خاص العهد
هل تصبح الطبابة في لبنان حكراً على الأغنياء؟
فاطمة سلامة
هل تصبح الطبابة في لبنان حكراً على الأغنياء؟ سؤال بات من الملحّ طرحه وسط الحديث عن عدم قدرة المستشفيات على الاستمرار بالتعريفات الحالية. تُطرح في هذا الصدد مسألة زيادة التعريفات ثلاثة الى أربعة أضعاف، ما يعني حكماً عدم قدرة لا الطبقة الفقيرة ولا المتوسطة على تحمل الأعباء الإضافية. يأتي ذلك بالتوازي مع عدم قدرة الجهات الضامنة على تحمل أي زيادة، وبالتزامن مع عدم قدرة الدولة أيضاً على تأمين الموارد الإضافية. فأي مشهد سنكون عليه؟ من سيدفع الثمن؟ وما المخارج للأزمة الاستشفائية؟.
هارون: كلما ارتفع الدولار 1000 ليرة في السوق السوداء يرتفع الدولار الاستشفائي 500 ليرة
نقيب المستشفيات الخاصة في لبنان المهندس سليمان هارون يلفت في حديث لموقع "العهد" الإخباري الى أنّ بعض التكاليف في القطاع الاستشفائي مدعومة وأخرى غير مدعومة، موضحاً أنّ نقابة المستشفيات الخاصة أعدّت دراسة للبحث في مدى تأثير ارتفاع سعر صرف الدولار على كلفة الدولار الاستشفائي، وقد تبين أنّه كلما ارتفع الدولار 1000 ليرة في السوق السوداء يرتفع الدولار الاستشفائي بقيمة 500 ليرة. الدراسة المعمول بها حالياً أجريت على سعر صرف 1500 ليرة ومنذ 20 عاماً اذ لم تأخذ بعين الاعتبار آثار التضخم كل هذه السنوات.
نحتاج إلى رفع التعرفة الاستشفائية بنحو ثلاثة وأربعة أضعاف
وقد بيّنت الدراسة أنه اذا كان دولار السوق السوداء يساوي 9500 ليرة، يعادل الدولار الاستشفائي 4800 ليرة، وعندما يرتفع سعر الصرف الى 12500 ليرة، يعادل الدولار الاستشفائي 6080 ليرة. وفق هارون، ارتفاع التعرفة من الـ1500 ليرة الى الـ4600 يعني ارتفاعها ثلاثة أضعاف وحتى الـ6000 ليرة أربعة أضعاف. هذا هو الواقع -يقول هارون- الذي لا ينكر أنّ وضع البلد لا يسمح للجهات الضامنة بزيادة التعرفة. وعليه، بتنا أمام مشهد يمكن اختصاره بالآتي: الجهات الضامنة لا تقدر على تحمل الزيادات، المستشفيات غير قادرة على تحمل الخسارة، والمريض لا يقدر على تحمل الفوارق. وبالتالي لا بد من إيجاد حل اذ لا يمكن الاستمرار بهذا الوضع.
لا بد من تأليف حكومة
ما الحل؟ يرى هارون أنّ على الدولة تأليف حكومة، فالسبب الأساسي لما نحن عليه اليوم هو المأزق السياسي الموجود في البلد. عبثاً نفعل عندما نفتش عن حل اذا لم يكن من ضمن الحل العام للمأزق الاقتصادي للبلد. المفروض تأليف حكومة تبدأ بمفاوضاتها للاتيان بمساعدات من الخارج سواء من البنك الدولي أو الدول المانحة. ومن جملة الأمور التي يجب أن يتم ايجاد حل لها هو القطاع الاستشفائي. وصلنا الى وضع لم يعد بمقدور المستشفى تأمين الدواء والمستلزمات الطبية للمريض، واذا بقينا على هذا المنوال سنصل الى مرحلة يصبح فيها الاستشفاء حكرا على الأغنياء بحيث لم يعد يجد الفقير مكاناً له. وفي هذا الإطار، يلفت هارون الى أنّ المستشفيات التي تستقبل الفقراء ستقفل.
خميس: تداعيات الزيادة ستنعكس على المؤسسات الضامنة التي ستُفلس
مدير عام تعاونية موظفي الدولة الدكتور يحيى خميس يشير في حديث لموقعنا الى أنّ هارون يتفهم ويعرف حق المعرفة أنّ الهيئات الضامنة لا تستطيع زيادة التعريفات بشكل عشوائي طبقاً للدراسة التي أجرتها المستشفيات الخاصة. طبعاً، نتفهم أن التعريفات باتت قليلة -يقول خميس- لكننا واقعون جميعنا بمأزق كحال لبنان بأكمله. نحن كهيئات ضامنة ومستشفيات في مأزق. المستشفيات الخاصة تعتبر أنها لا تستطيع أن تكمل بهذه التعريفات القليلة، ونحن نتفهم الى حد ما مطالبهم، ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع زيادة التعريفات بدون حلول أخرى، فموازنتنا محددة بالليرة اللبنانية ووفقا لأسعار قديمة. وعليه، أي زيادة نجريها على التعريفات بشكل غير مدروس ودقيق أو كما يقترح البعض بثلاثة وأربعة أضعاف لن نستطيع تحمل تبعاتها. تداعيات هذه الزيادة ستنعكس حكماً على المؤسسات الضامنة التي ستُفلس ولن تستطيع تغطية المرضى.
يلفت خميس الى أن قسماً كبيراً من المستشفيات يعمل على تحميل الفروقات ما بين تعريفات الهيئات الضامنة وفواتير المستشفيات للمريض. الأخير يدفع الثمن وبات الحلقة الأضعف وهذا الأمر لا يجوز، ففي هذه الحالة قد يضطر المريض ربما الى دفع رواتبه لعام كامل حتى يتمكن من دفع التكاليف. الأمر ذاته ينطبق على كافة مرضى الهيئات الضامنة.
ويرى خميس أنه كي نتمكن من دراسة التعريفات يجب أن يكون الدولار مستقرا، ولا أحد بإمكانه ضمان هذا الأمر. وهنا يجزم خميس أنه لا يمكن رفع التعريفات كما تطرح المستشفيات الخاصة بثلاثة وأربعة أضعاف، هذا الطرح لا يمكن. اذا حصل هذا الأمر، فكل موازنتنا في التعاونية لن تغطي جزءاً من الاستشفاء، فما بالكم بالأمراض المستعصية والأدوية والمساعدات الاجتماعية؟ الأمر ذاته ينطبق على الهيئات الضامنة الثانية. يوضح خميس أن تعاونية موظفي الدولة تتكلف سنوياً 105 مليارات ليرة بدل استشفاء. هذا المبلغ اذا جرى مضاعفته ثلاث مرات، فإنّ كل ما يصرف لدينا لا يكفي للاستشفاء. لا يستبعد خميس أن يصبح الاستشفاء حكراً على الاغنياء، بحيث لا يدخل الى المستشفيات سوى من هو مضطر كثيراً.
لا يمكننا أن نعطي المستشفيات الخاصة شيكاً بلا رصيد
ويوضح خميس أننا طرحنا كتعاونية موظفي الدولة فكرة تتقاطع مع أفكار واقتراحات آخرين لجهة ضرورة التفتيش عن موارد. على سبيل المثال الطلب من الهيئات الدولية المانحة مساعدة القطاع الاستشفائي عبر هبات محددة تتوزع بشكل معقول وعادل على الهيئات الضامنة، ما سينعكس إيجاباً على المستشفيات. يشدّد خميس على أننا لا نريد أن نظلم أحدا، لكن لا يمكننا أن نعطي المستشفيات الخاصة شيكاً بلا رصيد وبلا موارد. وهنا، يشدّد خميس على أنه لا يحق للمستشفيات الخاصة أن تحدد وتزيد التعريفات من جانب واحد، فهذا الأمر مخالف للقانون خاصةً أنها أبرمت عقوداً مع الهيئات الضامنة وبهذه الحالة تخالف العقود.
لتكثيف التضامن الاجتماعي حتى ولو اضطرت المستشفيات الى تحمل الخسارة
وفي الختام، يدعو خميس الى إجراء دراسات موضوعية، فالدراسات التي أجريت غير كافية، مطالباً المستشفيات بتكثيف التضامن الاجتماعي والتحمل مع الناس، فالأوضاع مأساوية لدى الجميع. نحن لا نريد إقفال هذه المستشفيات بل نريد لها الاستمرار والصمود في هذه المرحلة والاقتناع بأن هذه المرحلة هي مرحلة التضامن والتكافل الاجتماعي ولو اضطرت الى الخسارة في مكان ما فقط لتبقى المؤسسة واقفة على "رجليها". وفيما يرى خميس أن الدولة مطالبة بإيجاد حلول تساهم على الأقل في تسوية الوضع بشكل معقول وليس عشوائيا أو مفتوحا، يشدّد على أنه ليس أسهل من المطالبة بزيادة التعريفات 4 و5 مرات، لافتاً الى أننا في مرحلة استثنائية تتطلب تدابير استثنائية، ولا يجوز الاستمرار بالكلام عن زيادة التعريفات، فاذا كنا متفهمين لمطالب المستشفيات ليس معناها أن يضعوا التعريفات كما يريدون.