خاص العهد
بين 1993 و2017 .. حسابات ضائعة
العهد
تتداخل المعطيات حول بداية الهدر والفساد العام الذي أغرق لبنان في عجز دائم ومآزق مالية متتالية. لم تكن ذروة هذا العصر يوما، شهرا أو سنة بل امتدت سنوات يمكن تقديرها بين العام 1993 والعام 2017 تترأسها قضية الـ11مليار دولار. عادت هذه الملفات المهترئة إلى الساحة لتهزّ أصحاب السلطة حينها الذين أقدموا على هذه المخالفات. كانت البداية بإنجاز الحسابات التي امتنعت الحكومات المتعاقبة عن تنفيذها وبدأت تتجلى الفضائح المالية التي انتهجتها الحكومات. المخالفة الواضحة والتي بنيت على أساسها جميع المخالفات اللاحقة هي عدم إقرار موازنة منذ عام 2006 لمدة اثنى عشر عاما. لجأ النائب حسن فضل الله إلى القضاء عبر حسابات أوضحت بؤر فساد مبتعدا عن الأسماء ليحيي بذلك أمل المحاسبة الأمر الذي أرعب أحد رجال السلطة في عصر الفساد، فاعتبر نفسه معنيا بمجرد ذكر مصطلح الفساد.
بعيداً عن محاولات التسييس التي قد يعتمدها البعض للاحتماء من القضاء، إن وزارة المالية هي من أنجز الحسابات. فبحسب مدير عام وزارة المالية "إن الوزارة أعادت تكوين حسابات الدولة المالية لجميع السنوات على مدى ربع قرن". وأضاف "إن موقعي القانوني لا يخولني الإعلان عن النتائج التي توصلنا اليها في عملية إعادة تكوين الحسابات المالية للسنوات من 1993 وحتى 2017". ولكن بالنظر إلى التاريخ المالي للدولة، إن عدم إنجاز الحسابات كان الهدف. فتضييع الحسابات وإخفاء الأدلة كان يصبّ بمصلحة من يستغل نفوذه السياسي والوظيفي لتحقيق مآرب شخصية.
قانونيا، تعدّ وزارة المالية الموازنة للعام المقبل وفيها كل النفقات والإيرادات ليوافق عليها المجلس النيابي. هذه العملية تعطي الإطار القانوني للحكومة للجبي والإنفاق. يسبق هذه العملية، إقرار قطع الحسابات، وهو طرح الحكومة لحسابات العام الماضي أمام مجلس النواب والتي تتضمن كل إيصال أو فاتورة عن كل إنفاق قامت به الدولة على أن يقرّها المجلس النيابي لتمهّد الطريق لموازنة العام المقبل.
عمليا، يعتبر قطع الحساب عائقا أمام إقرار الموازنة بسبب الإهمال المتعمّد لعدم وجود كل الفواتير والإيصالات. وبالتالي نظرا لعدم إمكانية إقرار موازنة بلا قطع حساب تلجأ الحكومة إلى الصرف بحسب القاعدة الاثني عشرية. يمكن تلخيص هذا المخرج القانوني بالسماح للحكومة بالإنفاق بحسب موازنة العام المنصرم على أن لا تتعداها.
عام 2003 لجأ مجلس النواب إلى إقرار قطع حساب، ليكون بذلك مرحلة مفصلية بدأت بعدها أعوام اللا موازنة. لا يمكن وتحت أي ظرف أن تعطي الحكومة نفسها حق الجباية والإنفاق بعيدا عن الطروحات القانونية. بعيد حرب تموز، تدفقت الهبات والأموال للعودة بهيئة تناسب إلى حد ما لبنان المنتصر. لجأت الحكومة حينها لعدم إقرار موازنة أو قطع حساب. علاوة على ذلك اجتهدت الحكومة بزيادة الإنفاق بحوالي 11 مليار دولار عن السقف المحدد بحسب القاعدة الاثني عشرية وذلك بحجّة ضرورات الإنفاق بعد الحرب.
رغم أن هذه القضية تأخذ اهتمام الإعلام إلا أنها ليست الوحيدة. فقد تكلم بيفاني عن تعديات وقضايا هدر استمرت على مدى أعوام جعلت وزارة المالية وزارة ضعيفة ومنكوبة.
عام 2017 تم إقرار الموازنة على أن تقوم وزارة المالية بحساب المهمة وقطع الحساب للأعوام السابقة بعد أن منحها مجلس النواب مهلة لإتمام هذه المهمة. أعلن وزير المالية علي حسن خليل الثلاثاء الماضي إنجاز قطع الحساب وحساب المهمة للسنوات السابقة وإحالتها إلى ديوان المحاسبة والأمانة العامة لمجلس الوزراء. مؤكدا على أن موازنة 2019 ستصدر بعد قطع حساب التزاما بالقانون.
بعيدا عن قانونية إقرار موازنة عام 2017 بدون قطع حساب وعن التأخر بإقرار ميزانية 2019، إن ما تحاول إنجازه وزارة المالية سيعيد هيكلة مالية الدولة اذا ما نجحت بإقرار الموازنة بعد إقرار قطع الحساب من 1993 إلى 2017 وصولا إلى 2019. إن الآمال لأن تقرّ موازنة 2020 بالمهلة القانونية دون اللجوء لأي من زواريب الهدر والفساد تؤكد انتقال لبنان إلى مرحلة انتظام المالية.
إن حق الدولة بالجباية والإنفاق ذكره القانون ليكون وفقا للموازنة. وأسمى ما قد تقدمه الدولة للشعب من خدمة هو العدالة. إن هذه المحاولات بمحاسبة الفاسدين بحسب الملفات التي انتجتها إعادة حسابات وزارة المالية ستعيد الثقة بالقضاء اللبناني، وبوزارة المالية، والمجلس النيابي والدولة ككل. إعادة دور المجلس النيابي بالإشراف على إنفاق الدولة سيعيد الحق الدستوري للشعب ولعل ينتج عن ذلك مفهوم المواطنة.