معركة أولي البأس

خاص العهد

الخليج في ظلّ التطبيع: المقاومة لا تزال هنا
23/02/2022

الخليج في ظلّ التطبيع: المقاومة لا تزال هنا

لطيفة الحسيني

لا إجماع في الخليج على "حليّة" تشريع العلاقات مع العدو. الأنظمة في وادٍ والشعوب في وادٍ آخر. البيئة الحاضنة للصهاينة غائبة، فيما يحضر التضافر لنصرة مركزية القضايا الإسلامية، فلسطين.

تعكس منصّات التواصل الاجتماعي أهواء الشعوب، اذا ما كانت رافضة أم مؤيّدة للتطبيع. السواد الأعظم من الخليجيين لا يرى في "اسرائيل" سوى عدوّ. لا حيادَ عن فلسطين ولا مُهادنة مع من يغتصب حقوق شعبها وأرضه ومقدّساته وإرثه.

قد تكون الإمارات أكثر الميادين اليوم انبطاحًا أمام وفود الصهاينة المُتغلغلة الى عمق الدولة. وتيرة التطبيع خيالية. سرعةٌ في بلورة اتفاقات مشتركة و"رشاقةٌ" على صعيد اللقاءات الجارية بين الجانبيْن، مرّة في حدود الدولة الخليجية، ومرة في الأراضي المحتلة. لكن مهلًا، التذلّل الرسمي لا ينسحب على الشعب الإماراتي. الصورة هنا لا تدعو للإحباط والخيبة، بل الى التفاؤل ولو بعد حين.

الإمارات.. ميدان التطبيع الأول خليجيًا
 
عن الخطوات غير المسبوقة المتّخذة في أبو ظبي لتمتين التحالف مع الصهاينة، يتحدّث رئيس الرابطة الإماراتية لمقاومة التطبيع أحمد الشيبة النعيمي لموقع "العهد الإخباري"، فيصف ما يعيشه بلده في هذه الفترة بـ"المؤلم"، ويؤكد في الوقت نفسه أن "الرابطة تواكب وترصد ما يجري وتُسجّل الآثار المترتّبة على التطبيع المُتسلسل، وكلّ الاتفاقيات والتحركات وعدد زيارات الصهاينة وبعض المتصهينين الإماراتيين الى الأراضي المحتلة".

يجزم النعيمي بأن "الشعوب بشكل عام رافضة لهذا التوجّه بناءً على رصد المجتمع الإماراتي الواعي للقضية الفلسطينية"، ويوضح أن "الناس المثقّفة والواعية في الإمارات ليست قليلة وهي تفهم أن هذه السياسة مغايرة لقيمها ومبادئها وإنسانيتها وعروبتها".

القلق الظاهر بحسب النعيمي هو على مستقبل الجيل القادم. يقول إن "الشعوب نشأت على القضية الفلسطينية تفهمها وتستوعبها وتدرك تاريخها وارتباطها بعقيدتنا وإنسانيّتنا ومجتمعاتنا وعروبتنا وكل ما له صلة بهويّتنا، لكننا نخشى على الجيل القادم الذي يُغيَّب الوعي لديه عبر مناهج مُعدّلة وإعلام مُزيّف ينسف الحقائق ويُشيطن الشعب الفلسطيني ويذهب لتجميل العدو الصهيوني ووصفه أحيانًا بالملائكية".

 

الخليج في ظلّ التطبيع: المقاومة لا تزال هنا

 

برأي النعيمي، "الحكومات الخليجية تسير باتجاه سيّئ وعلى رأسها حكومتا الإمارات والبحرين باستثناء الحكومة الكويتية الداعمة للقضية الفلسطينية، فيما تقف الحكومات المتبقّية في المنطقة الرمادية. هذه الخطة لا يمكن أن تنجح لأن الشعوب مُعترضة، وهذا ما يُشكّل تحدّيًا كبيرًا جدًا للحكومات التي تقف بعيدًا عن إرادة الشعوب، خاصة أن الفجوة تتّسع مع مواطنيها عندما تجنح نحو هذا الخيار".

نتيجة التطبيع محسومة بالنسبة للنعيمي. هو يرى أن "عواقبه لن تكون محمودة على صعيد علاقة الدول بشعوبها"، لذلك ينصح بقية الحكومات الخليجية التي لم تُطبّع بفهم ما هي نتائج هذا الاتجاه.

التعويل على الشعوب اذًا. النعيمي يُشير الى أنه "لا بدّ أن يقول الشعب الإماراتي كلمته وأن يقف أمام حكومته ويُعرب عن عدم رضاه عن التطبيع"، ويُضيف "يجب عليه أن يكون واضحًا في هذه القضية المصيرية للأمة، وحتى لدولة الإمارات نفسها التي قامت على نُصرة القضايا الإسلامية، وهذا عهدٌ ما بين المؤسّسين والشعب الإماراتي الذي كُتب في دستور الدولة بأنها تقف ضدّ هذا التوجه، الى أن جاءت الحكومة اليوم وغيّرت هذه المادة دون سند قانوني (المادة 12) ما يُحتّم على الشعب رفض السياسة المتخذة".

يعتبر النعيمي أن "الحكومة الحالية لا تلتفت للشعب وتحاول أن تُغمض عينها عن المحيط من حولها الرافض للتطبيع"، لذلك يُرجّح أن تتكبّد الإمارات خسائر كبيرة بسبب إصرارها على التطبيع وإبرام معاهدات من شأنها تعميق جذور الكيان الغاصب في المنطقة، فهؤلاء الصهاينة أينما حلّوا جاء معهم الخراب اقتصاديًا واجتماعيًا وتربويًا وسلوكيًا ودينيًا، خاصة أن الحكومة ستتوجه نحو الخضوع الكامل فتكون الأوامر من "تل أبيب" وهي تُنفّذ فقط".

 

الخليج في ظلّ التطبيع: المقاومة لا تزال هنا

 

هل من الممكن لجم التطبيع الساري في الإمارات؟ من وجهة نظر النعيمي هناك طريقتان لذلك، إمّا تنتهي المسألة بضغط من الشعب الإماراتي على الحكومة لثنْيها عن هذه الممارسات، وإمّا تُصاب الأخيرة بموجة وعي وهو ما يُستبعد حاليًا لما تعيشه من ضياع وفساد على صعيد علاقتها مع كيان العدو.

بناءً على نشاط الرابطة التي يرأسها، يكشف النعيمي تلقّيه تهديداتٍ ورسائلَ من حساباتٍ وهمية تُحاول أن تزعزع إرادته، ويُصرّح "محاولات إخافتنا لا تنجح ولا تُرعبنا وليس لها قيمة، حتى لو وصل الأمر الى أبعد من ذلك، لأن القضية قضية مبدأ وعقيدة".

البحرين.. سباق نحو التذلّل

في البحرين لا تختلف الصورة كثيرًا. حجم الخضوع لأعداء الأمّة مُفجع. وكأنّ "ماراتونًا" يجري لنيْل جائزة أفضل "ارتماء في حضن "اسرائيل"! تارةً عبر فتح سفارة لها، وتارةً أخرى عبر توقيعات أمنية ثنائية ثمّ استضافة عسكريين صهاينة ضمن ترتيبات دائمة، الى أن تكلّل الأمر بتسرّب "الموساد" الى أجهزة المملكة.

إزاء هذا المشهد، تستنفر الجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع لمواكبة ما يحصل. منذ تأسيسها عام 2002، استدركت الخطر القادم الى المملكة. عضو الجمعية عبد الرسول عاشور يقدّم عبر "العهد" مقاربة للسوء الذي تعيشه بلاده اليوم بفضل معاهدة الذلّ الموقّعة مع آل خليفة.  

عاشور ينبّه الى أن "الكيان الصهيوني وخاصة بعد الاختراقات التي أحدثها في إثر توقيع العديد من الاتفاقات مع حكومة البحرين أصبح خطره شاملًا لجميع من يعيش على هذه الأرض، خاصة أنه يستخدم كل الأساليب المنحطّة لتفتيت المجتمع".

 

الخليج في ظلّ التطبيع: المقاومة لا تزال هنا

 

يُبيّن عاشور أن "التطبيع بحدّ ذاته بالنسبة للكيان الصهيوني مطلب استراتيجي يتعلّق بمستقبله واستمرار وجوده بشكل قويّ، لذلك يهدف من ورائه لتحقيق أهداف عدة على رأسها التحكّم بمصائر دول المنطقة من خلال السيطرة على الأمور الحيوية لتلك الدول ومنها الاقتصاد، فبعد أن أيقنت "اسرائيل" أن السيطرة العسكرية على المنطقة مستحيلة ذهبت نحو السيطرة الاقتصادية، لذلك نجد أن هذه الخطوة دخلت حيّز التنفيذ في البحرين حيث استحوذ الكيان الإجرامي على بعض المؤسسات المالية بالشراء وبعقد اتفاقيات مع المصارف والشركات الكبرى".

وفق عاشور، من الأهداف التي يطمح العدو لتنفيذها السيطرة على الأمن، فيما هناك قطاعات حيوية جدًا استطاع أن يتغلغل فيها كالصحة والماء والتعليم والتجارة وغيرها.

يؤكد عاشور أن "الجمعية تعمل منذ نشأتها بحسب إمكانيّاتها والظروف السياسية المحلية، وحقّقت أهدافها على صعيد ترسيخ القضية الفلسطينية وفضح الكيان الصهيوني الذي حاول التغلغل في مجتمعاتنا من خلال عناوين زائفة وخادعة، كالتسامح الديني والتعاون الفني والرياضي والسياحة الدينية للقدس وغيرها من الحيل".

يلفت عاشور الى أن "من الأمور المهمّة التي ركّزت عليها الجمعية هي مقاطعة كل ما يمتّ للكيان الصهيوني السرطاني من صلة، وهي لعبت دورًا مُهمًّا في كشف البضائع الصهيونية التي تسلّلت الى الأسواق المحلية ممّا أدى الى سحبها سريعًا".

يُعدّ عاشور "المقاطعة سلاحًا مُهمًّا على الشعب ألّا يتوانى عن استخدامه"، ويدعو في هذا السياق الشعب البحريني لـ"التعبير عن رأيه بشكل مستمر في رفض التطبيع بالوسائل المتاحة خاصة الفضاء الإلكتروني والمشاركة في الفعاليات والندوات المناهضة للتطبيع والانضمام للجمعية البحرينية لمقاومة التطبيع مع العدو".

التوعية من شبهة التطبيع مسؤولية تقع على عاتق الجمعية. عاشور يقول إن الأخيرة مارست على هذا المستوى نشاطات دؤوبة ومستمرة لناحية الزيارات الميدانية للمدارس وطباعة قصص الأطفال التي كُتبت بأقلام الطلاب وإقامة فعاليات الرسم والمسرح، والهدف الأساسي هو التنبيه الى هذا الخطر، كما أنها خطت عام 2018 خطوة وطنية تاريخية، عندما نجحت في إطلاق المبادرة الوطنية البحرينية لمناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني التي تضمّ أكثر من 20 مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني التي تمثّل مختلف أطياف المجتمع وشتّى اتجاهاته السياسية والأيدولوجية والفكرية من جمعيات سياسية ونسوية ومهنية، والتي تقوم بنشاطات تعبّر فيها عن رفضها للتطبيع الحكومي، ومنها البيانات التي دعت من خلالها الحكومة لإلغاء كافة الاتفاقيات مع العدو الصهيوني.

ويخلص الى أن "الأمر يستلزم تكاتف كل فئات المجتمع للتصدي لخطر التطبيع الداهم وخاصة الشخصيات المؤثّرة في المجتمع".

الإمارات العربية المتحدةالخليج

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة