خاص العهد
منصّة سلامة "تُشرعن" الارتفاع الخيالي للدولار.. فهل تنجح في خفض سعر الصرف؟!
فاطمة سلامة
تأخّر حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كثيراً في ممارسة واجباته المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف. المهمّة الرئيسة تتمثّل بالحفاظ على ثبات وسلامة النقد في لبنان. وعليه، لا الثبات تحقّق ولا السلامة حصلت. على العكس من ذلك، بات لسعر الصرف أسعارًا وأسواقًا بالجملة. انهيار دراماتيكي غير مسبوق شهدته الليرة اللبنانية التي باتت في الدرك الأسفل. وللأسف، فإنّ الحاكم بقي وعلى مدى أشهر طويلة يُشاهد بأم عينيه هذا الانهيار ولا يحرّك ساكناً. كلما كان يقال له تدخّل لكبح جماح الانهيار كان يجيب بالسيمفونية الشهيرة "لا دولارات لديّ". أكثر من ذلك، أصدر تعاميم فاقمت الأزمة وعمّقتها أكثر فأكثر. والمستغرب أنّ الحاكم الذي لم يتدخّل في بداية الأزمة للذرائع التي ذكرناها، قرّر التدخل في عزّها بعدما ارتفع سعر صرف الدولار أكثر من سبعة أضعاف، فأطلق العمل بمنصة "صيرفة" (SAYRAFA) الإلكترونية بهدف "تأمين ثبات القطع" بعدما مهّد أنها قد تكون الحل للواقع النقدي المتدهور.
وبعد أيام على بدء العمل بالمنصة التي "شرعنت" أصلاً الارتفاع الخيالي لسعر صرف الدولار حيث اعتمدت سعر صرف وفقاً لـ١٢ ألفاً، يتّضح أنها لم تساهم قيد أنملة في خفض سعر صرف الدولار، وسط توقعات بأن تشهد السوق السوداء المزيد من الارتفاع. فماذا يقول أصحاب الاختصاص في هذا الإطار؟.
مارديني: المنصة لن تنجح بخفض سعر الصرف
رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الخبير الاقتصادي باتريك مارديني يرى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ تضخمياً شهدته السوق لناحية النتائج التي ستحققها المنصة. لا أتوقع بأن تنجح المنصة ـ يقول مارديني ـ ولم أكن أتوقّع مطلقاً أن تنجح بتخفيض سعر صرف الدولار رغم كل ما قيل. برأيه، من غير المنطقي أن تنجح بخفض سعر الصرف مع الإشارة الى أنّ الهدف منها لم يكن وقف ارتفاع الدولار بل التخفيف من تقلباته رغم أنّ الاتجاه العام سيبقى تصاعديًا، طالما لا تزال طباعة الليرة مستمرة. وهنا يُدرج مارديني ثلاثة أهداف للمنصة:
1ـ إعادة المصارف الى سوق الصرف تدريجيًا، الأمر الذي يوسّع عدد اللاعبين في سوق الصرف للتخفيف من القدرة على التلاعب.
2 ـ الحد من التقلبات الحاصلة في سعر الصرف
3 ـ ترسيخ الفارق بين الدولار القديم والجديد وهنا أصل القضية، فمصرف لبنان كان يقول قبل إطلاق المنصة أنّ الدولار وفقاً لسعر صرف ١٥٠٠ ليرة وأنّ الـ١٢ ألف ليرة هو سعر سوق سوداء، ونحن كمصرف مركزي لا علاقة لنا بالسوق السوداء بل من واجب القوى الأمنية قمع هذا السوق. وعليه، كان يدّعي المصرف المركزي أن سعر الصرف ١٥٠٠ ليرة، أما اليوم فقد اعترف بسعر صرف ١٢ الف ليرة أي اعترف بالحقيقة التي تقول أنّ أي إنسان يريد شراء الدولار لا يمكنه الا بعد دفع ١٢ الى ١٣ الف ليرة. هذا الترسيخ في الفارق أتى بموازاة التأكيد أنّ الدولار المقيّد في المصارف يُسحب وفقاً لسعر ٣٩٠٠ ليرة، وهذا معناه أن سلامة يقول أن هناك دولارين في المصرف: ٣٩٠٠ ليرة و١٢ الف ليرة، وبالتالي فصل سلامة بين الدولار القديم والدولار الجديد معترفاً بتدهور سعر صرف العملة ٨٨ بالمئة أي من ١٥٠٠ ليرة الى ١٢ الف ليرة. هذه نقطة مهمة ـ بحسب مارديني ـ معناها أن كل أصحاب الدولار القديم الذين سيأخذونه من المصارف وفقاً لـ٣٩٠٠ ليرة، ويحوّلونه الى دولار جديد يتعرّضون لـ"هيركات" ٧٠ بالمئة استنادًا الى ما يقر به مصرف لبنان الذي يعترف بهيركات على السحوبات حوالى ٧٦ بالمئة.
برأي مارديني، فإنّ ترسيخ الفارق هو نوع من طريقة إعادة المصارف للعمل بالدولار الطازجة لأن عمل المصارف اليوم متوقف وكل ما تقوم به هو عملية تسليم جزء من الودائع للناس فيما لا تمارس عملها المصرفي المتمثل بتمويل الاقتصاد. وبالتالي، فإنّ الفصل بين الدولار القديم والجديد سيسمح بالمستقبل للمصارف أخذ ودائع بالدولار الجديد وإعطاء القروض بالدولار الجديد ما يعني إنعاش العمل المصرفي في لبنان عن طريق فصل الدولار القديم والجديد بشكل طبيعي.
سعر الصرف سيشهد ارتفاعًا متواصلًا
لكنّ المتحدّث يتوقع ارتفاعاً متواصلاً في سعر صرف الدولار على المدى المتوسط، فالأسباب التي تجعل الدولار يرتفع لم تعالج بعد. هذه الأسباب وفق مارديني تتمثّل بطباعة كميات كبيرة من الليرة من أجل تمويل عجز الموازنة العامة نظراً لأنّ نفقات الدولة اللبنانية أعلى من إيراداتها بالرغم من أنها تخلّفت عن دفع "اليوروبوند". وعليه، يموّل الفارق بين الاثنين عبر طباعة الليرة، ومن ناحية ثانية ثمّة خسائر للمصارف اللبنانية بسبب إيداعها للأموال في مصرف لبنان وإقراضها الدولة والقطاع الخاص وجميعهم تعثروا، ما يعني أنّ المصارف غير قادرة على إعطاء زبائنها أموالهم بالدولار، لذلك تجري طباعة الليرة اللبنانية لإعطائها لأصحاب الودائع الذين يحولون الليرات الى دولار لتحافظ الأموال على قيمتها أكثر ولضمان قدرة شرائية أفضل في المستقبل.
طالما سياسة طباعة الليرة مستمرة فالدولار سيرتفع
وعليه، فإنّ أي ليرة تُضخ في السوق تتحوّل تلقائيًا الى دولار. بحسب مارديني، طالما لم ننجز بعد الإصلاحات للموازنة العامة أي لم تُخفض الدولة اللبنانية نفقاتها، فنحن مستمرون في طباعة الليرة. وبما أنّ الإصلاح لم يحدث ولم تجر إعادة هيكلة للقطاع المصرفي فإننا مضطرون لطباعة الليرة لتمويل سحوبات الزبائن. طباعة الليرة هذه ستؤدي الى ارتفاع بسعر صرف الدولار على المدى المنظور. لكن هذا لا يعني ـ برأي مارديني ـ أنّ الدولار سيرتفع كل يوم. الدولار يرتفع وينخفض ولكن اذا احتسبنا سعر الصرف على المدى الطويل أي منذ عام ونصف حتى اليوم نرى أنه ارتفع من ١٥٠٠ ليرة الى ١٣ الف. وهنا يتوقّع مارديني أن يواصل الدولار ارتفاعه على المدى الطويل. الاتجاه تصاعدي سيكون طالما لم نعالج المشاكل. السبب الأهم لارتفاع سعر صرف الدولار يكمن في طباعة الليرة وبرأي مارديني طالما سياسة طباعة الليرة مستمرة فالدولار سيرتفع مع وجود منصة وبدونها.
لكن في المقابل، يُبقي مارديني الباب مفتوحًا أمام حدوث بعض الأمور النفسية التي تؤدي الى انخفاض سعر صرف الدولار على المدى القصير كالانفراج الحكومي، أو تمكُن المصرف المركزي من إقناع الناس بأن المنصة ستنجح في تخفيض سعر الصرف وهي لن تنجح يضيف مارديني، أو ضخ المصرف المركزي بالتوازي مع المنصة القليل من الدولارات كي يلعب على العامل النفسي. حينها، قد ينخفض سعر الصرف ببادئ الأمر ولكن المحافظة على سعر الصرف ستكون صعبة طالما استمرت طباعة الليرة اللبنانية.
يشوعي: المصارف لا تملك دولارًا نقديًا واحدًا لإعطائه للمودعين
بموازاة انطلاق العمل بالمنصة، أعلن سلامة أنه وبدءاً من نهاية حزيران سيتم دفع خمسين الف دولار للمودعين؛ نصفهم بالدولار نقداً ونصفهم بالليرة اللبنانية. وفق سلامة، ستحل هذه الخطوة أمور المودعين الصغار وعددهم يتعدى المليون حساب، الأمر الذي يفتح المجال للسؤال عن الطارئ الإيجابي الذي يمكّن المصارف من إعطاء الناس أموالها. وفي هذا الإطار، يقول الخبير الإقتصادي إيلي يشوعي "لا ثقة لا ثقة لا ثقة" في كل كلمة يقولها سلامة لأنه لم يفصح عن تفاصيل هذه القضية ولم يستخدم الشفافية في تصريحه. وفق يشوعي، المصارف لا تملك دولارًا نقديًا واحدًا لإعطائه للمودعين. يُرجّح يشوعي أنّ يعمد سلامة الى رد أموال الناس للناس من الناس أي أن يقتطع من ودائع الناس ويعطي الناس، وبهذه الطريقة يستعمل سلامة الودائع الإلزامية. وهنا يشدّد يشوعي على أن لا عدالة بهذه الطريقة، بينما المطلوب إعطاء الناس جزء من المال من ودائعها.