خاص العهد
الحد الأدنى للأجور 35 دولارًا.. التصحيح "مستحيل"؟!
فاطمة سلامة
لم يعد الراتب "الشهري" للكثير من الموظّفين والعمال يكفي لتأمين حاجاتهم المعيشية. عملية حسابية بسيطة تؤكّد أنّ العامل يضطر لدفع ما يقارب الـ30 الى 40 ألف ليرة يوميًا للذهاب الى عمله، أي ما يعادل الـ720 الى 960 ألف ليرة بالحد الأدنى. فماذا تبقّى من الراتب كي يُغطّي فواتير الكهرباء والمياه والمواد الغذائية والاستهلاكية والمدارس والسكن وغير ذلك الكثير؟ القدرة الشرائية تآكلت بنسبة 92 بالمئة في بلد بات فيه الحد الأدنى للأجور نحو 35 دولارًا. وعليه، بات تأمين "قوت اليوم" مهمّة شاقة للكثير من العائلات.
أمام هذا الواقع، تعلو المطالبات بضرورة تصحيح الأجور، الأمر الذي يراه أهل العلم والاختصاص ضروريًا لكنّه مستحيل. من جهة لا يمكن بقاء الأجور على الوضع التي هي عليه بعدما فقدت أكثر من 90 بالمئة من قيمتها، ومن جهة أخرى يبدو من الصعوبة بمكان تصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص وسط قلّة الموارد لتمويل هذه "الزيادة". فهل فعلًا ثمّة استحالة لتصحيح الأجور أم أنّ الحلول واردة؟.
يمين: طرحنا مسألة "تصحيح الأجور" غير مرة.. ووزير المال أكد أن الدولة غير قادرة على التغطية
وزيرة العمل في حكومة تصريف الأعمال لميا يمين تشدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري على ضرورة تصحيح الأجور رغم أن المؤسسات في وضع متعثر جدًا. برأيها، لا بد من حلول شاملة للمؤسسات تنعكس على أوضاع العمال. إلا أنّ يمين تقول صراحةً إنّ وزارة العمل وخلال فترة تصريف الأعمال لا يحق لها الدعوة الى تصحيح الأجور، لكنها في الوقت ذاته تشدّد على أن تحسين أوضاع المؤسسات ينطلق بداية من تشكيل الحكومة. هذه الخطوة أساسية ويجب أن تتبعها خطّة شاملة يحدد بموجبها سعر الصرف لتتحدد الأسس التي ستصحّح فيها المؤسسات الخاصة الأجور.
وفيما تلفت يمين الى أننا أمام مشكلة كبيرة، تشدّد على ضرورة النظر الى أوضاع المؤسسات الخاصة لدعمها خاصة أن المحروقات باتت تؤثر على وضع المؤسسات وعملها ما يهدّد الصناعة والمؤسسات الإنتاجية. برأيها، لا بد من مراقبة الأسعار التي باتت تؤثر على القدرة الشرائية للمواطن وسط موجة الاحتكار الحاصلة والتي يبدو فيها "الكل فاتح على حسابه". وفي هذا السياق، تشدّد يمين على ضرورة أن تقوم وزارة الاقتصاد بمراقبة الاحتكارات الحاصلة رغم أنّ المراقبين يقولون كيف سنراقب ولا محروقات في سياراتنا. وهنا تلفت يمين الى أهمية "النقل المشترك" بالنسبة للموظفين لأنه يساهم في تخفيض استعمال المحروقات.
وفي ما يتعلق بتصحيح الأجور في القطاع العام، توضح يمين أننا طرحنا مسألة "تصحيح الأجور" أكثر من مرة، ولكن وزير المال غازي وزني -المعني بالموافقة- أعرب عن رفضه لهذا الموضوع على اعتبار أن الدولة غير قادرة على تغطية هذا الأمر، لكننا في المقابل -تقول يمين- لا نستطيع أن نبقى من دون تصحيح بعدما بات هذا الأمر ضروريًا.
خلاصة الحديث، تشدّد يمين على ضرورة أن تكون هناك خطة شاملة لتصحيح الأجور يكون بموجبها مصدر تمويل "الزيادة" معروفًا كي لا تنعكس المسألة مزيدًا من التضخم.
الأسمر: طالبنا بـ7 ملايين ليرة كحد أدنى للأجور
رئيس الاتحاد العمالي العام الدكتور بشارة الأسمر يعتبر في حديث لموقعنا أنّ الأجور لم تعد تحتمل. يُعطي مثالًا بسيطًا ليعبّر عن حجم المعاناة. لنفترض أنّ موظفا يتقاضى راتبًا بقيمة مليون و500 ألف ليرة يدفع منه بدل "أجرة نقل" ما بين 20 الى 25 ألف ليرة يوميًا ما يعني أنه سيدفع شهريًا ما يقارب راتبه الذي يتقاضاه. فماذا لو أراد الموظّف دفع فاتورة الكهرباء لاشتراك 5 أمبير بعدما باتت تتراوح بين 800 ألف ليرة ومليون ليرة والتي سترتفع الى المليونين مع رفع الدعم عن المحروقات؟ وفق الأسمر، سيحتاج رب الأسرة أكثر من ثلاثة ملايين للكهرباء والنقل فقط، فأين فاتورة الطعام وغيرها؟!.
ويلفت الأسمر الى أننا طالبنا بـ7 ملايين ليرة كحد أدنى للأجور. برأيه، فإنّ رفع بدل النقل الى 24 ألف ليرة لا يحل الأزمة. وهنا يأسف الأسمر فالتضخم لا يقاس ولا يُحكى عنه الا عندما نتحدّث عن زيادة الرواتب، سائلًا: هل ارتفاع سعر صفيحة البنزين لا يولّد تضحمًا؟ وهل الكتلة النقدية البالغة في السوق 40 ألف مليار ليرة لا تعد تضخمًا؟.
هل تصحيح الأجور ممكن عمليًا؟ يجيب الأسمر عن هذا السؤال بالإشارة الى أنّ ثمة مئة اقتراح ومشروع لتحقيق هذه الغاية، ولكن لنبدأ بلجنة المؤشر والحوار، فنحن لسنا من دعاة زيادة معاناة المؤسسات أو الضغط عليها. وهنا يشدّد الأسمر على ضرورة الذهاب الى حوار واقتراح حلول لإنعاش المؤسسات. برأيه، فإنّ تصحيح الأجور وضخ الأموال في السوق يساعد على تنشيط الدورة الاقتصادية شبه المتوقّفة قبل رفع الدعم، فماذا بعده؟.
شمس الدين: تصحيح الأجور يتطلّب رفع بدل الرواتب من 12 الى 48 ألف مليار ليرة سنويًا
الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين يعتبر في حديث لموقع "العهد" الإخباري أنّ الحد الأدنى للأجور يجب أن يكون بحدود الستة ملايين ليرة ليتمكّن المواطن من العيش، لكنّه في الوقت نفسه يرى أنّه لا الدولة ولا القطاع الخاص لديه قدرة على الزيادة، مع الإشارة الى أنه لا يمكن البقاء على الواقع الحالي. ما الحل اذًا؟ يسأل شمس الدين نفسه ويجيب: "لا أحد لديه تصور، فالزيادة غير ممكنة والبقاء على الوضع الحالي غير ممكن".
يدخل شمس الدين أكثر في التفاصيل، فيوضح أنّ القطاع العام يضم 320 ألف موظف بين عسكري ومدني في الإدارات العامة. تصحيح الأجور لهؤلاء يعني زيادة آلاف المليارات سنويًا نظرًا لضرورة مضاعفة الرواتب ما يقارب الـ4 مرات. كلفة الرواتب ما بين عاملين ومتقاعدين حاليًا 1000 مليار ليرة في الشهر، وبالتالي 12 ألف مليار ليرة سنويًا. أما اذا أردنا تعديل الأجور بهذه النسبة فلا بد من دفع 48 ألف مليار ليرة سنويًا وهذا رقم كبير وغير واقعي، يدفع الدولة الى الاستدانة ما يؤدي الى التضخم.
أما في القطاع الخاص، فيوضح شمس الدين أنّ ثمة 3 فئات؛ مؤسسات أقفلت، مؤسسات بالكاد تستطيع أن تؤمّن الرواتب وبالتالي لا ينتظر منها الزيادة، ومؤسسات قليلة قادرة على الزيادة. وعليه، يرى شمس الدين أننا أمام معضلة تتطلب حلًا. الزيادة غير ممكنة والبقاء على الوضع الحالي مستحيل بعدما تآكلت القدرة الشرائية بنسبة 92 بالمئة، مع الإشارة الى أنّ البطاقة التمويلية ليست حلًا خاصة أن الأسعار سترتفع أكثر وأكثر بعد رفع الدعم الكلي عن المحروقات قريبًا.