خاص العهد
هل ستلتزم المصارف بقرار مجلس شورى الدولة أم "ستتمرّد"؟
فاطمة سلامة
يتعرّض المودعون لـ"هيركات" بقيمة 75 بالمئة على ودائعهم بالدولار عندما يأخذونها من المصرف وفقاً لسعر المنصة 3900 ليرة. وعليه، فإنّ المودع الذي يسحب 1000 دولار من حسابه المصرفي سيسحبه ثلاثة ملايين و900 ألف ليرة بدل سحبه 13 مليون ليرة وفقًا لسعر الصرف الفعلي السائد في السوق السوداء. هذا الواقع، فُرض بالقوة على المودعين الذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مر؛ إما السحب وخسارة ثلاثة أرباع قيمة الوديعة، وإما التوقف عن السحب وسط انعدام القدرة الشرائية وحاجة المودع لقرش من غيمة كما يُقال.
وبموازاة الإجحاف الذي تتعرّض له الودائع بالدولار، صدر قرار عن مجلس شورى الدولة تحت رقم 24551/2021 قضى بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، والصادر عن مصرف لبنان والذي يقضي بتسديد الودائع وفقًا لسعر المنصة 3900 ليرة للدولار الواحد. قرار مجلس شورى الدولة يقضي بالزام المصارف تسديد صاحب الحساب بعملته الأجنبية، ما يطرح السؤال التالي: هل ستلتزم المصارف بالقرار أم "ستتمرّد" كما سبق وتمرّدت على قانون "الدولار الطالبي"؟.
الكيك: كل التعاميم التي تصدر عن مصرف لبنان وتتجاوز حدود السلطة تكون قابلة للإبطال
تقرأ الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك في قرار مجلس شورى الدولة من الناحية القانونية، فترى في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ التعاميم هي مجموعة من القرارات أو التدابير الإدارية التي تصدر من إدارة أو مؤسسة تدير مرفقًا عامًا أحيانًا يكون لها طابع الإلزامية وأحيانًا تكون بمثابة توجيهات، ولكن في مجمل الأحوال فإنّ التعاميم والتي تصدر تحديدًا عن مصرف لبنان هي تعاميم تنظيمية أي أنها تنظم العمل المصرفي والأمور النقدية والمالية ولا يجب أن تتعدى بأي شكل من الأشكال القوانين.
انطلاقًا مما تقدّم، ترى الكيك أنّ كل التعاميم التي يمكن أن تصدر عن مصرف لبنان وتتجاوز فيها حدود السلطة أو الصلاحية الممنوحة له، تكون قابلة للإبطال امام مجلس شورى الدولة.
مغنية: القرار مهم والعبرة في التنفيذ
بدوره، يُعلّق رئيس جمعية المودعين اللبنانيين حسن مغنية في حديث لموقع "العهد" الإخباري على قرار مجلس شورى الدولة فيصفه بالمهم جدًا جدًا رغم أنّه تأخّر. وفق معلوماته، بعد أزمة 17 تشرين الأول أبلغ القضاة النزيهين السلطات السياسية بضرورة إيجاد حل فوري لأزمة المودعين ضمن خطة واضحة وصريحة لإعادة الأموال والنهوض بهذا البلد، انطلاقًا من أنّه اذا استفحلت الأزمة لن يقفوا مكتوفي الأيدي. حينها تريث القضاة بالتدخل لأنّ كثرة إصدار الأحكام على القطاع المصرفي تدمره. برأي مغنية، ما من عاقل في لبنان يريد أن يدمّر القطاع المصرفي. ثمة فارق بين القطاع المصرفي وأصحاب المصارف الذين يجب أن تعلّق المشانق لهم في وسط بيروت بعد أن أساؤوا الى هذاالقطاع.
إلا أنّه وبعد 17 شهرًا على بداية الأزمة والتخبط السياسي المصرفي إن كان من مصرف لبنان أو الدولة اللبنانية أو المصارف لا يمكن للقضاء أن يقف مكتوف الأيدي. وعليه، يرى مغنية أنّ القرار مهم جدًا لكن العبرة في التنفيذ حيث صدر أهم من هذا القرار ولم ينفذ. سبق أن صدر قانون عن مجلس النواب بموضوع الدولار الطالبي -وهو بطبيعة الحال أقوى من القرار القضائي- لكن المصارف لم تطبقه.
قد تحتال المصارف على القرار بهذين المسارين
يكاد يكون مغنية متيقنًا من أن المصارف لن تنفذ هذا القرار. برأيه، قد يحتالون عليه عبر مسارين:
- عدم دفع "فريش" دولار والاستمرار بدفع "الشيك" المصرفي
- إعطاء الناس ودائعها وفقًا للسعر الرسمي 1500 ليرة. وهنا يلفت مغنية الى أنّه عندما يتبلغ مصرف لبنان من الدوائر الرسمية إبطال العمل بالتعميم سيجد نفسه مجبرًا على ذلك، وعندها قد تقول المصارف إنّ مصرف لبنان لا يعطينا لا دولارات ولا أموالا لدفعها وفق الـ3900 ليرة، وعليه لا سبيل سوى بأخذ الودائع وفق ما يقول "قانون النقد والتسليف" أي وفق السعر الرسمي 1500 ليرة.
لكن مغنية يستبعد الخيار الثاني، ففي حال أعادتنا جمعية المصارف الى سعر الـ1500 ليرة فعندها سنكون أمام كارثة. لذلك، لا اعتقد أن يذهبوا الى هذا الخيار الخاسر. وعليه، قد يذهبوا الى خيار "الشيكات" المصرفية أو يعلنون الإضراب لأسبوع أو أسبوعين.
هل تملك المصارف أموالا لدفع دولار "فريش"؟ وفق مغنية، لدى المصارف أموال فقد جنت أرباحًا بقيمة 20 مليار دولار آخر عقدين من الزمن. لكن ليس لديها 85 مليار دولار. برأيه فإنّ الفجوة اليوم تبلغ 85 مليار. للمودعين في ذمة المصارف ومصرف لبنان والدولة أكثر من مئة مليار دولار موزعة وفق التالي: 15 مليار دولار في مصرف لبنان، 89 مليار دولار مفقودة منها 38 مليار دولار "ديّنتها" المصارف للقطاع الخاص . هذا المبلغ مضمون عبر رهن عقارات وسيارات وشركات وأراضٍ وبالتالي من الممكن تسييل كل هذه القروض، يضاف الى هذا المبلغ 15 مليار دولار في مصرف لبنان، و13 مليار دولار دين بدل سندات "اليوروبوند"، فضلًا عن مبالغ إضافية بدل سندات خزينة وغيرها.
وفي معرض حديثه، يشير مغنية الى أنّ المصارف لا تدفع للمودعين رغم أنّها تملك جزءًا من الأموال رافضةً فكرة أن تكون بمفردها في "بوز المدفع" على حد تعبير المصارف التي تريد أن تتشارك الخسارة مع الدولة ومصرف لبنان، يختم مغنية.