خاص العهد
ليبيا.. مسار جديد وتحديات كبرى
تونس - روعة قاسم
منذ الإعلان عن تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا بعد اتفاق التسوية الليبية برعاية أممية، كان التحدي الأهم والأبرز هو إعادة الاستقرار الأمني للبلاد وإنهاء الانقسام المتجذر في مؤسسات الدولة. وجاء إعلان رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة، عن توحيد أكثر من 80 في المائة من مؤسسات الدولة الليبية تحت مظلة هذه الحكومة، باستثناء المؤسسة العسكرية، ليشكل خطوة هامة على طريق صعب ينتظر الليبيون بلوغه بفارغ الصبر بعد كل سنوات الآلام والحرب العبثية.
تقارب روسي - ليبي
وفي إطار البحث عن توازنات دولية جديدة وإعادة الحركية للدبلوماسية الليبية بعد كل الجمود خلال السنوات الماضية، قام رئيس الحكومة الليبية مؤخرًا بعدة زيارات خارجية تهدف الى دفع التعاون الثنائي المتبادل بين ليبيا والعديد من الدول، وفي مقدمتها روسيا.
ويبدو أن المعضلة الأهم اليوم التي تواجه حكومة دبيبة هي توحيد المؤسسة العسكرية وانخراط الميليشيات تحت مظلة واحدة، وهذا يتطلب قبول جميع القوى السياسية المسيطرة بالأمر الواقع، ورغم ترحيب اللواء المتقاعد خليفة حفتر بانتخاب السلطة الانتقالية، إلا أنه ما يزال يواصل قيادة قواته. وقال الدبيبة بعيد لقائه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ضمن زيارة إلى موسكو "لا بد أن تعرفوا أن دولة بلا مؤسسة عسكرية واحدة لا يمكن أن تقوم لها قائمة". وأوضح أنه "لا بد لكل الأطراف في المؤسسة العسكرية أن تلتقي تحت مظلة هذه الحكومة لنلتفت إلى بناء هذه الدولة".
ويرى متابعون أن توجه الدبيبة الى موسكو يأتي في إطار محاولة البحث عن مساندة دولة قوية ومؤثرة في ميزان القوى العالمية مثل روسيا لكي يخطو في هذا الاتجاه ويقنع باقي الفرقاء بالمسار الجديد. في هذا السياق قال الدبيبة: "نطلب المساعدة في كل شيء، دولة روسيا الكبيرة العظمى لها خبرة كبيرة جدا في مجال تطوير الخدمات في مجال الصحة وقطاع النفط وباقي الخدمات في البنية التحتية" داعيا إلى "رجوع كل الشركات التي كانت عاملة في ليبيا في مجال الغاز تحديدا، فبعض الشركات موقعة عقوداً في مجال السكة الحديدية وبعض المجالات التنموية الأخرى".
ورد فعل وزير الخارجية الروسي كان ايجابيًا، فقد أكد أن بلاده مهتمة بالمشاركة في وضع الحلول لكل المشكلات والقضايا العالقة أمام دولة ليبيا وأمام الشعب الليبي. وأعرب عن أمله بأن المباحثات الجارية ستمّكن روسيا من التعرف على تقييمات الحكومة الليبية تجاه الوضع الراهن. ودعا لافروف الليبيين إلى تبني خيار المصالحة الوطنية الشاملة.
تحديات اعادة الإعمار
ويؤكد الباحث والناشط السياسي محمد شومار والمتحدث الرسمي باسم لقاء المبادرة الوطنية الليبية في حديثه لموقع "العهد" الإخباري بأنه منذ الإعلان عن السلطة التنفيذية الجديدة كان هناك تعهد منها بالالتزام بمخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي، وذلك التعهد يتعلق بالنقاط التالية: الالتزام بتنفيذ اتفاق جنيف المبرم في 23 أكتوبر / تشرين الأول 2020 والذي وقعت عليه اللجنة العسكرية المشتركة، وتحسين الخدمات مثل توفير الكهرباء والماء وتوفير السيولة النقدية ومجابهة جائحة كورونا، وإنجاز المسار الدستوري المتعلق بالاتفاق على قاعدة دستورية من أجل إجراء الانتخابات في موعدها المحدد وهو 24 من ديسمبر المقبل.
ويرى شومار أن "الحكومة الجديدة تعثرت في إنجاز ولو جزء بسيط من النقطة الأولى، خصوصًا أن هذه النقطة تتعلق بجانب فرض الأمن واسترداد سيادة الدولة، فمسألة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب وإخلاء القواعد العشر الأجنبية لا تزال مشكلة وتحديا أمنيا كبيرا أمام الحكومة وتجعل من ليبيا دولة محتلة لتواجد أكثر من 20000 مرتزق ومقاتل أجنبي بالإضافة إلى مشكلة انتشار أكثر من 29 مليون قطعة سلاح والتي لم تضع الحكومة الجديدة إلى حد هذه اللحظة خطة لجمعه ووضعه تحت سلطة الدولة. فضلًا عن إخفاق الحكومة في فتح الطريق الرئيسي الرابط بين مدينة مصراتة وسرت. ويؤكد محدثنا أن عدم تصريح رئيس الحكومة ورئيس للمجلس الرئاسي إلى حد هذه اللحظة بمطالبة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب، جعلت مخاوف وهواجس المجموعة الدولية تزداد بشأن عدم إلتزام السلطة التنفيذية الجديدة بإتفاق جنيف المشار إليه آنفا لذلك أصبح تراجع المجموعة الدولية واضحا بخصوص دعم الحكومة الجديدة.
كل ذلك يجعل التحديات أمام السلطة التنفيذية الجديدة أكبر، لذلك فإن الحكومة الجديدة تسعى من خلال سلسلة الزيارات الخارجية الى تأمين غطاء اقليمي ودولي للدفع في اتجاه المصالحة والوحدة وانهاء الانقسام.