خاص العهد
"بدع" في بيانات سلامة..سعرا صرف للوديعة الواحدة!
فاطمة سلامة
يتّفق الكثير من الخبراء الإقتصاديين والماليين على أنّ معظم تعاميم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة فاقمت الأوضاع النقدية والمالية سوءًا. حيث صُمّمت تلك التعاميم خصّيصًا لمصلحة البنك المركزي و"جوقة" المصارف. أما المودعون فلا مصلحة لهم بتلك البيانات التي تضاعف خسائرهم وتجعل من ودائعم لقمة "سائغة". التعميم 151 الذي صدر في نيسان 2020 نموذج عن سياسة حاكم مصرف لبنان القائمة على فعل أي شيء لمصلحة المصارف العليا.
وبدل أن يصدر مصرف لبنان تعميمًا يسترجع بموجبه المواطن حقوقه المسلوبة، أصدر أمس الأربعاء بيانًا مدّد فيه العمل بالتعميم 151 الذي يمارس بموجبه "هيركات" يزيد بنسبة 85 بالمئة على أموال المودعين، وذلك في الوقت الذي تُطرح فيه مسألة رفع الدولار المصرفي. ولكي يظهر مصرف لبنان نفسه بمظهر الحريص على حقوق المودعين ضمّن البيان بالإضافة الى تمديد العمل بالتعميم 151 ضمّنه تعديلًا على التعميم 158 بحيث سمح للمودع الاستفادة من التعميمين بالتزامن في مصارف مختلفة. وقد علّل مصرف لبنان إصدار البيان بحرصه على حماية حقوق المودعين بالعملات الأجنبية. فهل يعد البيان المذكور قانونيًا؟ وهل يحمي فعلًا حقوق المودعين؟.
الكيك: "مهزلة" قانونية..ولا يوجد نظام مصرفي في العالم يعتمد أسعار مختلفة للودائع
الباحثة في الشؤون القانونية المصرفية الدكتورة سابين الكيك والتي تقرأ بيان البنك المركزي من الناحية القانونية، فتشدّد على أن التعميم 151 هو في الأصل تعميم غير مطابق لقانون "النقد والتسليف".و ليس بإمكان لمصرف لبنان تحديد أي سعر للصرف غير سعر الصرف القانوني أو سعر الصرف الفعلي في السوق، فهذان السعران الوحيدان اللذان يتناولهما القانون. وترى الكيك أنّ "مهزلة" التعميم 151 هي "مهزلة" قانونية، مشددةً على ضرورة أن يتوقف العمل به لأنّ مصرف لبنان يتجاوز بهذا التعميم صلاحياته القانونية والإدارية والتنظيمية. وعليه، تعتبر الكيك أنه حان الوقت ليتجرأ أحد من السياسيين والقضاء ومجلس الشورى لوضع حد لهذه البدع التي لا تنسجم بالأساس مع القانون.
تنطلق الكيك من المقاربة السابقة لتؤكّد أن ليس بإمكان مصرف لبنان أن يحدد سعران للودائع، ولا يوجد نظام مصرفي في العالم يعتمد أسعار مختلفة للودائع كما هو الحال في مصرف لبنان الذي يعتمد أسعار متعدّدة من سعر للتعميم 151 وآخر للتعميم 158 وأيضًا 159. هذا المنطق لا يجوز -تقول الكيك- التي تشير الى أنّ الأزمة الحاصلة في مكان، وتعاطي مصرف لبنان القانوني والتنظيمي في مكان آخر، فهذه المخالفات أكثر من المخالفات التي ارتكبها سابقا مصرف لبنان وأوصلتنا الى الأزمة الحالية.
مصرف لبنان يستبيسح كل القواعد والمعايير المصرفية العالمية واللبنانية
وتوضح الكيك أن من يدقّق في التعاميم يرى أنّ ثمة ازدواجية وتعدٍ على القانون والدستور. ومصرف لبنان ليس سلطة دستورية بل مرفق عام وقطاع ناظم لديه حدودا لصلاحياته التنظيمية لا تتعدى لا قانون "النقد والتسليف" ولا الموجبات والعقود ولا الدستور على خلاف ما يقوم به البنك المركزي اليوم حيث يستبيسح كل القواعد والمعايير المصرفية العالمية واللبنانية، فيما لم يتجرّأ أحد على الوقوف في وجه مصرف لبنان.
وتعيد الكيك التشديد على أنه حان الوقت ليضع أحد النقاط على الحروف. برأيها، لا قيامة لهذا البلد إن لم يحفظ مدخرات الشعب وما يحصل يوصل بالبلد والقطاع المصرفي الى مكان لا تحمد عقباه. ثمة مسؤولية تقع أيضًا على عاتق المودع الذي يجب أن يتحرك ويتخذ أي إجراء قضائي بوجه المصارف، والا فعملية استنزاف الودائع ستبقى مستمرة دون حسيب أو رقيب.
عكوش: المودعون لن يستفيدوا أبدًا من هكذا تعاميم لا تحمل سوى مفاعيل سيئة عليهم
الخبير الإقتصادي الدكتور عماد عكوش يوضح في حديث لموقعنا أنّ تعديل التعميم 158 بإزالة التحفظ عن الاستفادة من التعميم 151 يمكّن الفرد الاستفادة من التعميمين بالتزامن أي سحب جزء من الوديعة وفقًا لسعر 3900 ليرة للدولار الواحد، وسحب 400 دولار "فريش" و200 دولار بالليرة نقدًا وفقًا لسعر 12 ألف ليرة و200 دولار بالليرة عبر بطاقة مصرفية. ويشدّد عكوش لدى مقاربته لبيان مصرف لبنان الجديد على أنّه يضم في الشكل مغالطة قانونية بحيث لا يستطيع مصرف لبنان أن يصدر سعران في التعميم ذاته. هناك مشكلة قانونية كبيرة وبإمكان أي متضرر من هذا الأمر الإعتراض لدى مجلس شورى الدولة. وفق عكوش، بإمكان مصرف لبنان تحديد سعر الصرف ولكن ليس بإمكانه وضع سعري صرف في الوقت نفسه للوديعة ذاتها والشخص ذاته.
ينتقل عكوش من القراءة القانونية الى القراءة اﻹقتصادية. ويببن فعليًا لن يكون لهذا البيان مفاعيل كبيرة. وفق حساباته، فإنّ المودعين لن يستفيدوا أبدًا من هكذا تعاميم لا تحمل سوى مفاعيل سيئة عليهم ولا تعطيهم حقوقهم فنسبة "الهيركات" على الودائع تتجاوز الـ85 بالمئة خصوصًا على صغار المودعين الذين تحترم ودائعهم وتعتبر مقدّسة في كل قوانين "الكابيتال كونترول" التي أصدرت في مختلف دول العالم". صغار المودعين من المفترض أن يتقاضوا ودائعهم بالدولار لا بالليرة اللبنانية كما يحصل اليوم -يقول عكوش- الذي يرى أنه حتى ولو ذهبنا باتجاه دفع الودائع بالليرة فيجب أن يكون ذلك وفق سعر السوق وليس كما يحصل اليوم.
البيان يفسح المجال لتنفيذ "هيركات" كبيرا جدا على حسابات المودعين
ويلفت عكوش الى أنّ عدد الأشخاص الذين استفادوا سابقًا من التعميم 158 لا يتجاوز الـ20 بالمئة، اذ ثمة مودعين لم يقبلوا بالتعامل المصرفي وفقًا لهذا البيان أو لم يتسن لهم ذلك نظرًا للشروط الموضوعة والتي تحمل ازدواجية بحيث يمنع التعميم المودع من الإستفادة في حال كان الحساب ناتج عن شراء "شيكات" مصرفية، أو ناتج عن تحويل الوديعة بعد الأزمة من الليرة الى الدولار، أضف الى أن هناك بعض الأشخاص لديهم عدة حسابات واستفادوا من حساب واحد، فيما لم يتمكّن بعض المقيمين في الخارج من التوقيع على التعهد المقترح من مصرف لبنان برفع السرية والتحقق من الشروط. وهنا يلفت عكوش الى أنّه وبما أن عددا قليلا استفاد من التعميم 158 فإنّ عملية الدمج بين التعميمين لن تعطي مفاعيل كبيرة على الكتلة النقدية، وهذا قد يكون أحد الأسباب التي دفعت مصرف لبنان الى إصدار البيان، مع التشديد على الآثار السلبية للبيان والتي تفسح المجال أمام المزيد من "الهيركات" على أموال الناس، ما يفتح المجال لاستفادة مصرف لبنان والمصارف التجارية عمليًا من هذا البيان لتنفيذ "هيركات" كبيرا جدّا على حسابات المودعين بالدولار.
ويستطرد عكوش بالإشارة الى نقطة يصفها بالمهمة. وفق حساباته، بما أنّ مهلة الإستفادة من التعميم 158 جرى تمديدها حتى آخر شهر تشرين الأول، لا بد من طرح السؤال التالي:"لماذا لا يستفيد المودع من كامل القيمة بالدولار النقدي أي يحصل على 800 دولار "فريش" شهريا اذا بقيت نسبة المستفيدين عند حدودها أي 20 بالمئة؟. وفق عكوش، فإنّ ما تدفعه المصارف اليوم هو جزء من الاحتياطي الذي دفعه مصرف لبنان والذي تبلغ قيمته نحو 1.2 مليار دولار، وعليه، فإنّ هذا المبلغ يجب أن يدفع للمودعين لا أن يتم وضعه بـ"الخزانات".
مماطلة في إقرار "الكابيتال كونترول"
وقبل أن يختم عكوش حديثه، يوضح أنّ المشكلة اليوم لدى الحكومة التي يجب أن تعمل على إقرار قانون "الكابيتال كونترول" لمنع "الهيركات" على صغار المودعين، لكن للأسف لا نزال نشهد عملية تقاذف للقانون بين الحكومة ومجلس النواب. ثمّة مماطلة وتسويف من قبل لجنة "الادارة والعدل" -يقول عكوش- الذي يشدد على أهمية رد القانون الى الحكومة لدراسته بشكل ملائم وعرضه على المجلس النيابي لإقراره، والا لاستمر مصرف لبنان بالمماطلة وبسياسة "الهيركات" على أموال المودعين.