خاص العهد
أين القانون من "الفلتان" الإعلامي؟
فاطمة سلامة
دائمًا ما يُقال وأمام كمّ الأزمات الموجودة على الساحة اللبنانية إنّ الحلّ يبدأ بالقانون. إلا أنّ الممارسة على الأرض تُبيّن ندرة تطبيق القوانين في لبنان تماشيًا مع مقولة إنها وُجدت كي لا تطبق. وللأسف، فإنّ ضرب عرض الحائط بالقوانين في الكثير من المواضيع جعل التجرؤ سيد الموقف على قاعدة "لا رقيب ولا حسيب". هذه الممارسة نراها منذ زمن في الكثير من المجالات والقطاعات. القطاع الإعلامي واحد منها حيث يبرز الأداء الإعلامي اللبناني اليوم في أدنى مستوياته الأخلاقية والمهنية.
التدقيق في أداء بعض الإعلام في لبنان يجعلنا نكتشف أنّ ثمّة "عملاء" إعلاميين. أولئك يخدمون المشروع الأميركي الفتنوي في المنطقة، وهم بذلك يخدمون المشروع "الإسرائيلي". ولن ندخل هنا في النماذج التي باتت معروفة وواضحة وضوح الشمس. بإمكاننا أن نشاهد على وسائل الإعلام اللبنانية ما هبّ ودبّ من صنوف الفتنة واللعب على الأوتار الطائفية والمذهبية و"التبلي" والتحريض والاتهامات المعلّبة والشهادات المزوّرة والملفقة بحق فئة من اللبنانيين على رأسها المقاومة، وكل ذلك بأسلوب "سوقي".
ولا شك أن هذا الأداء الإعلامي في الساحة اللبنانية ليس جديدًا. ما هو جديد بلوغ هذه النوعية أدنى مستوياتها غير آبهةً لا بأخلاقيات المهنة الإعلامية ولا بحُرمة الأشخاص بحيث تُساق الاتهامات جزافًا يمنة ويسرة على "المكشوف" بلا قفازات. يكذبون بثقة عمياء ويروجون الأضاليل دون أي اعتبارات لا للقوانين ولا الأنظمة. فأين القانون من الأداء الإعلامي اليوم؟ ولماذا تغيب الرقابة والمحاسبة؟.
اسماعيل يُدرج الالتزامات والمحظورات وفق ما وردت في القانون
المتخصص في القانون الدستوري الدكتور عصام اسماعيل يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ المادة (13) من الدستور اللبناني تنص على أن "حرية إبداء الرأي قولًا وكتابة وحرية الطباعة (..) مكفولة ضمن دائرة القانون"، بمعنى أنها ليست حرية مطلقة تخوّل الشخص قول ما يريد بل هي حرية مقيّدة تحت سقف القانون. يوضح أنّ المادة (3) من قانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 353 الصادر في 28/7/1994 تؤكّد على المؤسسة الإعلامية التقيد بالالتزامات الآتية:
- الالتزام بوثيقة الوفاق الوطني ومقتضيات العيش المشترك والوحدة الوطنية.
- الالتزام بحرية وديمقراطية النشاط الإعلامي ودوره خاصة في تأمين التعبير عن مختلف الآراء.
- الالتزام بالبرامج والمواد التي من شأنها تشجيع التنشئة الوطنية والمحافظة على السلم الاجتماعي والبنى الأسرية والأخلاق العامة.
- الالتزام بعدم بث أو نقل كل ما من شأنه إثارة النعرات الطائفية أو المذهبية أو الحض عليها أو ما يدفع بالمجتمع وخاصة بالأولاد إلى العنف الجسدي والمعنوي والإرهاب والتفرقة العنصرية أو الدينية.
- الالتزام بالبث الموضوعي للأخبار وللأحداث وباحترامها لحق الأفراد والهيئات بالرد.
أما في ما يتعلّق بالمحظورات، فيوضح اسماعيل أنّ المادة (4) من القانون نفسه تنص على أنّه يحظر على المؤسسات الإعلامية الآتي:
- بث أي خبر أو برنامج أو صورة أو فيلم من شأنه تعكير السلامة العامة أو إثارة النعرات أو الشعور الطائفي أو المذهبي بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
- الحض على العنف والمساس بالأخلاق والآداب العامة والنظام العام.
- التعرض بصورة مباشرة أو غير مباشرة لأسس الوفاق الوطني ووحدة البلاد وسيادة الدولة واستقلالها.
- بث أو إذاعة أي قدح أو ذم أو تحقير أو تشهير أو كلام كاذب بحق الأشخاص الطبيعيين والمعنويين.
- عدم التزام الموضوعية في البرامج الإخبارية وعدم إعطاء الحدث والخبر بماهيته.
- الحصول على أي مكسب مالي غير ناجم عن عمل مرتبط مباشرة أو غير مباشرة بطبيعة عملها.
العقوبات
وحول العقوبات المفروضة على المخالفين، يستشهد اسماعيل بقانون البث التلفزيوني والإذاعي رقم 382 الصادر في 4/11/1994 وتحديدًا بالمادة (35) التي تنص على التالي:
1- في حال عدم تقيد المؤسسة التلفزيونية والإذاعية بالموجبات المترتبة عليها في هذا القانون والقوانين المرعية الإجراء، تتخذ في حقها التدابير الآتية:
- في حالة المخالفة الأولى: لوزير الإعلام بناء على اقتراح المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع، أن يوقف المؤسسة عن البث لمدة أقصاها ثلاثة أيام.
- في حالة المخالفة الثانية ضمن مهلة سنة من تاريخ ارتكاب المخالفة الأولى: لمجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الإعلام المبني على اقتراح المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع أن يوقف المؤسسة عن البث لمدة لا تقل عن ثلاثة أيام ولا تزيد عن شهر.
وهنا يلفت اسماعيل الى أنّ المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع يجتمع بمبادرة منه أو بدعوة من وزير الإعلام، وفي حال تخلف المجلس عن تلبية دعوة الوزير خلال ثماني وأربعين ساعة، لوزير الإعلام الاستغناء عن رأي المجلس. وفق القانون، تكون القرارات المذكورة في المادة أعلاها قابلة للمراجعة أمام المحكمة المختصة التي تنظر فيها حسب الأصول الموجزة على ألا يتجاوز التعويض المحكوم به في حال اعتبر التدبير مخالفاً للقانون مبلغاً مقطوعاً قدره عشرة ملايين ليرة لبنانية عن كل يوم توقيف للمؤسسة التلفزيونية وثلاثة ملايين ليرة لبنانية للمؤسسة الإذاعية.
2- إضافة إلى ما ورد في البند (1) أعلاه، تطبق على الجرائم المرتكبة بواسطة المؤسسات التلفزيونية والإذاعية العقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات العام وفي قانون المطبوعات وفي هذا القانون وسائر القوانين المرعية الإجراء، على أن تشدد هذه العقوبات وفقاً للمادة 257 من قانون العقوبات.
وتضاف عبارة "المؤسسات التلفزيونية والإذاعية" حيث يلزم في جميع القوانين المذكورة، ويعتبر البث بواسطتها مرادفاً للنشر المنصوص عليه في المادة 209 من قانون العقوبات.
وفي معرض حديثه، يلفت اسماعيل الى أنّ مؤسسات البث الإذاعي والتلفزيوني تخضع لأحكام قانون المطبوعات حيث تنص المادة (3) من المرسوم الاشتراعي رقم 104 الصادر في 30/6/1977 على الآتي:
-إذا نشرت إحدى المطبوعات أخباراً كاذبة من شأنها تعكير السلام العام، يعاقب المسؤولون بالحبس من ستة أشهر إلى سنة وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين.
وبحسب اسماعيل فإنّ من حكم عليه حكماً مبرماً بموجب الفقرة السابقة من هذه المادة ثم ارتكب الجرم نفسه أو جرماً آخر يقع تحت طائلة الفقرة نفسها، قبل مرور خمس سنوات على انقضاء العقوبة، تضاعف العقوبة المنصوص عليها في الفقرة الأولى، مع تعطيل الوسيلة الإعلامية خمسة عشر يوماً، وبحالة التكرار للمرة الثانية تكون مدة التعطيل ثلاثة أشهر.
أما إذا كان الخبر الكاذب يتعلق بالأشخاص الطبيعيين أو المعنويين دون أن يكون من شأنه تعكير السلام العام فتتوقف الملاحقة على شكوى المتضرر ويعاقب المسؤولون بالحبس من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر وبغرامة مالية أو بإحدى هاتين العقوبتين فضلاً عما يحكم به من تعويض للمتضرر.
وفي الختام، يأسف اسماعيل لعدم قراءة القوانين من قبل أحد في المؤسسات الإعلامية، مشددًا على أن لا رقابة فعلية على ما يبث من مواد بحيث لا يطبق القانون، فلو كان القانون يطبق لما رأينا كل ما نراه.