خاص العهد
حوار مع اللواء حجازي عن الشهيد طهراني مقدم: أكثر من شهادة
مختار حداد - طهران
بمناسبة رحيل نائب قائد قوة القدس الشهيد اللواء الدكتور محمد حجازي، ينشر موقع "العهد" الإخباري مقابلة حصرية وهي تنشر لأول مرة باللغة العربية قد أجريت معه قبل عشرة أعوام وفي الأسبوع الأول من استشهاد مسؤول مؤسسة "جهاد الاكتفاء الذاتي" والأبحاث الصناعية في حرس الثورة الإسلامية وأب القوة الصاروخية الايرانية القائد الشهيد اللواء الدكتور حسن طهراني مقدم. واللواء حجازي كان في تلك الأيام نائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة في شؤون الجاهزية والدعم والبحوث الصناعية وهو يتحدث عن رفيق دربه الشهيد الحاج حسن طهراني مقدم.
فيما يلي، شهادة اللواء حجازي بالشهيد مقدم:
*الشهداء الدعامة المعنوية للثورة الاسلامية
نأسف شديد الأسف على خسارة هذا الشهيد في هذه الحياة، بالطبع، هؤلاء الشهداء هم الدعامة الروحية للثورة الاسلامية، فإن أيديهم أكثر انفتاحًا في الجانب الآخر بعد رحيلهم. هذه الانتصارات والنجاحات تساهم في استمرارية الثورة، ومعظم نجاحاتنا هي نتاج دعائهم لنا. اليوم، يدين نظامنا الإسلامي الى دعوات هؤلاء الشهداء الأعزاء ومكانتهم.
نحن محرومون من وجودهم في هذا العالم، ومن واجب جيل الشباب أن يملأ مكانهم الذي لن تغيب إنجازاته عن خواطرنا.
كان الشهيد الحاج "حسن طهراني مقدم" حقًا رجلاً كبيرًا بمقامه ورقيّ أفعاله، نحن الصغار لا نستطيع وصفه، ليس لدينا القدرة على تفسير شخصية من قبيل "الحاج حسن طهراني مقدم". بما أننا تعرفنا عليه، نشكر الله أنه من واجبنا أن نقول بضع كلمات عنه علها تفي بالقليل من صفاته.
كان الشهيد الحاج حسن طهراني مقدم مسؤولًا عن وحدة المعدات منذ بداية الحرب وحتى ما قبل عملية "الفتح المبين"، واغتنم محاربونا المسلمون عددًا من قذائف الهاون وقطع المدفعية الصدامية خلال عملية "طريق القدس"، لا سيما في "الفتح المبين"، في ذلك الوقت لم يكن لدى الحرس الثوري مدافع، كان أقصى سلاح نمتلكه منذ بداية الحرب هو الـ"آر بي جي". لكن في عمليتين، على رأسهما عملية "طريق القدس"، وهما تحرير مدينة بستان، وعملية الفتح المبين، أخذنا الكثير من الغنائم.
باتت هذه الغنائم مصدرًا لتشكيل وحدة المدفعية، وأعطى السيد محسن رضائي، قائد الحرس الثوري حينها، الأمر بتشكيل قيادة المدفعية للحاج "حسن طهراني مقدّم" وأمره بإنشاء وحدة المدفعية، وبعد فترة أطلق الحاج حسن وحدة المدفعية، وظلّ قائدا لها حتى عام 1984، الى أن أصبح قائد فرقة الصواريخ.
لم يكن إطلاق الصواريخ أثناء الحرب مهمة سهلة، لكن لم يصعب هذا الأمر على الحاج حسن طهراني مقدم مؤسّس المدفعية في الحرس الثوري، إذ تمكّن بشجاعته ومن خلال تجاوزه للمألوف من تنفيذ هذه المهمّة، وبعد الحرب، واصل هذا العمل وفي نفس المجال.
*أفكار الحاج حسن السامية
كان لدى الشهيد حسن طهراني مقدم أفكار سامية بعيدة المدى، فعندما كنا نلتقي به كان لديه كل شيء: الروح والإيمان والبهجة والحياة والإرادة والتصميم.
كنا كل يوم نلتقي بالحاج حسن، كان ذلك اليوم يوما مفعما بالحيوية بالنسبة لنا، عندما كان المرء يقضي يومه مع هذا الشهيد العظيم الشأن، كان يندثر التعب والملل، لقد كان صادقًا جدا ودائما ما كان يدعو الآخرين بأسمائهم الأولى، كان يقول "إن ذلك يجلب الحبّ ويقرّب بين البشر"، كان يعبّر عن مشاعره ومعتقداته بصدق تجاه الناس، وكان يقول "إن لديك هذه الخاصية وأنا مهتم بك".
كان دائما يعبر عن إيمانه بالآخرين، وإذا كان لديه تحذير ما يقول بعد التمهيد، سيكون من الجيد أن تفعل ذلك أيضا. لذلك، خلال كل هذه السنوات، كان الشهيد الحاج "حسن طهراني مقدم" شخصًا يعمل بجد واجتهاد ولا يكلّ بكل معنى الكلمة.
* متسلق للجبال
كان الحاج حسن متسلقا للجبال، وقد زار كل جبال إيران عدّة مرات، وكان عضوا في اتحاد تسلّق الجبال. تسلق الجبال الصعبة وبشكل احترافي. كان يجذب الجميع إلى القمّة، إذا كان أحدهم ذاهبا إلى الجبل معه، كان يدفعه للتسلّق معه حتى القمّة، وفي بعض الأحيان كان يعتقد من يرافقه أنه لم يكن مستعدًا ولا يمكنه السير في هذا الاتجاه، إلاّ أن الحاج حسن كان يقول له بكل ثقة "خذ خطوة قصيرة وتعال ببطء"، وبالتزامن كان يتحدّث معه، وفي منتصف الطريق كان يهتف بشعارات ويقرأ الصلوات والأدعية، وعلى حين غرّة يدرك من كان برفقته أنه قد قطع شوطًا طويلًا، ولم يدرك كيف حدث هذا الأمر وبلغ هذا المدى.
كان يُلحق الآخرين به في جميع أعماله التي ينجزها، أي أنه كان قائداً يسير أمام الجميع في الأزمات والمِحَن ويتربّع على القمّة، وكان حريصا على ألاّ يتخلف الآخرون عنه، كما أنه كان يسحبهم إلى القمّة معه. كما كان يضع الأهداف البعيدة المدى والسامية نصب عينيه. لم يفكر قط في الأهداف الصغيرة. كان ينصح دائمًا بالقول "ألقِ نظرة متفحّصة وانظر الى عمق العمل وبعده، ضع الأهداف السامية والعميقة نصب عينيك، إذا كنت تهدف لتحقيق الأهداف الصغيرة، فليس من الواضح أيضًا أنك ستبلغ هذه الأهداف الصغيرة.
*كان مؤمنًا بالنصر الإلهي
كان الحاج "حسن طهراني مقدم" رجلًا تقيًا حقًا، والمؤمن يعني أنه يؤمن بالنصر الإلهي بعون الله والتوفيق على الطريق حتى تحقيق النصر. عندما كان يتحدث كان كأنه رأى هذا النجاح والنصر مثل اليوم الذي سبقه، وتحدث عنه دون أدنى شك أو عيب، فقد رأى ذلك النصر بوضوح.
قال: "لقد جرّبنا، ورأينا الله في كل شيء. لقد رأينا وشعرنا بالله وعونه في كل خطوة وكل يوم، ونحن على يقين من أن الله معنا بعد ذلك".
كان لدى الحاج "حسن طهراني مقدم" روح تجمع من حولها أولئك الاشخاص الذين يتصفون بالتصميم والإرادة والتفاؤل، ولم يكن يُحيط به أشخاص من ذوي القلوب الضعيفة والتي يراودها الشكوك حول النجاح، وقد عمم هذا الأمر، فقد كان يحبّ قائد الثورة من القلب وبإخلاص، لم يكن هناك تسلسل هرمي عسكري بالنسبة له، كان جلّ ما يهمه هو أن يرى ما يريده قلب سماحة قائد الثورة، وكان سيفعل الشيء نفسه. إذا كان قائد الثورة لا يريد شيئا، كان الحاج حسن يمتنع عن فعل ذلك الشيء. كان لديه كل من التولي والتبرّي. كان رجلاً صالحا، كان رائدا في الحسنات، كان العلماء يدورون حوله مثل الفراشات ويهتمون بآرائه.
ما يزال أبناء صناعة الصواريخ في ايران يقولون "إننا مدينون بتقدّمنا لأفكار الحاج حسن طهراني مقدم".
* اللقاء الأخير
قبل ما حصل بأسبوع، كنت قد ذهبت إلى الجبال مع أحد الأصدقاء ورأيته لوهلة أنه يتسلق الجبل خلفنا، ولأنه جاء مسرعًا وصل إلينا فورًا. عندما وصل إلينا، كان لطيفًا ولم يستعجل وجارى خطواتنا. تحدثنا كثيرًا في الطريق، تحاورنا لمدّة ساعة ونصف تقريبًا، منحنا بهذه الروح الحماسية الطاقة، تلك الطاقة الإيجابية المفعمة بالحياة، صعدنا حتى وصلنا الى قمّة المسير، وعندما وصلنا قال لنا إن لديه لقاء الآن، ويجب أن يعود قريبًا، وعاد أدراجه بسرعة رغم إصابة ساقه قليلاً. وبينما كنا ننزل قررنا أن نلتقي في اليوم التالي للحادث الذي استشهد الحاج خلاله، بعد أن وصلتنا الأخبار، كنا ما نزال نفكر في اجتماع يوم غد مع الحاج حسن، لكن كان يراودنا احساس غير مريح ومقلق، وأدركنا بعدها أنه حقّق حلمه أخيرًا.
كان الحاج حسن طهراني مقدم شهيدًا حيًا. كان حلمه أن يقابل رفاق دربه من الشهداء، فقد حقق حلمه، وحُرمت البلاد ومجموعة التحقيقات للقوات المسلحة من وجوده المأثور.
سمعنا دوي انفجار في المقرّ، بعد عدّة متابعات، توصلنا الى المكان الذي صدر عنه، وبعد ساعتين من الحادث علمنا باستشهاد الحاج حسن. لا أعرف كيف أعبّر عن مشاعري، كنت مثل شخص ضائع. عندما سمعت هذا الخبر، شعرت أننا تعرضنا لخسارة كبيرة، لم أكن أعرف كيف أتخذ موقفاً، حتى أنني لم أستطع البكاء.
*الحاج حسن في كلمة واحدة
الشهيد الحاج "حسن طهراني مقدم" كان جبلاً يجمع باقة من الصفات الحسنة والفضائل، لا يمكن اختزاله في كلمة واحدة، الشهيد الحاج حسن طهراني مقدم أكثر ما تبلور فيه بحقّ هو بصيرته ونظرته للأمور البعيدة قبل القريبة وكذلك همته العالية وعمله الجاد وإيمانه بمسار نجاحه ويقينه.
يشار الى أن اللواء الشهيد حسن طهراني مقدم هو من المؤسسين الأساسيين للصناعة الصاروخية في الجمهورية الإسلامية في إيران وهو مؤسس منظومة حرس الثورة الإسلامية الصاروخية والمدفعية خلال فترة الحرب المفروضة على إيران وكان مسؤول مؤسسة جهاد الاكتفاء الذاتي والأبحاث الصناعية في حرس الثورة الإسلامية. أمضى ٢٥ عاماً من عمره في سبيل تأسيس وتطوير المنظومة الصاروخية في الجمهورية الإسلامية ولُقّب بأب القوة الصاروخية في إيران. أوصى الشهيد طهراني مقدم بأن تُنقش على قبره عبارة هنا قبر من كان يسعى لإزالة "إسرائيل".