معركة أولي البأس

خاص العهد

من يعين... يقيل
14/10/2021

من يعين... يقيل

هاني ابراهيم
احتل ملف انفجار المرفأ الساحة السياسية والقانونية في اليومين الاخيرين حيث احتدمت معركة الصلاحيات لكفّ يدّ المحقق العدلي في هذه القضية وذلك بعد رد معظم الطلبات القانونية المتعددة والتي قدمت امام كل من محكمتي الاستئناف والتمييز في محاولة لكف اليد ورد المحقق العدلي الذي يشرف على التحقيق في هذا الملف.

اراء كثيرة ووجهات نظر متعددة ومختلفة قاربت هذا الموضوع من قاعدة تنطلق على اساس الجهة المخولة قانونيا او دستوريا لاقالة المحقق العدلي بالنظر الى الشوائب العديدة التي رافقت التحقيق لا سيما اخذ الملف باتجاه واحد وباستنسابية مطلقة من جهة واقتصار التحقيق على الاهمال دون الذهاب الى اساس الجريمة التي تبين للرأي العام ولاهالي الشهداء المسؤول المباشر والذي اتى بهذه الكمية الهائلة من المواد المتفجرة ولمصلحة من؟ ولأي هدف؟ هذا فضلا عن التسريبات الصحفية الصادرة عن المحقق نفسه والذي يتفترض ان يتوخى سرية التحقيق في هذا الاطار.

ولكن، دعونا نبدأ من اول الطريق.. ما هو المجلس العدلي؟ وكيف تتم احالة ملفات الجرائم اليه؟ وماذا عن المحقق العدلي؟

في قضيتنا الحالية هناك جريمة تفجير لمرفأ بيروت وهناك مجلس عدلي ومعه محقق عدلي، ثلاثة اطراف لا رابع لهم.
فبحسب نص المادة 356 من قانون اصول المحاكمات الجزائية ينظر المجلس العدلي في الجرائم المنصوص عليها في المواد 270 حتى 336 من قانون العقوبات وهي كثيرة بعددها متنوعة بماهيتها مختلفة بنتائجها وإحالة أي جريمة يتوافر فيها شروط معينة وفق القانون كما هو الحال بتفجير مرفأ بيروت أمام المجلس العدلي تكون بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، ما يعني مع التأكيد على ذلك ان مهمة او صلاحية المجلس العدلي لا تبدأ الا من تاريخ اصدار مرسوم عن مجلس الوزراء هذا من جهة.

من جهة اخرى، وبعد خطوة الاحالة السابق ذكرها يتم تعيين محقق لهذا المجلس بناء على اقتراح وزير العدل وموافقة مجلس القضاء الأعلى على الاسم وفق شروط خاصة بالقضاة.

ولكن وبعد سلسلة طلبات الرد بوجه المحقق العدلي والتي ردت من قبل المراجع القضائية المختصة برزت اشكالية جديدة وطرحت بقوة في هذا الاطار وهي انه لا مرجع قانونيا صالح لاقالة المحقق العدلي بعد استنزاف كافة السبل المتاحة لذلك، ولكن هذا الامر غير دقيق، وليس صحيحاً أن لا مخارج قانونية لاقالة المحقق العدلي.

ان ما يحصل من لف ودوران هو في السياسة أكثر منه في القانون. ولذا لنطرح السؤال التالي: من يقيل هذا المحقق؟ ولنرَ.

ينص قانون اصول المحاكمات المدنية في الفصل الخامس منه تحت عنوان (تعيين المرجع) المادتين 114 و 115 على تقديم طلب لمحكمة التمييز بهيئتها العامة تحت مسمى (تعيين مرجع) وهي تقرر وتعين المرجع الصالح في هذه الحالة. والأرجح هنا إما أن تقول محكمة التمييز المرجع هو وزير العدل أو الحكومة. فكيف ذلك؟ وعلى أي أساس؟

ـ بما أن قاعدة من يعيِّن هو من يقيل فإن إحالة الملف إلى المجلس العدلي تكون بناء على قرار من السلطة التنفيذية، وعليه من الأولى بهذه السلطة سحب هذه الاحالة من المجلس وبالتالي ينتفي مع هذا السحب وجود محقق عدلي لانه بانتفاء الاساس يلغى ما لحقه.  

وهنا ملاحظة لا بد منها، ان قضية المرفأ وفي حال انتفت فرضيات العمل الارهابي او اعتبار ما حصل تهديد لامن الدولة الداخلي او الخارجي وتبين ان الانفجار وقع نتيجة خطأ ما اهمال او قلة احتراز، فإن ذلك يخرجها من الجرائم التي تدخل في اختصاص المجلس العدلي وبالتالي سوف تنتفي صلاحية المحقق العدلي بعد الانتهاء من التحقيق وتتم احالة القضية الى المرجع الجزائي المختص.

وفي هذه الحالة المرجع القضائي الصالح يكون القاضي المنفرد الجزائي في بيروت.

وبناء على المبدأ نفسه فإنه يمكن لوزير العدل وبناء على سلطته كوصي على وزارة العدل أن يصدر قرارا بإقالة المحقق وأخذ موافقة شكلية من مجلس القضاء ان اراد ذلك بموجب سلطته كوزير وصاية على السلطة القضائية، وبالتالي يقوم بتعيين قاض آخر وبالتالي ينتهي النقاش على اساس القاعدة التي تقول عرفناك فعييناك خبرناك فأقلناك.

وعليه، وبالنظر لما ذكر اعلاه نرى ان القول بانعدام المرجع الصالح للنظر بموضوع المحقق العدلي يقع في غير موقعه القانوني والذي يتحكم بهذا الامر هي التوجهات السياسية والاهداف التي يسعى البعض خلفها لتحقيق مكاسب هنا وهناك على حساب اوجاع وآهات اهالي الشهداء وعذابات الجرحى.

ان ما يحصل من نقاشات قانونية ودستورية يجعلنا مقتنعين تمام الاقتناع باننا بحاجة الى اعادة نظر تشريعية جدية بنظام المجلس العدلي وادخال تعديلات ضرورية واخراجه من التكبيلات والقيود المختلفة والمتنوعة.

إقرأ المزيد في: خاص العهد

خبر عاجل