خاص العهد
أطفال اليمن في مواجهة لوكيميا العدوان
سراء جمال الشهاري
في سنين عجاف خيَّم تحالف العدوان الأمريكي السعودي على أرض السعيدة حربًا وحصارًا. استمرأت آلة القتل الفتك بكل متحركٍ وساكن، وحصد الحصار الخانق الأخضر واليابس في جميع المجالات والخدمات.
مركز علاج اللوكيميا بمستشفى الكويت الجامعي بصنعاء، هو الوحيد في الجمهورية اليمنية لعلاج سرطان الدم والذي خُصّص للأطفال، يعد أنموذجًا لبربرية الاستهداف، ولم يسلم هو الآخر من بطشهم.
المركز بإمكاناته المحدودة وكادره الطبي المتأثر بتبعات الحصار الجائر وانقطاع المرتبات منذ أربعة أعوام ونصف لا فرص أمامه يقدمها لأطفالٍ يقصدونه من كل محافظة يمنية، كسبيل نجاة أخير من واقع طافح بالموت.
أمعن حصار التحالف في استهداف هذا المركز واستهداف أطفاله المرضى، ليقتلهم في كل يوم ببطء وبرود، وبانحياز معلن وشراكة فجة في جعل أجسادهم الصغيرة مرتعًا لشراسة السرطان ومضمارًا لاستشرائه، بحظر وصول الدواء المناسب والمنتظر بأنفاس ضعيفة.
يؤكد أطباء المركز وجود انتشار مخيف للّوكيميا خلال سنوات العدوان، وظهور حالات معقدة جدًا وأنواع جديدة من سرطان الدم لدى الأطفال، بما لم يعهده المركز الاختصاصي في السابق.
تفيد أخصائية الأطفال بالمركز الدكتورة نسيم العنسي في تصريحٍ خاصٍ لموقع "العهد" الإخباري أنه تمت ملاحظة زيادة وتفاقم في نوع السرطان نفسه خلال السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت حالات الإصابة (بسرطان الدم النقوي)، وأصبحت حالات سرطان الدم الليمفاوي الحاد - النوع الأكثر انتشارًا- والحالات التي يستقبلها المركز معقدة بشكل كبير وأكثر صعوبة في العلاج.
وتلفت العنسي الى أن نسبة كبيرة من الحالات في مرحلة ما قبل العدوان لم تكن تتجاوز فيها خلايا الدم البيضاء المصابة 50 ألفًا، لكن في هذه السنوات تضاعفت حالات سرطان الدم الليمفاوي الحاد المعقد، ووصلت أعداد كريات الدم البيضاء في بعض الحالات إلى أكثر من 100ألف و200 ألف، بل وصلت إلى 600 ألف وبعض الحالات بلغت مليون خلية سرطانية.
الكارثة أن مركز علاج اللوكيميا وهو الوحيد على مستوى البلد لا يملك القدرة على التعامل مع هذه الأنواع من السرطانات المعقدة، ويصاب غالبية الأطفال بانتكاسات كبيرة يعجز الأطباء عن علاجها، خاصةً مع الوضع الصحي المنهار في البلد جراء حصار وعدوان تحالف الشر الأمريكي السعودي.
وبحسب اخصائية الأطفال بالمركز "يواجه المركز وأطباؤه معاناة كبيرة في علاج الأطفال المصابين بحالات معقدة من السرطان، والذين تحدث معهم انتكاسات أثناء العلاج. فهؤلاء لا يستطيع المركز علاجهم، ويحتاجون للسفر خارج البلد لتتم مداواتهم في مراكز متخصصة، والقيام بعملية زرع نخاع، وأنّى لهم ذلك وقد أطبق العدوان حصاره وأغلق كل المنافذ بما فيها مطار صنعاء الدولي؟".
"العهد" يرصد آلام أطفال مركز علاج اللوكيميا عن كثب
في جولة ميدانية في مركز علاج اللوكيميا، تفاجأنا بالازدحام الشديد بالمرضى الصغار وأهاليهم، فساحته وممراته وغرفه ممتلئة بأطفال ينتظرون بألم ويأسٍ أدوارهم في أخذ جرع العلاج الكيميائي، وغالبًا ما يستمر هذا الانتظار لأيامٍ إن لم تكن أسابيع. ونسبة كبيرة منهم من محافظات بعيدة.
وقد تضاعفت أعداد الأطفال الذين يستقبلهم المركز في السنوات الأخيرة. وبلغت الحالات المستجدة التي سجلها المركز عام 2019 ما وصل الى 159 حالة جديدة، ووصلت هذه الأرقام عام 2020 لما يقرب من 210 إصابات مستجدة.
وتوضح العنسي أن المركز "يستقبل حالات اللوكيميا من كل المحافظات، وهناك انتشار واسع للمرض في محافظات صعدة، والحديدة، وعمران، وحجة"، والتي تعرضت للنسبة الأكبر من القصف بالقنابل العنقودية وبأسلحة محرمة وغامضة، وخلال 2019 - 2020 بدأت الحالات تنتشر بشكل كبير في محافظة إب التي تعد إحدى أهم مراكز لجوء النازحين من المناطق الأشد استهدافًا وتعرضًا للقصف.
فأين يذهب كل هؤلاء الأطفال الذين يفوقون بكثير حجم القدرة الاستيعابية لهذا المركز المتواضع في امكاناته أساسًا، والمخذول أمميًا وانسانيًا؟
أطفال اللوكيميا من ينقذهم من الموت؟
الطفولة في اليمن مسلوبة الأحلام والآمال في ظل استمرار طغيان دول الاستكبار. مرضى اللوكيميا الصغار في صراعهم اليائس مع الإصابة بأجيال أكثر تعقيدًا من السرطان من جهة، ومع انتفاء أي فرصة للتداوي منه وإبطاء فعله المروع في أجسامهم بفعل حصار العدوان لدخول الأدوية، وكذا إغلاق كل منافذ الخروج للعلاج من جهة أخرى، يكابدون أيضًا معاناة أخرى أشد وطأةً حين يرى أحدهم أبويه يتخبطان بحثًا عن قيمة دوائه، وغرقهما في ديون تتراكم لرحلة مفتوحة الاحتمالات بنهاية واحدة، جراء الأوضاع المعيشية الصعبة التي أنتجها تحالف العدوان والحصار. "أوجد الحصار مشقة في توفير أدوية العلاج الكيميائي، فينتظر المرضى لأكثر من أسبوعين حتى تصل، ثم تصل بكميات ضئيلة لا تغطي الاحتياج، وأنواع تتوفر وأخرى لا تتوفر" بحسب العنسي.
هؤلاء الأطفال يكابدون السرطان ويكابدون العدوان، ثم يختارون مرغمين أخيرًا الموت، نجاةً من أحزانهم وآلامهم. وقد تزايدت حالات الوفاة بين عامي 2018 و 2020، وبحسب احصاءات المركز فقد تجاوزت (200) طفل.
يتمنى بعض هؤلاء الصغار أن يؤخرهم السرطان للحظةٍ يسألون فيها أرباب العدوان، لِمَ تقتلوننا ألف مرة ويكفيكم لفعل ذلك فينا جريمة واحدة؟