خاص العهد
موازنة 2022 بأزمات متعدّدة؟
فاطمة سلامة
لطالما كانت مسيرة إعداد الموازنات في لبنان محل أخذ ورد في كواليس مجلس الوزراء. على الدوام، ثمّة جدال ونقاش عميق ووجهات نظر مختلفة تطول معها جلسات الحكومة وتتعدّد. والنتيجة موازنة في غير موعدها ولا تشبه الشكل الذي ينبغي له أن يكون. ولا يخفى على أي متابع حجم الضرر الذي أُلحق بالمالية العامة جراء غياب الموازنات لسنوات. 11 عامًا بقي لبنان بلا موازنة والبديل إنفاق عشوائي وغير منضبط وهدر وفساد ولا من يسأل. أما النتيجة فعجز بلغ مستويات قياسية توسّعت بموجبه دائرة المديونية والصرف بلا طائل.
إلا أنّ وجود الموازنة وعلى أهميتها، يطرح فكرة المنهجية التي يُقارب فيها هذا الصك التشريعي في لبنان. ثمّة مشكلة حقيقية في هذا الموضوع. للأسف، في الكثير من الأحيان تجري مقاربة الموازنة بناء على أرقام. فقط أرقام تندرج في خانتين إيرادات ونفقات. إلا أنّ ما يجب أن تكون عليه -وفق أهل العلم والاختصاص- هو أبعد من مجرّد نقاش لتوأمة الإنفاق والجباية. فلسفة الموازنة يجب أن تنطلق من روحية خطّة اقتصادية شاملة تأخذ في الحسبان مختلف قضايا الوطن والمواطن، وإلا فلا معنى لوجودها.
اليوم تُعد وزارة المال الموازنة العامة لعام 2022 تمهيدًا لإحالتها على رئاسة مجلس الوزراء بعد أيام. الأجواء توحي بإمكانية البدء بمناقشة الموازنة في الجلسات الحكومية بدءًا من الإثنين المقبل. لكن ثمّة أسئلة كثيرة تُطرح حول الشكل الذي ستكون عليه هذه الموازنة في بلد تتعدّد فيه أسعار الصرف وتتآكل فيه القدرة الشرائية ويبلغ فيه الحد الأدنى للأجور مستويات متدنية جدًا تصل في أحسن الأحوال الى 28 دولارًا.
جابر: يحاولون الاستفادة من تجارب دول أخرى لإنجاز الموازنة
عضو لجنة المال والموازنة النيابية النائب ياسين جابر يوضح في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن وزير المال يوسف خليل لا يزال في طور إعداد الموازنة وبالتالي لا معطيات نهائية عن شكلها ومضمونها. لكن جابر يلفت الى أنّ وزير المال والفريق المعني بإعداد الموازنة يحاول الاستفادة من تجارب دول أخرى وقعت في المأزق نفسه الذي وقع فيه لبنان كاليونان وآيسلندا. يعملون على محاكاة هذه التجارب لإنجاز موازنة والاستفادة من تجربتها، مع الإشارة الى أن المعنيين في مواقع لا يحسدون عليها وسط قرارت صعبة وغير شعبية.
لتكن لدينا مقاربة متوازنة
وفيما يشدّد جابر على أنّ هذه السنة من أصعب السنوات في كل شيء ومن ضمنها قضية الموازنة، يشدّد على ضرورة أن تكون لدينا مقاربة متوازنة، ففي حال كان هناك زيادات على المواطن يجب أن تقابلها عطاءات للمواطن. ولا يخفي جابر أنّ الدولة تبحث عن تحسين مواردها فالجميع مأزوم، الدولة تحتاج أموالًا والشعب لا يملك الأموال على أمل أن لا تأتي الأمور كصدمة كبيرة.
ويشير جابر الى أنهم كمجلس نيابي حريصون عندما تناقَش الموازنة على إحداث نوع من التوازن. اذا كان هناك زيادات معينة -لا مهرب منها- يجب أن تترافق مع عطاءات كزيادة بدل النقل وغيرها كتحسين الواقع الصحي لجهة الضمان الاجتماعي بعدما بات يُطلب من المواطن أرقام خيالية في المستشفيات.
صالح: الأفضل أن لا نقر الموازنة اذا كانت ستزيد التضخم
مدير المحاسبة السابق في وزارة المالية الدكتور أمين صالح يُفضّل في حديث لموقع "العهد" الإخباري أن لا تنجز الموازنة هذا العام اذا كانت ستُعدّ بالمنهجية التي يُحكى عنها. برأيه، الأفضل أن لا نقر الموازنة اذا كانت ستزيد التضخم في البلد وسط غياب خطة لمعالجة الشأن الاقتصادي والاجتماعي والتدهور الحاصل. ينطلق المتحدّث بداية من أهمية الموازنة التي حُدّدت -بحسب قانون المحاسبة العمومية- بأنّها صك تشريعي يُصادق عليه في مجلس النواب بعد تقديمه من الحكومة وتقدر فيه نفقات الدولة ووارداتها عن سنة مقبلة، وتجاز بموجبه الجباية والإنفاق، لكنّ هذه الأهمية اذا ما قاربناها بجملة وقائع حاصلة فإنها ترتد سلبًا على واقع المالية العامة في لبنان.
هذه السنة تختلف عن السنوات السابقة، يقول صالح. قبل الانهيار كان لدينا سعر صرف ثابت 1507 وكان هناك استقرار في الأسعار وثبات في القوة الشرائية للمداخيل. أما في السنة الحالية فقد وصل سعر الصرف الى 33 ألف ليرة ما أدى الى ارتفاع الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للعملة الوطنية. كل الموازنات السابقة كانت على سعر 1507 للدولار الواحد، أما اليوم فلا شيء واضحا ولا سعر صرف محدّدا. من غير المعروف على أي سعر صرف ستعتمد الدولة في نفقاتها وستجبي وارداتها وسط تعدد أسعار الصرف في السوق 1507، 3900، 8 آلاف ليرة، 12 ألف ليرة، 20 ألف ليرة، 30 ألف ليرة.
الدولة "ضايعة"
وفق صالح، فإنّ الدولة "ضايعة" لجهة أي سعر ستعتمد، فأي زيادة في سعر الصرف ستؤدي حكمًا الى زيادة الضرائب والرسوم ما سيزيد التضخم والفقر الى حد الجوع في البلاد. هذا فضلًا عن أنّ الموازنة يجب أن تعكس خطّة للإنقاذ، لكن للأسف فالحكومة ليس لديها خطة للإنقاذ. بحسب صالح، من المفترض أن تحل الحكومة المشاكل قبل إقرار الموازنة. ثمّة أسئلة كثيرة تحتاج الى إجابات. ماذا ستفعل بمسألة الدين العام لجهة خفضه أو إبقائه أو إلغائه؟ ماذا ستفعل بملف الكهرباء؟ هل ستستمر في الدعم؟. ماذا ستفعل لجهة الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام الذين يشكّلون نحو 50 بالمئة من الموازنة؟. وعليه، يرى صالح أنّ أي زيادة في الإنفاق ستؤدي الى زيادة الكتلة النقدية والتضخم وزيادة في فرض ضرائب جديدة على المواطن.
ويشدّد صالح على أنّ السلطة الحالية وبعدما أفلست البلاد وهدرت المال العام -إن لم نقل سرقته- ووضعت يدها على ودائع الناس في البنوك تُقدِم الآن على رفع الضرائب والرسوم لتحميل المواطن المزيد من الأعباء. وفق صالح، المكتوب يُقرأ من عنوانه؛ ستعمد هذه الحكومة في موازنتها الى رفع الضرائب وإلا فأين الخطة؟ الضرائب ستحتسب وفق سعر صرف الـ8000 ليرة وما فوق، ما يعني حكمًا تآكل الرواتب وثروات اللبنانيين وزيادة حالات الفقر بعدما فقدت الرواتب والأجور 95 بالمئة من قيمتها.
ما العمل؟ لا حل -برأي صالح- سوى أن يُجبر الشعب الحكومة أو السلطة على إعادة الأموال التي تم نهبها وسرقتها وإعادة الأموال المهرّبة الى الخارج. يشدد صالح على أنهم يريدون إنجاز موازنة بأي شكل كانت لتقديم فروض الطاعة الى صندوق النقد الدولي الذين لن يعطيهم شيئًا.
أبواب كثيرة للواردات بعيدًا عن الضرائب
ويؤكّد صالح أنّ باستطاعة الدولة جباية مداخيل وواردات كثيرة بعيدًا عن زيادة الضرائب وذلك عبر عدّة مجالات منها:
-إعادة قسم من الفوائد التي دفعتها الحكومات المتعاقبة لأصحاب سندات الدين العام والتي تتجاوز الـ58 مليار دولار وهي فوائد مرتفعة دُفعت خلافًا للأصول والدساتير.
-إعادة كل الأموال التي هربّت الى الخارج تحت طائلة مساءلة أصحابها من أين لكم هذه الأموال.
- جباية المداخيل من الأملاك العامة البحرية.
-مراقبة الهدر الحاصل في المرافئ والموانئ وتحصيل الضرائب كما يجب.
كل هذه الإيرادات بإمكان الدولة جبايتها لسد عجز الموازنة بعيدًا عن سياسة زيادة الضرائب التي يلجأ اليها البعض. نحن لسنا بلدًا فقيرًا، ولكننا بلد منهوب الموارد ولا حسيب ولا رقيب، يختم صالح كلامه.