خاص العهد
عام على انفجار المرفأ.. ماذا أنجزت التحقيقات القضائية؟
فاطمة سلامة
على بعد أيام من الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت في 4 آب 2020، ثمّة سؤال بديهي يُطرح: ماذا حقّقت التحقيقات القضائية في هذا الملف؟ لا شك أنّ تلك التحقيقات ليست ملكًا حصريًا للدولة اللبنانية كجهة رسمية، إنها حُكمًا مُلك الشعب اللبناني وكل بيت "مقهور" من أحد أكبر الانفجارات في التاريخ. لا شيء حُكمًا يُعوّض خسارة الإنسان لأهله وأحبابه. لا شيء يُبلسم أنين الجرحى ويمحو تلك الصور "العنيفة" من ذاكرة كل من عايشها خاصةً الأطفال، لكنّ الوصول الى الحقيقة وإحقاق العدالة وكشف كواليس الانفجار المشؤوم تكاد تكون الأمل الوحيد للثأر. أسئلة بديهية تُطرح: هل يُعقل أن نُطل على الذكرى السنوية الأولى للانفجار الكارثي بلا متّهم واحد؟ ما الذي يُعرقل مسار التحقيق؟ ولماذا لا يكون الجميع في خدمة التحقيق طالما أننا أمام قضيّة وطنية كبرى؟.
نشابة: عندما تصبح التحقيقات علنية تقترب من الاعتبارات السياسية
المتخصص بالعلوم الجنائية وحقوق الإنسان الدكتور عمر نشابة يتحدّث لموقع "العهد" الإخباري عن مسار التحقيق في قضية انفجار المرفأ، فيعتبر أنّ التحقيقات عندما تصبح علنية كأن يتم نشر معلومات في الصحف ووسائل الإعلام عن محضر التحقيق تقترب حينها من الاعتبارات السياسية وتبتعد عن الاعتبارات العدلية التي ترتكز على قواعد العدل والإنصاف فقط، وهذا ما حصل للأسف في جريمة انفجار المرفأ وغيرها من الجرائم في لبنان. وفق نشابة، كلما تُنفذ جريمة نجد تفاصيل التحقيق بها في الصحف حيث ينقل الصحفيون عن مصادر من داخل التحقيق ويُنقل عن المحقق العدلي اجتماعه بفلان وعلان وكأن الموضوع مفتوح على الاعتبارات الشعبوية التي تضر حكمًا بمسار التحقيق.
أسباب عدة أدت الى تعثُّر مسار التحقيق
ويوضح نشابة أن عدم وجود متهم واحد على بعد أيام من الذكرى السنوية الأولى مرده الى عرقلة مسار التحقيق. برأيه، لو أنّ التحقيق يحصل في بلد آخر لكان أحرز تقدمًا لكنّه تعثّر لأسباب عدة يوجزها نشابة بالآتي:
أولًا: عدم التعامل المسؤول مع مسرح الجريمة. وفي هذا الإطار، يطرح نشابة أسئلة: "هل يُعقل أن ينام مفوّض الحكومة العسكري بالإنابة فادي عقيقي في منزله بعد يوم من الانفجار؟ لماذا توقف البحث عن المفقودين؟. وفق قناعاته، كان ثمة تعامل غير مسؤول في الأيام الأولى مع مسرح الجريمة، تعامل لا يرقى لأدنى حد من المهنية والاحتراف والأخلاقيات.
ثانيًا: عدم حسن سير مسار التحقيقات ما أدى الى تغيير المحقق في منتصف التحقيق. وهنا يلفت نشابة الى أنّ مسار التحقيق تعرّض لعرقلات كثيرة. برأيه، من غير المعقول تغيير المحقّق العدلي في التحقيق ذاته. هذا الأمر أوجد عقبة كبيرة أخّرت المسار بأكمله.
ثالثًا: عدم تعاون جهات بحجة الحصانات السياسية. وفي هذا السياق، لا يخفي نشابة أنّ المحقّق العدلي ولكي يتمكّن من القيام بعمله يحتاج الى تعاون الجميع. يُعطي نشابة مثالًا، في فرنسا كان ثمّة شكوك حول ضلوع وزيرة الدفاع بالفساد، فعملت الشرطة القضائية على تفتيش مكتبها والحاسوب الخاص بها بينما كانت خارج البلاد. أما في لبنان فالمحقّق العدلي بقضية محالة الى القضاء العدلي -أعلى سلطة قضائية- لا يستطيع إرسال مفتشين الى وزارة أو إدارة للدولة للتفتيش ما يجعل عمله أصعب. يستشهد نشابة بالحالة الفرنسية لقياسها على لبنان سائلًا: "هل يتعاون -على سبيل المثال- الأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية مع المحقّق العدلي بشكل كامل في حال طلب منه الاطلاع على مراسلات تبين ما اذا كانت رئاسة الحكومة على علم بنترات الأمونيوم أم لا؟".
يُشدّد نشابة على أنّ المحقق العدلي عندما يطلب الاستماع الى أشخاص من المفترض أن يرضخ كافة هؤلاء الأشخاص له للإدلاء بإفادتهم بغض النظر عن كيفية المحاكمة، فعلى الجميع الاستجابة لأننا أمام كارثة كبيرة. لا يُخفي نشابة أنّه شعر بأنّ البعض لم يستجب لريبة من عدالة القضاء اللبناني وخشية من ملاحقته بطريقة غير عادلة، فيما يملك البعض الآخر ريبة من أشياء يريد تخبئتها عن القضاء. وفي هذا السياق، يطالب نشابة الجميع بالتعاون مع المحقّق العدلي لإكمال تحقيقه وختمه تمهيدًا لإصدار قراراته الاتهامية وبعدها لكل حادث حديث، فعندما تُتلى الأوراق نرى ما اذا كان العمل العدلي يجري وفق معايير العدالة أم لا.
رابعًا: عدم إعطاء الاذن للاستماع الى موظفين. وهنا يوضح نشابة أنّ الاستماع الى إفادة أحدهم لا يحتاج الى توقيف، فالتوقيف الاحتياطي يجب أن يكون استثناء وليس قاعدة. على سبيل المثال يتم الاستماع الى أحد المديرين العامين ويُترك بسند إقامة. برأي نشابة لا يحق لأحد التمنع عن الحضور للاستماع اليه. لنفترض مثلًا أن المحقّق طلب الاستماع لأحد المديرين الذين يعملون بملف يتعلق بمصلحة الدولة العليا، بإمكان وزير الداخلية طلب تأخير الاستماع لا الغائه.
ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة لإصلاح القضاء اللبناني؟
وفي معرض حديثه، يلفت نشابة الى أنّه ومنذ عام 2005 تطالب قوى كبرى في البلد بتحقيق دولي في الجرائم بذريعة عجز القضاء اللبناني، وعليه يسأل: "ماذا فعلت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2005 حتى اليوم لإصلاح القضاء اللبناني؟ هل يُعقل أنّ كل الحكومات المتعاقبة لم تفعل شيئًا لإصلاح القضاء ومن بينها حكومات فؤاد السنيورة وسعد الحريري ونجيب ميقاتي وتمام سلام؟ أين المبادرات التي أنجزوها لإصلاح القضاء اللبناني بعدما لجأوا الى القضاء الأجنبي لعدم ثقتهم بالقضاء المحلي؟".
ويُذكّر نشابة بجملة من المواقف للدلالة على العرقلة التي تعرّض لها مسار التحقيق. وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم اقترحت اسم القاضي سامر يونس كمحقق عدلي، لكن جرى رفضه لاستقلاليته. نحن لا نعلم -يقول نشابة- ما اذا كان المحقّق العدلي الحالي طارق البيطار مستقلًا وهو يقول إنه مستقل وهذه مؤشرات إيجابية بانتظار نهاية التحقيق، ولكن لماذا يا ترى جرى التركيز على حسان دياب كرئيس حكومة وحيد مع العلم أنّه مرت الكثير من الحكومات؟ هل هذا الموضوع انتقائي أم بسبب عدم توفر المستندات؟ وفي حال عدم توفر المستندات، هل تعاونت الأمانة العامة لمجلس الوزارء مع المحقق العدلي بشأن ملف حسان دياب بنفس القدر الذي تعاونت معه فيه مع ملف رؤساء الحكومات السابقين خصوصًا أنّه ادعى على ثلاثة وزراء من حكومة لم يكن حسان دياب رئيسها؟.
وفيما يُشدّد نشابة على أنّ التحقيق لا يجب أن يكون انتقائيًّا بل يجب أن يطال الجميع، يسأل "هل سيستطيع المحقّق العدلي اليوم أن يتخطّى العقبات ويستمر بالتحقيق بشكل دقيق ومن دون أي اعتبارات سياسية وطائفية وفئوية، ملتفتًا فقط للاعتبارات القانونية دون استثناء أحد من التحقيق؟".