معركة أولي البأس

خاص العهد

حلول روسية - صينية - إيرانية لأزمة الكهرباء.. والمعنيون يصرّون على
02/10/2021

حلول روسية - صينية - إيرانية لأزمة الكهرباء.. والمعنيون يصرّون على "العتمة"

فاطمة سلامة

يتخبّط لبنان منذ سنوات طويلة بأزمة الكهرباء. يكاد يكون هذا الملف من أكبر الملفات استنزافًا للمالية العامة. بحسب التقديرات، ثمّة نحو ملياري دولار تُستنزف كهدر سنوي في هذا القطاع، في الوقت الذي يبدو فيه لبنان بأمس الحاجة للدولار الواحد. إلا أنّ أزمة الكهرباء تلك ليست عصيّة على الحل، ثمّة عروض "صادمة" -بالمعنى الإيجابي- قُدّمت للبنان إلا أنها سرعان ما كانت تُدفن في مهدها وكأنّ شيئًا لم يكن. عروض لو سار لبنان بها لجنّب اللبنانيين مرارة الأزمة التي يعانون منها اليوم ولنعِموا بكهرباء 24/24. أما أسباب الرفض فتبيّن مستوى الارتهان والتبعية العمياء لأميركا. بهذه البساطة عطّلت أميركا بواسطة أدواتها اللبنانيين أي مشروع حل لأزمة الكهرباء. وعلى مدى سنوات مضت فإنّ كل العروض "المفيدة" كانت تدفن في سوق البازارات السياسية الرخيصة حتى ولو كان الثمن عتمة شاملة تهدّد كل لبنان.  

عرض روسي جديد
 

إلا أنّه ورغم ما يقارب الربع قرن على أزمة الكهرباء اليومية ورفض الكثير من العروض، لا تزال الفرص أمام لبنان موجودة. ثمّة عرض روسي آت في طريقه الى لبنان لبناء مصافٍ نفطية وتأمين المحروقات لإنتاج الكهرباء. يأتي هذا العرض بموازاة الحديث عن أزمة جديدة ستؤدي الى انخفاض ساعات التغذية إثر مغادرة البواخر التركية للشواطئ اللبنانية ما يحتّم على الحكومة اللبنانية اتخاذ القرار الجريء هذه المرّة لمصلحة الشعب اللبناني، لا اتخاذ قرارات تُرضي أميركا التي تمنع الحلول عن لبنان.

شلهوب: ليقولوا اليوم "نعم" ليكون الوفد الصيني غدًا في بيروت

مقابل العرض الروسي المذكور، لا تزال العروض القديمة سارية المفعول وقد تتحوّل الى مشاريع فعلية في أي وقت يقول فيه المسؤولون في لبنان "نعم". ثمّة عروضات كثيرة قدّمتها الصين على درب حل أزمة الكهرباء. وكيل الشركات الصينية في لبنان سركيس شلهوب يجدّد في حديث لموقع "العهد" الإخباري العرض الصيني لحل أزمة الكهرباء في لبنان. يوضح أنّ العروض الصينية بدأت قبل خمس سنوات ولو سارت بها الدولة اللبنانية لكان هناك كهرباء 24/24. يؤكّد شلهوب أنّ شركة CMC -وهي أكبر الشركات الصينية- لا تزال تنتظر الدولة اللبنانية للموافقة على العرض، قائلًا: "فليقولوا اليوم "نعم" ليكون الوفد الصيني غدًا في بيروت". 

ويلفت شلهوب الى أنّ الجانب الصيني بات أكثر تطورًا في ملف الكهرباء خصوصًا بعدما أنجز اتفاقا قبل شهر مع شركة "سيمنس" الألمانية لشراء "التوربينات" التي تمثل 35 بالمئة من قيمة المشروع، لافتًا الى أنّ العرض الصيني قائم على بناء 3 معامل في لبنان؛ دير عمار، الزهراني، وسلعاتا، لكن ثمة قطبة مخفية وصفقة أنجزت -يقول شلهوب- منعت قبول العرض رغم كل التسهيلات التي قدمناها لإنشاء المعامل دون تقاضي الأموال الا بعد بيع الدولة اللبنانية للكهرباء. 

وهنا يشير شلهوب الى أنه جرى وضع العصي في الدواليب لفرملة العرض حيث كان رد المعنيين على الطرح الصيني بالقول: "لا أموال لدى الدولة لإعطائها للشركات الصينية"، فكان رد الشركة بأن لا ضرورة لإعطائنا الأموال الا بعد ثلاث سنوات من بيع الكهرباء. حينها قال المعنيون إن اللبناني لا يدفع فاتورة الكهرباء، وكأنهم لا يريدون الحلول -يقول شلهوب- الذي يوضح أن الشركة الصينية وضعت مكتوبًا بمليار و200 مليون دولار كضمانة لبناء المعامل وهي مستعدة للتمويل مهما كانت التكلفة لكن حتى الساعة لا مجيب وكل الاجتماعات مع الجانب اللبناني تبيّن عدم الاهتمام بهذه العروضات. 

ثمة مخاوف من أميركا

ويضيف شلهوب: "لم يبق طرح لم نطرحه على الدولة اللبنانية التي إما أنها تريد إنتاج الكهرباء أو لا تريد"، معربًا عن أسفه؛ فالجانب اللبناني لم يبد اهتمامًا لمرة واحدة بالطرح الصيني. تارةً يُستشف من المباحثات أنّ ثمة مخاوف من أميركا، وتارة أخرى يقولون إنهم يريدون إجراء مفاوضات مع أوروبا في هذا الملف، مع الإشارة الى أنهم تفاوضوا مع الشركات الأوروبية لكن للأسف لم تبد أي من الشركات الأربعة الرغبة في ذلك، يختم شلهوب.

"إدارة الظهر" لكافة الاستعدادات الإيرانية لحل أزمة الكهرباء 

نهج المماطلة والهروب الذي امتهنه المعنيون لم يكن مع الجانب الصيني فقط. ثمّة عروضات كثيرة طرحتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحل أزمة الكهرباء إلا أن إدارة الظهر كانت السياسة السائدة. عروض بالجملة تكرّرت على مدى سنوات مضت وقوبلت جميعها بالرفض لأسباب سياسية من جهة، وأسباب تتعلّق بغياب نهج "السمسرات" مع إيران من جهة ثانية. عام 2006 رفض لبنان عرضًا إيرانيًا "مغريًا" لحل أزمة الكهرباء، وعام 2009 وجهت إيران الى وزارة الطاقة اللبنانيّة رسالة مكتوبة للتعاون في هذا الإطار، تمامًا كما حصل عام 2010 حيث تجدّد العرض في زيارات رسميّة متبادلة بين البلدين، وجرى الحديث عن استعداد ايراني لبناء معملين لإنتاج الكهرباء بقدرة الفي ميغاوات وبكلفة زهيدة، لكن الحكومة اللبنانية آنذاك لم توافق. 

وفي عام 2012 كرّر السفير الإيراني الراحل غضنفر ركن آبادي موقف بلاده حول الاستعداد لبناء معامل كهرباء في لبنان تُنتِج كبداية نحو 1000 ميغاوات. وقد قال آبادي حينها إنّ الشركات الإيرانيّة أنجزت كل الخطوات التمهيديّة ومستعدة لإنتاج 500 ميغاوات خلال سنة، وإن أراد لبنان أكثر فإيران مستعدة وحاضرة. السفير الخلف محمد فتحعلي كرّر عرض آبادي، فيما جدّد عام 2017 معاون وزير الطاقة الإيراني للشؤون الدولية علي رضا دائمي العرض خلال لقاء وفد إعلامي لبناني، ولفت حينها الى أنّ إيران وصلت للمرتبة ١٤ بإنتاج الكهرباء على مستوى العالم، ومجدداً لا حياة لمن تنادي. وقد تكرّرت العروض في عامي 2019 و2020 ووصلت التسهيلات الإيرانية حد الاستعداد لاعتماد الليرة اللبنانية في عمليات التبادل التجاري مع لبنان ولا سيما المشتقات النفطية، إلا أنّه وحتى الساعة لا أحد على السمع. 

أمام كل هذه العروض المفيدة للبنان لحل أزمة الكهرباء لا كلام يصف حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الحكومة اللبنانية الجديدة التي باتت أمام خيارين لا ثالث لهما؛ إما النور بعدما وصلت الأوضاع الى الدرك الأسفل، وإما الظلام.

الكهرباء

إقرأ المزيد في: خاص العهد