خاص العهد
النهوض بقطاع الكهرباء رهن تطبيق القانون
فاطمة سلامة
لدى تعداد الأزمات التي يتخبّط بها لبنان، سُرعان ما تبرز الى الواجهة مشكلة الكهرباء. أجيال وأجيال عايشت تلك الأزمة، وكبرت عليها. والمضحك المبكي في الأمر أنّ الوعود بكهرباء 24/24 لطالما كانت "الكذبة الأكبر" على مدى عقود. وفي مراجعة سريعة للمحطات التي مرّ بها قطاع الكهرباء، يتبيّن أنّ المشكلة لا تكمن حُكماً بما هو ظاهر أمامنا من عدم تأمين التغذية الكاملة لهذا القطاع. ما سبق هو نتيجة حتمية لعوامل متعدّدة، فهذا القطاع يفتقد مجلس إدارة كامل المواصفات. تماماً كما أنه يفتقد الهيئة التي تضع الاستراتيجيات والخطط وتتولى تنظيم ورقابة شؤونه، وهو الأمر الذي نصّ عليه القانون رقم 462 الصادر عن مجلس النواب بتاريخ 2/ 9/ 2002 تحت عنوان "تنظيم قطاع الكهرباء"، والذي لا يزال خارج دائرة التطبيق منذ 17 عاماً على إصداره.
خواجة.. تطبيق القوانين ألف باء محاربة الفساد
رئيس مجلس النواب نبيه بري حرّك منذ فترة المياه الراكدة في 39 قانوناً عُلّقت على لائحة الانتظار، وفي الأدراج بلا أي التفاتة تُسهم في دخولها حيز العمل والتنفيذ. الكهرباء على رأس تلك الملفات. من وجهة نظره فإنّ تطبيق القانون هو الأساس للنهوض بهذا القطاع. وهي النقطة التي يتحدّث عنها عضو لجنة الطاقة والمياه النائب محمد خواجة، على اعتبار أنّ ألف باء محاربة الفساد تبدأ من تطبيق القوانين. يُشدّد عضو كتلة "التنمية والتحرير" النائب محمد خواجة على أنّ المنطق يقول بضرورة تشكيل مجالس إدارة لكل المؤسسات وكذلك هيئات ناظمة، فمن غير المقبول الاستمرار بهذا الوضع، ومن غير المقبول وضع الصلاحيات الأساسية في غير محلها.
يتناول خواجة الأزمات التي يعانيها قطاع الكهرباء، فيلفت الى أنّ تعطيل تعيين هيئة ناظمة ومجلس إدارة، يشكّل جزءا أساسيا من المشكلة التي يعانيها هذا القطاع. بالنسبة له، حان الوقت الآن مع تشكيل حكومة جديدة وانطلاقة عجلة العمل التشريعي المسارعة الى تطبيق القانون، فلا مبرّر لتجاهل هذا الاستحقاق. يلفت عضو لجنة الطاقة والمياه الى أنّه بتعطيل إنشاء الهيئة الناظمة وتشكيل مجلس الادارة يتم تقاذف المسؤوليات، وتصعب مهمة المحاسبة، ويغيب التخطيط الذي يُنظّم القطاع كما يجب، فالمادة السابعة من قانون عام 2002 تنص على أنّ "هيئة تنظيم قطاع الكهرباء" تتولى تنظيم ورقابة شؤون الكهرباء وفقا لأحكام هذا القانون وتتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الفني والإداري والمالي".
ويؤكّد خواجة أنّ وجود مجالس إدارة يُطلق عمل المؤسسات وفقاً للقوانين المرعية، وتشكيل هيئة ناظمة يُحدث نقلة نوعية في قطاع الكهرباء، إذ يُسرّع الوقت لإيجاد حلول لأزمات الكهرباء.
بيضون.. للهيئة أهمية في توفير الهدر
المدير العام السابق للاستثمار في وزارة الطاقة اللبنانية غسان بيضون يستهل حديثه بالإشارة لما لهذه الهيئة من أهمية في توفير الهدر الحاصل بقطاع الكهرباء، انطلاقاً من الصلاحيات التي منحها اياها القانون، فهي التي تضع الأسس والقواعد وشروط إصدار الأذونات وتجديد وتعليق وإلغاء تراخيص الانتاج للقطاع الخاص. وبحسب بيضون، فإنّ علّة قطاع الكهرباء تكمن في النقص الحاصل بالانتاج، الأمر الذي يدعونا الى "خصخصة" هذا القطاع وأنشطته لكي ينهض بعد أن تُفتح أبواب المناقصات للحصول على جودة أعلى بسعر أقل. هذه الخطوة تحتاج بنظر بيضون الى هيئة ناظمة تضع الخطط والاستراتيجيات وتُعطي التراخيص، ومجلس إدارة يواكب المراحل. إذاً ما الذي يحول دون تطبيق القانون؟!
يُعبّر بيضون عن وجهة نظره بعدم تطبيق القانون بالإشارة الى أنّ البعض لا يريد أن يتشارك السلطة والقرار لا مع هيئة ناظمة ولا مع مجلس إدارة. يستعرض المراحل التي مرّ بها هذا القطاع، والتي لم تسفر مُطلقاً عن أي نتيجة ملموسة. ففي عام 2002 أقر القانون 462 لتنظيم قطاع الكهرباء، فلم يُنفّذ. في العام 2011 صدر القانون رقم 181 عن مجلس النواب وشدّد على ضرورة تفعيل قانون التنظيم ومنه تشكيل الهيئة الناظمة إذ دعا الوزير الى أن يقترح على مجلس الوزراء أعضاءها، كما نص على تجديد مجلس الادارة الحالي الذي يتكون من رئيس وعضوين خلافاً للقانون الذي يوجب تعيين 7 أعضاء، فأعطى فترة شهرين للوزير ليقترح على مجلس الوزراء مجلس ادارة جديداً، إلا أنّ الوضع لم يتقدّم قيد أنملة.
وفي العام 2012 صدر القانون رقم 288 الذي نصّ على أن يتولى مجلس الوزراء ووزيرا الطاقة والمالية المهمة الموكلة للهيئة الناظمة بإعطاء التراخيص، ريثما يتم تطبيق القانون خلال عامين، وهذه المرة أيضاً لم يتم وضع القانون موضع التنفيذ، ليتم التجديد عامين إضافيين بناء على قانون صادر عام 2015 يحمل الرقم 54، بلا إيضاح أي أسس تُقدّم على أساسها التراخيص، حسب قول بيضون، الذي يستغرب كل هذه المماطلة رغم أنّ المقومات متوفّرة منذ زمن، خصوصاً بعد أن أقر العديد من القرارات الحكومية التي تحتاج مواكبة ضرورية من مجلس الادارة وهيئة ناظمة تُدبّر أمور القطاع الكهربائي وتعمل على تطويره.
لا يرى بيضون حاجة لكل هذه السنوات والمماطلة بتشكيل الهيئة الناظمة وتشكيل مجلس إدارة مكتمل المواصفات "غير معطوب"، بينما الواقع يتطلب خمس دقائق فقط من وقتهم لإنجاز المهمة. لكن المتحدّث يعود ويُكرّر أن المسألة تتعدى الأطر الشكلية لما هو أبعد.
ويختم بيضون بالتأكيد أنّ إنقاذ قطاع الكهرباء لن يكون بلا إرادة سياسية تُطبّق القانون بعيداً عن الحسابات الشخصية الضيقة، ما يُوفّر الكثير على الدولة اللبنانية القابعة منذ عقود تحت وطأة أزمة الكهرباء وتكبيد الخزينة هدراً بمليارات الدولارات.