خاص العهد
"العهد" ينشر شهادات القادة العسكريين أمام مجلس الشيوخ: فشلنا استراتيجي
د. علي دربج - باحث ومحاضر جامعي
ما تزال أصداء حرب أفغانستان والانسحاب الفاشل للقوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة من كابول، تتردد داخل جدران الكونغرس الاميركي؛ فالشعور بالمرارة والفشل، لم يقتصر على شريحة وازنة من الأميركيين، بل وجد طريقه أيضًا، الى نفوس الديموقراطيين، الذين عبّروا عن إحباطهم من الانسحاب الفوضوي الذي خلف 13 جنديًا أميركيًا، وأدى الى وقوع أفغانستان في أيدي "طالبان"، العدو القديم للولايات المتحدة.
خلال الأيام القليلة الماضية، عقدت لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ الأميركي جلسات استماع بشأن اختتام العمليات العسكرية في أفغانستان وخطط عمليات مكافحة الإرهاب المستقبلية في الكابيتول هيل، بحضور كل من: وزير الحرب لويد أوستن، إلى جانب الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، والجنرال فرانك ماكنزي من القيادة المركزية الأميركية. وقد قام مجلس الشيوخ بتقييم القرارات التي اتخذت وراء الكواليس، وذلك في أول شهادة علنية لهم أمام الكونجرس منذ فوز "طالبان" بالحرب في آب الماضي. حيث واجه القادة العسكريون الجلسة المثيرة للجدل التي سمعوا بها، كيف ولماذا خسرت أميركا أطول حرب لها؟
اتفاق الدوحة تسبّب بانهيار الجيش الأفغاني
فاجأت شهادة الجنرال ماكنزي الحاضرين، قائلًا "قد يُعزى انهيار الحكومة الأفغانية وقواتها الأمنية في آب إلى اتفاق الدوحة لعام 2020، مع "طالبان"، والذي تضمّن وعدًا بانسحاب كامل للقوات الأميركية". لكن وفقًا لماكنزي "بمجرد أن تم خفض عدد القوات الأميركية إلى أقل من 2500 كجزء من قرار الرئيس جو بايدن في نيسان 2021، بإكمال الانسحاب الكامل بحلول 11 أيلول الحالي، تسارع تفكك الحكومة الأفغانية المدعومة من الولايات المتحدة".
واضاف ماكنزي "كان لتوقيع اتفاق الدوحة أثر ضار حقًا على حكومة أفغانستان وعلى جيشها - نفسي أكثر من أي شيء آخر - ولكننا حددنا موعدًا مؤكدًا لمغادرتنا، ومتى يمكن أن يتوقعوا انتهاء كل المساعدات".
* القادة العسكريون أرادوا الاحتفاظ بما لا يقل عن 2500 جندي في أفغانستان
لم يكتف، ماكنزي بذلك، إذ جاءت شهادته (بمثابة قنبلة صوتية) واحدة من أهم الشهادات من الجنرالات العسكريين الذين أخبروا المشرعين أنهم أوصوا بوجود 2500 جندي في أفغانستان وهو ما لم يوافق عليه بايدن. ومع ذلك، دافع البيت الأبيض عن القرار الرئاسي، معترفًا "بأن التوصية اثارت الانقسام بين مستشاري بايدن وجنرالاته".
توجه الجنرال فرانك ماكنزي الى أعضاء مجلس الشيوخ بالقول "لن أشارك الرئيس توصيتي الشخصية، لكنني سأقدم لك رأيي الصادق الذي يشكل مع وجهة نظري توصيتي. فقد أوصيت بالحفاظ على 2500 جندي في أفغانستان. كما أوصيت أيضًا في وقت سابق من خريف 2020 بأن نحافظ على 4500 في ذلك الوقت. هذه هي آرائي الشخصية. غير أن بايدن في مقابلة في آب الماضي، نفى أن "قادته أوصوا بذلك"، قائلاً: "لا. لم يقل لي أحد ذلك الذي يمكنني تذكره".
* انهيار الجيش الأفغاني "فاجأنا جميعا"
من جهته أوضح وزير الحرب لويد أوستن للكونجرس أن "الانهيار المفاجئ للجيش الأفغاني فاجأ البنتاغون "على حين غرة"". وتحدث أوستن، وهو جنرال سابق من فئة الأربع نجوم خدم في أفغانستان للجنة القوات المسلحة عن "حقيقة أن الجيش الأفغاني الذي دربناه وشركاؤنا قد تلاشى ببساطة، في كثير من الحالات دون إطلاق رصاصة واحدة. سيكون من غير النزيه الادعاء بخلاف ذلك".
وردًا على سؤال حول سبب عدم توقع الولايات المتحدة الانهيار السريع للجيش الافغانى، لفت الجنرال ميلي الانتباه الى أن "الجيش الامريكي فقد فى حكمه قدرته على رؤية وفهم الوضع الحقيقي للقوات الافغانية عندما أنهى الممارسة منذ عدة سنوات بوجود مستشارين الى جانب الافغان في ساحة المعركة. لا يمكنك قياس قلب الإنسان مع آلة، عليك أن تكون هناك".
* العلاقات بين باكستان ووكالة التجسس الداخلية التابعة لها و"طالبان": معلومات سرية
أكثر من ذلك، لم يفصح وزير الحرب والجنرالان البارزان عن حقيقة الدور الباكستاني في افغانستان، فقالوا لأعضاء مجلس الشيوخ إن "العلاقات التي تربط باكستان ووكالة التجسس التابعة لها مع "طالبان" لا يمكن مناقشتها إلا خلف الأبواب المغلقة. في المجال العام يمكنهم فقط أن يقولوا إن العلاقة بين البلدين سوف تصبح معقدة بشكل متزايد بعد الانسحاب".
وعندما طرح أعضاء مجلس الشيوخ أسئلة واضحة حول التقارير الإخبارية الأخيرة للمخابرات المشتركة، الجناح المخابراتى للجيش الباكستانى، وعلاقاتها مع "طالبان"، جاء جواب اوستن، لاعضاء اللجنة، متطابقًا تمامًا مع ما قاله زميلاه ميلي وماكنزي، ومفاده "من المحتمل أن تكون المحادثة المتعمقة حول باكستان أكثر ملاءمة في جلسة استماع مغلقة هنا".
* الجنرال ميلي: الحرب الأفغانية كانت بمثابة "فشل استراتيجي"
المثير في الأمر أن رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال ميلي لم يتورع عن الاقرار بفشل الجيش الاميركي في افغانستان، معتبرًا أن "نتائج حرب كهذه هي نتيجة فشل استراتيجي - العدو هو المسؤول في كابول، لا توجد طريقة أخرى لوصف ذلك - وهذا تأثير تراكمي لمدة 20 عاما"، وتابع "يجب استخلاص الدروس، بما في ذلك ما إذا كان الجيش الأمريكي جعل الأفغان يعتمدون بشكل مفرط على التكنولوجيا الأميركية في محاولة خاطئة لجعل الجيش الأفغاني يبدو وكأنه الجيش الأميركي".
* التهديدات المستقبلية و"القاعدة"
ليس هذا فحسب، فالجنرال ميلي اعترف أيضًا، بإمكانية وجود تهديدات مستقبلية للولايات المتحدة من تنظيم "القاعدة" أو "داعش" الأفغاني. وقال "هناك احتمال حقيقي للغاية أن "القاعدة" أو فرع أفغانستان التابع لـ"داعش" يمكن أن يعيدوا تنظيم انفهسم، في أفغانستان تحت حكم طالبان، ويشكلوا تهديدًا إرهابيًا للولايات المتحدة في 12 إلى 36 شهرًا القادمة. وغني عن التعريف أن "القاعدة كانت قد استخدمت أفغانستان كقاعدة للتخطيط وتنفيذ هجماتها على الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001، وهو الذي أدى إلى الغزو الأمريكي لأفغانستان بعد شهر".
أما العبارة التي يجب التوقف عندها فهي وصف رئيس هيئة الاركان المشتركة الجنرال ميلي، "طالبان" بالمنظمة الارهابية - مع ان الولايات المتحدة كانت عقدت معها اتفاق سلام في العاصمة القطرية الدوحة في العام 2020 - حيث قال "علينا أن نتذكر أن "طالبان" كانت وما زالت منظمة إرهابية ولم يقطعوا بعد علاقاتهم مع "القاعدة". ليس لدي أوهام بشأن من نتعامل معه. يبقى أن نرى ما إذا كان بإمكان "طالبان" تعزيز سلطتها أم لا، أو ما إذا كانت البلاد ستنشر المزيد من الانقسام في حرب أهلية".
ولم ينسَ وزير الحرب أوستن، تقديم العلاج اللازم لمواجهة ارهاب "القاعدة" و"داعش"، رغم أن مثل هذا الطرح يعيد الجيش الاميركي الى المربع الاول، أي ضرورة التواجد مجددًا على الأراضي الأفغانية، وهو ما عبّر عنه بقوله "إنه سيكون من الصعب احتواء التهديدات المستقبلية من أفغانستان من دون وجود قوات على الأرض".