معركة أولي البأس

خاص العهد

حكومة إلى الدين:
22/02/2019

حكومة إلى الدين: "سيدر" أولا

"العهد"

تفصح الأرقام عن خطر الغوص أكثر في مستنقع الدين العام. لا يمكن تجاهل حقيقة نسبة الدين العام من الناتج المحلّي التي قدّرت بـ150%. كذلك، لا يمكن إنكار الخلل في احتساب الناتج المحلي في ظل التهرب الضريبي والمؤسسات غير المسجلة وما ينتج عن ذلك من هامش خطأ كبير في أرقام وزارة المالية. ولكن، لا بد من الاعتراف بأن هذه الأرقام تعكس إلى حدّ معين واقع الإنتاجية في لبنان وعبء الدين على الاقتصاد اللبناني.

بدأت رحلة الاستدانة اللبنانية بعيد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي أنتجت دماراً على مختلف الأصعدة وفي شتّى المناطق. تبلورت بذلك خطط إعادة الإعمار التي اعتمدت حينها، وحتى الآن، إلى حدّ كبير على الاستدانة. وبالتعمّق بفعالية هذه الاستدانة، فإن خوض هذه التجربة مجدداً بات غير محبذ لدى اللبنانيين.

بنى المسؤولون حينها سياسات إعادة الإعمار على أسس لجذب السياح وتجهيز البنى التحتية لإعادة إنعاش الاقتصاد. وبالنظر إلى نتيجة هذه السياسات فالواقع لا يشجع على المضي قدماً بـ"سيدر". يتقاذف أصحاب السلطة مسؤولية فشل هذه السياسات. منهم من يحمّلها الى عدم الاستقرار في البلد، وآخرون يحمّلونها للفاسدين الذين تعاقبوا على السلطة. وإن كان الواقع يجمع السببين، فإن أياً من هذه الظروف لم يتغيّر، لذلك لا بد من الابتعاد عن خوض التجربة الفاشلة مجدداً.

فالبنى التحتية التي أقيمت المؤتمرات المتعاقبة السابقة على أساسها، تكاد لا تُرى اليوم. في الواقع، لم يشهد لبنان سوى تغيير لملامح بيروت التراثية. فقد تمركزت خطط إعادة الإعمار في بيروت الصغرى بغياب واضح للتنظيم المدني في معظم مناطقها. فالكهرباء التي تعتبر أحد أهم مكونات أي عمل انتاجي ما زالت في سياق الأهداف. كذلك، فإن غياب النقل العام واستبداله بالنقل الخاص يشكّل أزمة سير تنهك اللبنانيين وتكلف لبنان ما يفوق الملياري دولار، وحتى الآن لم يظهر أي عمل جدّي لحلّ هذه الأزمة. علاوة على ذلك، غابت الإصلاحات عن الطرق الأساسية ولا تزال عمليات الحفر جارية في اوتوسترادات كان من المفترض أن تنتهي قبل سنوات.  

تتم الاستدانة بحسب خطة مفصلة للإنفاق. في لبنان، يمكن ايجاز هذه الخطة للحصول على تمويل "سيدر" بالرأسمال المقترح إنفاقه في كل قطاع. طلب لبنان هذه الأموال لإنماء قطاعات مختلفة: 4,275  مليون دولار للنهوض بقطاع النقل، 2,873  لحلّ أزمة المياه والريّ، 2,356 مليون دولار لإيجاد البنى التحتية اللازمة لمعالجة مياه الصرف، 3,592 مليون دولار لتفعيل قطاع الكهرباء، 700 مليون دولار للنهوض بقطاع الاتصالات، 1,400 مليون دولار لمعالجة أزمة النفايات الصلبة، 264 مليون دولار لتعويم القطاع السياحي، ليكون إجمالي التمويل المطلوب 15,535 مليون دولار لخطة لا يتخطى حدود عملها البنى التحتية.

استطاع لبنان الحصول على تمويل بقيمة 11 مليار دولار على شكل قروض. هذا ما يشير إلى ضرورة التعمّق بفعالية الاستدانة وإطار نجاحاتها بعد أن انحصرت نتائج تجارب الاستدانة السابقة بسلبيات خدمة الدين. بالنظر إلى ما طرحته الحكومات اللبنانية من خطط إنفاق في المؤتمرات السابقة، فإن شيئاً لم يتغير الآن. لم تزل حدود الخطط إنماء على صعيد البنى التحتية فشلت بتحقيقه الحكومات المتعاقبة.

تتعالى الأصوات بضرورة النهوض بالاقتصاد اللبناني لتجنب أزمات مالية باتت تظهر بالأفق. تلجأ الحكومة لحقيقة أن نمو الناتج المحلي الإجمالي يعكس النمو في القطاعات المختلفة التي ترتبط انتاجيتها بالبنى التحتية لتمويل "سيدر"، ولكنها تهمل واقع نسبة الدين العام للناتج المحلي وخدمة الدين التي أنهكت الاقتصاد. الحصول على قروض "سيدر" هو قرار ستمضي به الحكومة وسيعاني على أثره اللبنانيون من ويلات دين جديد.

إقرأ المزيد في: خاص العهد