذرياً، إذ امتنع المالكون عن البيع إذا لم يكن الثمن بالدولار "الطازج"، حتى أنّ بعض المالكين أوقفوا عمليات البيع نهائياً، ولم يقبلوا بـ"الشيك" المصرفي لأنّ قيمته انخفضت مقابل الدولار الحقيقي 24 بالمئة تقريباً.
انخفاض في أسعار العقارات ولا دولار للشراء
ويشدّد موسى على أنّنا متجهون نحو أزمة ومشكلة كبيرة جداً في المستقبل. لا يُخفي أنّ سعر العقار وفقاً للدولار "الطازج" انخفض، ووصل الإنخفاض في بعض الأحيان حدّ الـ 60 بالمئة، ولكنّه يستشهد بالمثل القائل "الجمل بقرش ولا يوجد قرش". برأيه، حتى ولو انخفضت قيمة العقار 60 بالمئة، ولا يوجد دولار "طازج" فمن أين ستشتري الناس؟. صحيح انخفاض أسعار السوق تشكّل فرصة للإستثمار، ولكن من أين سيأتي الإستثمار؟ يسأل موسى ويجيب على نفسه بالقول:" إذا كان من أموال اللبناني في الداخل فلا أموال، وإذا كان من أموال الذين في الخارج فلا أتصوّر أنّهم سيقبلون بالإستثمار في أي قطاع في لبنان طالما لا استقرار سياسي".
القطاع السكني سيدخل في المجهول
يشدّد موسى على ضرورة عدم الإتكال على الإغتراب اللبناني -الذي تآكلت ثرواته في المصارف- للإستثمار في لبنان. بتقديره، فإنّ الحلّ الوحيد هو الإستقرار السياسي والاقتصادي وتشكيل حكومة تضع خطة ورؤية واضحة. هذه الإجراءات تساهم في إدخال العملة الأجنبية إلى لبنان -يقول موسى- الذي يلفت إلى أنّ لدينا أزمة شراء، إذ لن يتمكّن اللبناني من شراء مسكن في المرحلة القادمة حتى ولو انخفض سعره الى 60 بالمئة، فضلاً عن عدم وجود أي قروض سكنية مصرفية ما يدخل القطاع السكني في المجهول. حتى أنّه لا يوجد إمكانية لتطوير منازل سكنية لأنّ المطوّر لديه استحالة بأن يتمكن من التطوير من جهة وشراء مواد البناء بالدولار "الطازج" وبيع العقار بالليرة اللبنانية من جهة ثانية.
أي حكومة مطالبة بوضع الملف الإسكاني على رأس اهتماماتها
يكرّر موسى :"إذا لم يكن هناك حكومة تضع في أولوياتها القطاع الإسكاني، فنحن داخلون على أزمة كبيرة"، وفق قناعاته، فإنّ أي حكومة مطالبة بوضع الملف الإسكاني على رأس اهتماماتها لأن الأزمة قادمة ولن تقتصر على عمليات الشراء، بل الإيجار أيضاً. مالكو المباني المؤجرة لا يزالون حتى اليوم في ضياع لجهة أي سعر سيعتمدون. لا هم قادرون على الإستمرار بالتسعير وفقاً لليرة اللبنانية، ولا قادرون على تغيير اعتماد سعر صرف الدولار غير الـ1500 ليرة. ثمّة مشكلة أساسية بعمليات الشراء والإيجار. وهنا يشدّد موسى على ضرورة أن يكون هناك إجراءات لخلق التوازن بين المالك والمستأجر. يجب أن يكون هناك سياسات إسكانية تشجع على تطوير المشاريع بالأسعار المعقولة عبر إعفائهم من الضرائب في مواد البناء. يجب أن يكون هناك تحفيزات للمطوّرين لتطوير الشقق بالأسعار المطلوبة، وإلّا فالأزمة كبيرة.
وفي الختام، يطالب موسى بضرورة إنشاء وزارة للإسكان لأنّنا داخلون في مرحلة صعبة.