خاص العهد
عملية "الوعد الصادق": الفرح الذي لا تكسره ألف حرب
ليلى عماشا
١٥ عامًا على الحرب التي انتزعت من أعمارنا ذاكرة خاصة بها، وانتزعت من تاريخ أرادوه زمنًا للهزائم نصرًا ليس أقلّ من أن يوصف بالإلهي.. إنّه الثاني عشر من تمّوز.. و"خلّة وردة"، بوابة العبور إلى الوعد الصادق، صارت مدى مفعمًا بصوت من رسموا النصر وعدًا صادقًا..
تتجّه القلوب اليوم إلى جبل عامل، إلى الحدود مع فلسطين المحتلة في خراج بلدة عيتا الشعب، إلى التراب الذي شهد، ونغبطه، عملية الأسر التي مرّغت أنف الصهاينة بالذلّ وزُفّ خبرها إلينا فاستقبلته الزغاريد والأفراح..
لكلّ منا حكايته عن كيفية تلقّيه الخبر، عن ردّ فعله الأوّل على العاجل الذي بثّته قناة المقاومة وتناقلته الناس مزيّنًا بالتبريكات وبعلامات الإبتهاج.. ولعلّ مشهد حواجز المحبة التي أقامها الناس لتوزيع الحلوى بالمناسبة هو أحد المشاهد التي يستعيدها المرء كحكاية تعكس فطرة أشرف الناس بشكلها الأوضح..
حلّت عملية الوعد الصادق على قلوب هؤلاء الناس كالبشرى، فصادق الوعد لم يتأخّر في الوفاء بوعده، والقوم الذين لا يتركون أسراهم في السجون لن يتوانوا عن تحقيق الوعد.. هذه العملية التي صُنّفت لطفًا إلهيًا بعدنا تبيّن أنّ العدوان الذي بدا وكأنّه "ردّ فعل" عليها كان خطّة أعدّها الصهاينة لحرب مباغتة يقصمون بها ظهر المقاومة.. وهذا ما ذكره سيد شهداء محور المقاومة الجنرال قاسم سليماني في معرض حديثه عن عملية الوعد الصادق حين قال أن السيد الخامنئي أبلغه شخصيًا بناء على معلومات استخباراتية بأن الصهاينة كانوا عشية عملية الأسر يجهّزون أنفسهم للقيام بعدوان يفاجئون فيه المقاومة، وأنّه نقل هذا المضمون إلى سماحة الأمين العام لحزب الله والأمين على المقاومة السيد حسن نصرالله، فاعتبر العملية جاءت كلطف إلهي حرم الصهاينة عنصر المفاجأة في الحرب، وردّه إليهم سيلًا من مفاجأت لم تنته بعد.
وكما بفطرتهم الشريفة استقبلوا خبر الأسر بالفرح، استطاع أهل المقاومة تذخير هذا الفرح مؤونة للأيام الآتية.. فلم يسلبهم العدوان قطرة من شعورهم بالعز، ولم تتمكن آلة الحرب من استئصال خلية واحدة من يقينهم بأن عملية الوعد الصادق هي بوابة تحرير الأسرى من السجون الصهيونية وخطوة عظيمة على درب تحرير فلسطين.. لذلك، وعلى وقع الغارات والمجازر والدمار الهائل الذي استهدف الضاحية والقرى في الجنوب والبقاع، وعلى الرغم من القهر ومن التهجير ومن الوجع، لم يكفّ الشرفاء برهة عن ترداد عبارة "فِدا المقاومة"، بل بدا كلّ وجعهم صغيرًا بأعينهم، وقربانًا خجولًا يرفعونه حبًا ووفاء وفداءً.
٣٣ يومًا، لا يتسّع الزمان لسرد حكاياتها أو لإيفاء أبطالها ولو القليل من حقّهم علينا.. لكنّه الزمان منذ ١٥ عامًا يردّد:
هنا سطّر رجال الله آيات النصر حرفًا حرفًا.. هنا كتبوا التاريخ بالدم وبالطلقات..
هنا سيّجوا الحقّ بحصون من أضلعهم وبنوا لنا من نبضاتهم الهدارة حصنًا لا يُهزم..
وهنا، ارتكب الصهاينة كلّ ما بوسعهم وما استطاعوا لملمة نواح جنود نخبتهم عن ذاكرة التراب والصخر والهواء.. وهنا شهدوا فخر صناعتهم العسكرية خردة مرمية في أرض هزيمتهم..
١٥ عامًا مرّت حافلة، ممتلئة بانعكاسات النّصر الإلهي.. لم تنته الحرب، لكنّ معركة تموز ٢٠٠٦ ستبقى الدليل القاطع بأن الصهاينة راحلون، وبأنّ زوال اسرائيل من الوجود مسألة وقت تحسمها أرواح تقاتل..
١٥ عامًا، ولم تزل فرحة "عملية الوعد الصادق" تسري في القلوب.. لم يبدّلها العدوان، ولم تنغّصها المواجع، وما زادها كلّ ما حدث بعدها إلّا زخمًا وكثافة.. أشرف الناس الذين تهادوا التهاني في مثل هذا اليوم ما زالوا هنا، على عهدهم، يحدقّون ببشارات النصر المتلاحقة وكلّما اشتدّ عليهم ألمٌ قالوا "فِدا المقاومة".
#زمن_النصرالنصر الإلهي#صيف_الانتصارات