معركة أولي البأس

خاص العهد

البطاطا البقاعية.. نكبةٌ تضرب مُزارعيها
12/01/2022

البطاطا البقاعية.. نكبةٌ تضرب مُزارعيها

لطيفة الحسيني

 هل تلفظ زراعة البطاطا المحلية أنفاسها الأخيرة؟ قبل سنوات قليلة، كان لبنان من الدول المُنافسة في زراعة وتصدير البطاطا. في المراتب الأولى أُدرج من قبل منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) حتى عام 2017. أسواق التصريف لم تقف عند حدود عربية، بل وصلت الى روسيا.

الأرقام اليوم تبدّلت، غاب لبنان عن المشهد، بعد أن كان يُنتج أكثر من 300 مليون طن سنويًا. عوامل اقتصادية وسياسية ساهمت في تراجع هذا القطاع الحيوي، فماذا يقول "أهل الكار" عن واقع زراعة البطاطا ولا سيّما البقاعية في ظلّ عاصفة الغلاء التي تضرب البلد للسنة الثالثة على التوالي؟

التصدير نادر

رئيس تجمّع المزارعين والفلاحين في البقاع ابراهيم ترشيشي يُشرّح لـ"العهد" واقع زراعة البطاطا اليوم، مُبيّنًا النكبة التي تعيشها، فيقول "كنّا ننتج كلّ عام ما بين 300 و350 ألف طن من البطاطا وأسبوعيًا فقط 50 ألف طنّ، وهي أكبر كمية لأيّ صنف محلي، يستهلك منها لبنان 150 ألف طنّ و50 ألفًا لمصانع البطاطا، والباقي يذهب الى الخارج، لكن الوضع تغيّر كليًا اليوم وبات من النادر أن تجد عمليات تصدير، لأن المستهلك المحلي أولى بها، ولا سيّما أن الكميات المتوفّرة لا تُعادل تلك المصدّرة في السنوات الماضية، ففي سنة 2021 على سبيل المثال لم يتعدَّ الإنتاج الـ100 ألف طنّ وكان السوق اللبناني بأمسّ الحاجة إليها".

زراعة البطاطا في لبنان تتوزّع على ثلاث مناطق محدّدة. في عكار يبدأ الإنتاج في 15 نيسان وينتهي في 15 حزيران، مساحة صغيرة جدًا في سهل مرجعيون، ومساحات شاسعة في منطقة البقاع يبدأ الإنتاج فيها في 15 حزيران ويستمرّ بالعطاء حتى 1 شباط أي في اليوم الذي تسمح فيه الدولة باستيراد البطاطا من مصر (فقط لشهريْ شباط وآذار)".

البقاع اذًا في مُقدّمة المناطق التي تُغني معظم لبنان بالبطاطا، غير أن هذه الزراعة أضحت تُثقل مَن امتهنها. يوضح ترشيشي لـ"العهد" أنها "الأعلى كلفةً من حيث الإنتاج داخليًا"، ويُفصّل أكثر "دونم البطاطا يُكلّف اليوم ما بين 500 الى 700$ وهذا رقم مُكلفٌ اليوم في ظلّ ارتفاع سعر صرف الدولار".

ترشيشي يلفت الى أن "سعر البطاطا ارتفع هذه السنة بسبب السعر العالمي المتزايد لهذه الثمرة"، ويتابع "أيّة دولة أردنا الاستيراد منها لن يكون سعر طنّ البطاطا أقلّ من 400 دولار في أرض الإنتاج، واذا دخل الى لبنان فسيُصبح كيلو البطاطا جملةً 16 ألف ليرة".

البطاطا البقاعية.. نكبةٌ تضرب مُزارعيها

مشاكل القطاع المتعدّدة، بحسب ترشيشي، برزت خلال شهريْ تموز وآب، حينها كان المازوت مدعومًا بسعر 100 ألف ليرة للصفيحة، إلّا أنه انقطع لفترة، وبدأ يُهرَّب حتى أصبح سعر الصفيحة في السوق السوداء (20 ليترًا) 500 ألف ليرة، ما زاد الأعباء على المزراعين ودفع عددًا لا يُستهان به منهم الى الإعراض عن هذه "المصلحة".

وهنا، يتحدّث ترشيشي عن أن "قسمًا كبيرًا من المُزراعين خاف من احتمال عدم قدرتهم على الريّ لغياب الكهرباء وانقطاع المياه، فاضطر لاستخدام مياه الآبار الارتوازية التي يعتمد تشغيلها على مولّدات الكهرباء العاملة على المازوت، وهذا الواقع أجبر الكثير منهم على التوقّف عن الزراعة بمعدّل نحو 50% منهم، فيما هناك من تحوّل الى "فدائي" وأقدم على الزراعة لكن بكمية تُساوي نصف ما كان يُنتج".

وعليه، حجم زراعة البطاطا خلال عام 2021 بلغ فقط 25% على صعيد جميع الأصناف ما تسبّب بارتفاع أسعار كلّ المنتوجات الزراعية، وفقًا لترشيشي الذي يُبدي خشيته من انصراف الناس وعدم إقبالهم على المُنتج المحلي بسبب تراجع قدراتهم الشرائية.

وعمّا اذا كان الاستيراد يعوّض عدم كفاية الإنتاج المحلي، يجزم بأن البطاطا المصرية التي يبدأ شحنها الى لبنان في شباط المقبل لن تكون حُكمًا أرخص من المحلية لأن أسعارها مرتفعة من مصدرها، ويضيف "أيّ منتج مستورد بطبيعة الحال سيكون أغلى من المنتج المحلي، وأكبر دليل فتح وزير الزراعة باب الاستيراد لجميع أنواع الخضراوات من الأردن، لكن أيّ صنف لم يُستورد بسب أسعاره المرتفعة".
 
لأجل ذلك، يُطالب ترشيشي بتحرّك الحكومة ووضع حدّ لتحليق الدولار، وبالعمل على تخفيف كلفة الإنتاج أو لا يبقى مزارع في البلد!

انهيار تامّ

المشهد لدى "أهل الأرض" مُحزن ومُحبط. تسألهم عن أحوال تجارتهم، فيُسارعون الى وصفها بـ"دمار وانهيار". علي عثمان، من أكبر مزارعي البطاطا في منطقة دورس، يسرد لـ"العهد" معاناته، فيقول "هذه السنة توقّفتُ عن زراعة البطاطا واستبدلتُ بها القمح الذي لا يتطلّب مصاريف ضخمة".

يُشير عثمان الى أنه كان يزرع بين 1500 و1800 دونم في دورس، بإنتاج يتراوح بين 4000 و5000 طن من البطاطا"، ويضيف "هذه السنة لم أزرع حبّة واحدة بل اخترتُ زراعة القمح الذي لا يحتاج الى مازوت وأموال، كما زرعتُ خضارًا".

الأمر وفق عثمان يعود حتمًا الى انعكاس غلاء الدولار على أسعار المازوت ثمّ ارتفاع أسعار الأسمدة والبذور المستوردة من أوروبا، فسعر طنّ السماد المستخدم في زراعة البطاطا كان سابقًا 600 $ واليوم بات 1200$.

إنتاج خجول

تنسحب ضائقة عثمان على علي الزين، المزارع الكبير في إيعات، الذي يعتزم في شباط القادم استثمار نصف المساحة التي كان يزرعها في السنوات السابقة.

الزين يرى أن الزراعة في حالة انهيار اليوم، ويردف "نفقاتُنا بالدولار ونبيع بالليرة اللبنانية. الأسمدة كـ"سولفات الأمونيا" سعر الطنّ منه كان يبلغ 350$ واليوم صار بـ700$، أمّا طنّ المركبات فكان بـ800$ واليوم بات 1200$، وعلى الرغم من ذلك الإقبال بالوتيرة نفسها والسوق المحلي يطلب باستمرار بطاطا بقاعية وهو يستهلك بحدود 300 طن من الإنتاج الوطني".
 
بحسب الزين، أسعار المحروقات والأسمدة والبذور المرتفعة تضرب هذا القطاع، سعر طن البطاطا اليوم 300$، والكيلو جملةً يُباع بـ11 ألفًا خاصة أن التوضيب يدخل في التسعير لأنه بالدولار.

الزراعةتجمع المزارعين والفلاحين في البقاعابراهيم ترشيشي

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة