خاص العهد
بين حزيران النكسة والاجتياح.. كسر المعادلات
خاص العهد
تتشابه التواريخ وقد يعيد التاريخ نفسه من حيث الأحداث.. لكن ما بين 5 حزيران/يونيو 1967 و6 حزيران/يونيو 1982 أرخا لبداية حقبة وانتهائها أريد منها تكريس وهم التفوق الاسرائيلي على الجيوش العربية.
السادس من حزيران/ يونيو 1982 تاريخ الاجتياح الاسرائيلي للبنان لن يعيد نفسه بالتأكيد على الأقل بالنسبة الى لبنان وأي بلد فيه مقاومة .. واليوم وبعد معركة سيف القدس يمكن إضافة فلسطين المحتلة إلى هذه المعادلة.
بعد تسعة وثلاثين عاماً يبدو لبنان أكثر قوة وعزماً على مستوى المواجهة الكبرى بعدما تمكّن من اسقاط هذا العدوان ومحو آثاره وتداعياته في الخامس والعشرين من أيار/مايو عام الفين، وكرّس مقاوموه معادلات جديدة في تموز/ يوليو وأب/ أغسطس عام ألفين وستة وما زالت هذه المعادلات تكبر وتتوسع، مؤكدة أن زمن الهزائم قد ولى إلى غير رجعة.
في اجتياح لبنان عام 1982، وفي السادس من حزيران/ يونيو منه أنطلقت الآلة العسكرية الإسرائيلية لتغزو بيروت لاسقاط منظمة التحرير الفلسطينية عقب محاولة اغتيال سفيرها في المملكة المتحدة "شلومو أرجوف". احتل الجنوب اللبناني وتوسع الاحتلال شمالاً بعد مواجهات غير متكافئة مع منظمة التحرير الفلسطينية والقوات السوريّة وبعض التنظيمات الإسلامية الناشئة، وضربت القوات الغازية حصاراً على العاصمة اللبنانية وعلى القوات السورية وتمكنت من اخراج منظمة التحرير من لبنان.
كسر المعادلات
أريد من هزيمة الـ67 أن يكون لها وقع سلبي على معنويات الجيوش والشعوب العربية لتوظيفها لاحقاً في مشاريع الأنظمة التسووية مع كيان الاحتلال، وجاءت حرب تشرين عام ثلاثة وسبعين لتعيد شيئاً من الكرامة. لكن الولايات والتحدة وحليفتها "اسرائيل" استمرا في محاولات توهين إرادة الشعوب، وكان اجتياح لبنان محاولة اعادة تثبيت المعادلة النفسية لصالح الكيان الإسرائيلي وتكريس نهج الاستسلام أمام جبروت القوة ، لكن المقاومة أعادت خلط الأوراق في لبنان والمنطقة بجهادها وصمودها خلال عشرين عاماً من الاحتلال.
الحروب الخاطفة والسريعة ونقل المعركة إلى أرض الطرف الأخر وإنزال أكبر قدر ممكن من الخسائر في الطرف الأخر، ركائز أساسية اعتمدها الكيان الإسرائيلي لكسب حروبه، لكنها في الحروب اللاحقة لم تعد ممكنة. بعد حرب ثلاثة وسبعين لم تعد الحروب مع الجيوش العربية مجتمعة، واقتصرت الحروب مع لبنان وحده لكن سرعة الحسم تلاشت... في اجتياح بيروت قرابة ثلاثة أشهر، في عدوان تموز اثنين وتسعين، ثمانية أيام، وستة عشر يوماً في عدوان نيسان ستة وتسعين، وثلاثة وثلاثين يوماً في عدوان تموز ألفين وستة!
ويشير إلى هذا المنحى معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى في دراسة تقويمية وضعها الباحث والخبير العسكري "جيفري وايت" حول حرب تموز فيقول إن "حزب الله يؤدي دوره بشكل جيد جداً، حيث احتاج الجيش الإسرائيلي إلى أربعة أسابيع كي يغرق في وحول قرى صغيرة في جنوب لبنان، بينما احتاج إلى سبعة أيام للوصول إلى مشارف بيروت خلال اجتياح العام 1982!
انقلبت الصورة هنا، وباتت الشعوب العربية وحتى جيوشها تعيش عصراً آخر، إذ لم تعد الحرب كما في السابق محسومة سلفاً لصالح الكيان الإسرائيلي، بالرغم من احتفاظه بكل مقومات التفوق الجوي والبحري والبري عسكرياً والدعم غير المحدود من الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية.
ما جرى عام اثنين وثمانين 1982 ومقولة أن فرقة موسيقية في الجيش الإسرائيلي تستطيع غزو لبنان ذهبت إلى غير رجعة، وها هو الجيش الإسرائيلي يلقي بكل ثقله في تموز ألفين وستة لاختراق الأراضي اللبنانية وبقي غارقاً أياماً طويلة عند تخوم مارون الراس المحاذية للأراضي الفلسطينية المحتلة يتكبد الخسائر في الجنود والدبابات.
تجربة المقاومة في لبنان وانتصاراتها المتلاحقة على الكيان الإسرائيلي أثبت العديد من الوقائع وكرست مفاهيم مغايرة للتفوق والقدرة والامكانيات عمّا كانت عليه في حقبة الانكسار أمام قوة "اسرائيل" ويمكن ايجازها بالاتي:
ـ طي ثقافة الانكسار والهزيمة والاستسلام التي روّج وعمل على ترسيخها الاعلام العربي والعالمي وانقلاب الصورة للجندي الإسرائيلي حيث بات مهزوماً محبطاً في مواجهة المقاومين سواء في لبنان أو فلسطين، وطاغياً في مواجهة الأطفال والمدنيين العزل.
ـ إرادة القتال هي الركيزة الأساسية للانتصار على الرغم من عدم التوازن في القدرات والامكانيات العسكرية والمادية.
ـ عجز الاحتلال عن مواجهة التكتيكات العملياتية ميدانياً برغم تفوقه التقني والاستخباراتي امام مجموعات المقاومين الذين تمرسوا في التمويه والمناورة وسرعة الحركة والقدرة الدائمة على امتلاك زمام المبادرة والضرب حيث لا يتوقع العدو، واستلهام المقاومين في فلسطين وغيرها للتجربة اللبنانية .
ـ تطوير قدرات المقاومة وتسليحها وترسيخ معادلات البر والبحر، والمطار بالمطار، والحصار بالحصار، وكلها معادلات تتسم بالندية أو ما يصطلح عليه الخبراء العسكريون بتوازن الرعب الذي له وظيفة أساسية هي منع وقوع الحرب.
التاريخ هنا يتغير، ومن كان يستند على وقائع مضت لتكريس الهزيمة والشعور بالاحباط في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي بات أمامه الكثير الكثير من الوقائع التاريخية التي تؤكد أن الشعوب الحيّة والحرة لا تنسى الهزيمة أبداً، ولا تبقى أسيرة لها بل تجعل منها دافعاً لانتصار جديد.
اجتياح 1982
بدأ العدو الاسرائيلي اجتياح لبنان في 6 حزيران/ يونيو العام 1982 تحت عنوان «سلامة الجليل» في عملية بررتها بأنها ردّ على الاعتداء الذي تعرض له سفيرها في لندن. اجتاحت قوات العدو ثلث الأراضي اللبنانية، ودفعت الى العاصمة والمناطق آلاتها الحربية البرية والجوية والبحرية مخلفة أضراراً جسيمة في الأرواح والممتلكات. شمل اجتياح 1982، ثلث الاراضي اللبنانية وارتكب الجيش الاسرائيلي خلاله عدة مجازر في صيدا والزهراني والزرارية وبئر العبد والصنائع وصبرا وشاتيلا. وحاصرت القوات الاسرائيلية بيروت 83 يوماً وقصفتها بعشرات الآلاف من القذائف والصواريخ، وكانت حصيلة الاجتياح ألوف الشهداء والجرحى، اضافة الى أضرار مادية قدرت بنحو ملياري دولار.
أصدر مجلس الأمن ما بين 4 حزيران/ يونيو 1982 (بدء العمليات العسكرية الاسرائيلية التي مهدت للاجتياح) و19 أيلول/ سبتمبر (يوم اكتشاف مجازر صبرا وشاتيلا)، 10 قرارات حول الأحداث المتعلقة بالاجتياح. أما في لبنان فقد بدأت تظهر طلائع مقاومة الاحتلال التي ما لبثت أن تنامت وتصاعدت وتيرتها متخذة اشكالاً مختلفة من العمليات النوعية والمواجهات اليومية الى العمليات الاستشهادية التي نفذتها المقاومة الاسلامية والوطنية على أكثر من جبهة ومحور، لتفرض على الاحتلال اندحاراً جزئياً من الاراضي اللبنانية المحتلة. وجاء انسحاب القوات الاسرائيلية من لبنان بعد اجتياح 1982 وفقاً للآتي:
بيروت: بين 22 و29 أيلول/ سبتمبر 1982.
الشوف وعاليه: 3 و4 أيلول/ سبتمبر 1983.
صيدا ومنطقتها: 16 شباط/ فبراير 1985.
جزين والبقاع الغربي وجبل الباروك: 24 نيسان/ أبريل 1985.
وفي 10 حزيران/ يونيو 1985 أعلنت اسرائيل انسحابها رسمياً من لبنان، غير ان هذا الانسحاب لم يكن كاملاً، فقد احتفظ العدو الاسرائيلي بنسخة معدلة عن الشريط الحدودي الذي كانت أقامته بعد اجتياح 1978، وأضافت اليه قرى وبلدات أخرى بحيث باتت مساحته تبلغ نصف الجنوب وعُشر مساحة لبنان.. تم تحرير معظمها في العام 25 أيار/ مايو 2000 وبقيت مزارع شيبعا وتلال كفرشوبا وهي على موعد مهما بعد غامضاً.. نراه قريبا.