خاص العهد
أرباح بعض السلع تبلغ ١٠٠%: جريمة من يوقفها؟
يمنى المقداد
يومًا في إثر يوم، تغرق الليرة اللبنانية في وحل الانهيار خلال معركتها الشرسة مع الدولار، ما ينعكس سلبًا على قدرة الناس الشرائية تحديدًا لمن يتقاضون أجرًا بالليرة اللبنانية.
ومع استحقاق الموازنة، هدأ جنون الدولار قليلًا لينخفض في أقل من أسبوعين من 33 ألفًا إلى ما دون 23 ألفًا، فعادت الليرة لتلتقط أنفاسها الأخيرة، في وقت يجزم فيه محللون اقتصاديون ونقديون وماليون أنّ هدنة الدولار مؤقتة، وليست قائمة على خطة مدروسة.
واللافت أنّه رغم هذه الهدنة المصطنعة للدولار، لم تنخفض أسعار السلع الغذائية والاستهلاكيّة، بل أكثر من ذلك، فقد استمر بعضها بالارتفاع، وكأنّ لا رابط بينها وبين الدولار إلا حين يحلّق الأخير فتحلّق معه، أمّا عندما ينخفض فلا شيء يجمعهما.
مؤخرًا في الثاني من شباط 2022، أصدرت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) تقريرًا من العاصمة بيروت تحت عنوان "إطلاق نتائج جديدة لمماثلات القوة الشرائية في المنطقة العربية: الحجم الحقيقي للاقتصادات العربية"، كشفت فيه أنّ لبنان سجل الارتفاع الأعلى في مستوى الأسعار خلال عام 2021 في المنطقة العربية.
وأظهرت نتائج التقرير أن الأسر باتت في عام 2021 تحتاج إلى مبلغ بالليرة اللبنانية أكبر بنحو 5.5 مرات عمّا كانت تحتاج إليه في عام 2019 مقابل ما تشتريه القيمة نفسها من الدولار، وأوضحت أن التوقعات تشير إلى فقدان العملة المحلية في لبنان حوالي 82% من قوتها الشرائية مقابل الدولار ما بين عامي 2019 و2021، فيما شهدت معظم البلدان الأخرى انخفاضًا في مستوى الغلاء عند مقارنتها مع الولايات المتحدة الأميركية.
السلّة الغذائية لأربعة أفراد: ٤ ملايين ليرة
هذه الدراسة وفق الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين، تؤكد الواقع الذي يعيشه اللبنانيون، مشيرًا لموقع "العهد" إلى أنّ الحد الأدنى للأجور البالغ ٦٧٥ ألف ليرة كان يساوي ٤٥٠ دولارًا، أصبح يساوي اليوم ٣٣ دولارًا، كما فقدت أكثرية اللبنانيين القدرة الشرائية فكلفة السلّة الغذائية والاستهلاكية لأسرة مؤلفة من ٤ أفراد ارتفعت من ٤٥٠ ألف ليرة شهريًا إلى ٤ ملايين ليرة، وهذا دون احتساب كلفة السكن والكهرباء والنقل، فمثلًا اشتراك الكهرباء وهو ضروري لأن الكهرباء لا تتوفر سوى ساعتين الى 4 ساعات يوميًا ارتفع من ١٥٠ ألف ليرة إلى مليونين، وسعر الكيلو وات أصبح ٨ آلاف ليرة، وصفيحة البنزين ارتفعت من ٢٦ ألف ليرة قبل سنة إلى ٣٦٠ الف ليرة حاليًا.
تلاعب التجّار
تستمر الأسعار صعودًا مع ارتفاع الدولار، ولكنّها لا تنخفض مع هبوطه، فما السبب؟
يجيب شمس الدين بأنّ اللبنانيين اليوم يرزحون تحت أعباء كبيرة: رواتب تآكلت قيمتها، وخدمات عامة أصبحت مفقودة والحصول عليها مكلف جدًا جدًا، موضحًا أنّ التجار يرفعون الأسعار ويبيعون بأكثر من سعر صرف الدولار بـ ٣ آلاف ليرة، وعند انخفاضها ينتظرون بيع ما لديهم لخفض الأسعار علمًا أنّه مع ارتفاع سعر صرف الدولار رفعوا الأسعار على السلع لديهم ولم يشتروا شيئًا حينها، وعند الانخفاض يرفضون خفضها فورًا كما رفعوها فورًا.
هيبة الدولة مفقودة
برأي شمس الدين المشكلة الأساس هي في انعدام الرقابة لأن هناك انحلالًا في الدولة وفقدانًا للهيبة، والعذر أنّه لا يوجد مراقبون، لافتًا إلى أنّ الأمر يحتاج إلى قرار وبالتأكيد لا يمكن لمئات المراقبين حتى لو تم توظيفهم القيام بجولات يومية على المؤسسات، جازمًا بأنّ الهيبة وحس الالتزام بالقانون مفقودان، حتى أن الأسعار والأرباح خيالية، وتبلغ في بعض السلع ١٠٠ % وهذه جريمة.
مقاطعة بعض السلع والمحال التجارية
ولكن من يستطيع ضبط هذا التفلت الحاصل في الأسعار، في ظلّ عجز الجهات الرقابية من وزارة الاقتصاد والأجهزة الأمنية والبلدية عن الحدّ من هذه الفوضى؟
من وجهة نظر شمس الدين، الحل في ظل انعدام دور الدولة هو تفعيل الرقابة من قبل المواطنين، ومقاطعة بعض السلع والمحال التي تحقق أرباحا كبيرة، ويمكن للناس التعاون وتعريف بعضهم بعضا على السلع الأرخص والمحال الأرخص، وأضاف: "نحن في وقت هو الأصعب في تاريخنا، وعلى الجميع التعاون لتجاوز المرحلة".
هناك من يربط انخفاض سعر صرف الدولار باستحقاق الموازنة، ويتوقع ارتفاعًا جنونيًا للدولار بعد تمريرها. شمس الدين يجزم في هذه النقطة، أنّ لا علاقة لخفض سعر صرف الدولار بالموازنة، فهناك حالة كباش سياسي وتعطيل حكومي رفعت سعر صرف الدولار، وعند عودة الحكومة وتراجع هذا الاشتباك وتراجع الدولار.
مصرف لبنان يلتزم بأسعار السوق السوداء!
في المقابل، يعتبر شمس الدين أنّ العيب والفضيحة هي أن يكون اقتصاد الوطن وليرتنا محددان من خلال منصة لا نعرف من يديرها ولماذا، ووفق أي اعتبارات، والمؤسف أنّ مصرف لبنان الذي أوجد عدة أسعار للدولار، أصبح وبعد فترة من الإنكار يلتزم بأسعار منصات السوق السوداء، فهو يشتري الدولار من خلال شركات تحويل الأموال وفقًا لسعر منصات السوق السوداء، فترتفع أو تنخفض هذه الأسعار تبعا لأسعار السوق السوداء.
بعض الاقتصاديين يربط بين انخفاض الدولار واستحقاق تمرير الموازنة، ويتوقّع ارتفاعًا جنونيًا للدولا بعد تمريرها، وبالتالي الأسعار.
شمس الدين يلحظ في هذا الجانب، أنّ الأوضاع الاقتصادية صعبة في لبنان هي نتيجة عدة عوامل منها الأزمة السياسية، والعجز في مالية الدولة، وارتفاع الدين العام ومن ثم كورونا وانفجار المرفأ، بيد أنّ كلّ هذه العوامل لا تبرّر من وجهة نظره هذا الارتفاع لسعر صرف الدولار إلى مستويات خيالية.
دراسة تدق ناقوس الخطر الذي نسمع قرع أجراسه يوميًا في الأسواق على شكل صدمات متتالية لهول الأسعار، ليتّضح أنّ من يزيد التنكيل بنا لا يقتصر على المصرف المركزي وتطبيقاته، بل كذلك مواطنون تجّار دخلوا في بازار القتل العمد للمواطنين على طريقتهم الخاصة، والحل وفق الخبراء المزيد من الرقابة الشعبية، ومقولة: "الشرطة في خدمة الشعب" على ما يبدو أنّها أكثر من وهميّة!