معركة أولي البأس

خاص العهد

تسلم وتسليم في قيادة اليونيفيل.. من يدفع نحو "حل سياسي" بين لبنان والكيان؟!
03/03/2022

تسلم وتسليم في قيادة اليونيفيل.. من يدفع نحو "حل سياسي" بين لبنان والكيان؟!

سامر الحاج علي

مختلفاً كان الاحتفال الذي أقيم في مقر قيادة اليونيفيل في الناقورة قبيل ظهر الإثنين والذي تخلله تسلم وتسليم بين القائد العام للقوات الدولية المنتهية ولايته الممددة اللواء ستيفانو دل كول، والقائد الجديد الإسباني ارولدو لازارو.

في الطريق إلى الناقورة لم يُلاحظ زيادة في الإجراءات الأمنية التي تتخذها اليونيفيل في مثل هذه المناسبات فكان انتشارها روتينياً ولوحظ غياب للقطع البحرية عن الواجهة المقابلة للساحل الجنوبي، ولكن ما بدا مستغرباً انتشار قوة من مخابرات الجيش اللبناني بلباسها الأسود وعتادها الكامل مقابل البوابة المخصصة لدخول الشخصيات إلى القاعدة، علماً أن حاجزاً ثابتاً للجيش يقع في المكان نفسه بدا فيه العسكر مستنفراً كما هي الحال عند العديد من الحواجز المؤدية إلى الناقورة والنقاط العسكرية والأمنية الحساسة، وإلى هنا قد يبدو الأمر طبيعياً!

داخل المركز نُصبت منصة مخصصة للضيوف لوحظ أنها كانت هذه المرة أكبر من منصات الاحتفالات التي تقام هناك عادة، ومن بين الحاضرين إلى جانب قادة القوة الدولية وزير الدفاع اللبناني موريس سليم ممثلاً رئيسي الجمهورية والحكومة فيما مثلت النائب عناية عز الدين رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جانب قادة امنيين وعسكريين لبنانييين وملحقين وسفراء عدد من الدول ووزيرة الدفاع الاسبانية مارغاريتا فرنانديس التي حضرت ربما لارتباطها بالمناسبة لكون القائد الجديد إسباني الجنسية، وكان يشغل قبيل مهمته الجديدة منصب المستشار لها في شؤون الدفاع والأمن الشاملة، وسبق له وأن شغل مهام عدة في قوة بلاده المشاركة في اليونيفيل في لبنان، وضمن قوات الأمم المتحدة في البوسنة والهرسك، وفي حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي اليوفور.

وكما كانت العادة جرى استعراض الكتائب المشاركة في اليونيفيل بعرض عسكري رمزي في باحة القاعدة، ثم وضعت أكاليل من الزهر عند النصب التذكاري لضحاياها، قبل أن تبدأ الخطابات المقررة وهي للضابطين دل كول ولازارو، وهنا كانت قد بدأت سردية تمرير بعض المواقف والعبارات المشبوهة التي تستدعي الوقوف عندها مطوّلاً، لما تحمله من أبعاد متعلقة بما هو أوسع من مهام اليونيفيل نفسها وأصل وجودها، لا سيما بما يرتبط بملفات "تطبيع" العلاقات مع العدو الإسرائيلي والسعي لإيجاد حل سياسي ودبلوماسي بينه وبين لبنان.

فخلال كلمته التي بدأها بالترحيب بالضيوف، شجّع اللواء الإيطالي ستيفانو دل كول كلًّا من لبنان والكيان الإسرائيلي على التغلب على العقبات التي تعترض سبيل "السلام" بينهما، ودعاهما إلى اتخاذ الخطوات اللازمة في هذا الاتجاه معتبراً أن ما تشكله اليونيفيل من فسحة أمل لحل طويل الأمد لا يمكن أن يكون بديلاً لحل سياسي طويل الأمد..

كلام دل كول الغريب من حيث التوقيت الذي تمر به المنطقة بمرحلة تضج فيها أصوات التطبيع العربي مع كيان الاحتلال والمحاولات الغربية لإغراق لبنان في مسار كهذا، لم يقتصر على ما تقدم بل تبعه كلام مرتبط يعتبر فيه أن العمل المشترك بينه وبين الحكومة اللبنانية والمرجعيات الدينية والسلطات المحلية والسكان والجيش اللبناني ودعمهم له يأتي على طريق وضع الأطر الأساسية لبناء عملية السلام المستدام و"يجعلنا اليوم قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه"، ما يعني أن دل كول قد ترجم التعاون الذي يبديه لبنان لتطبيق القرارات الدولية على أنه سعي لعقد سلام مع كيان العدو، وهذا إنما ينم إما عن قراءة خاطئة لنوايا اللبنانيين، وإما عن نوايا مبيّتة لحرف الواقع وتمرير اتفاقيات ما توصلنا لتوقيع "سلام" مع كيان الاحتلال كأمر يفرض نفسه في نهاية الأمر. وكان دل كول أكثر وضوحاً في خلاصة كلمته، التي تضمنت دعوة للبنان ولكيان العدو إلى ترك الماضي ونسيانه وإيجاد حل سياسي بينهما، متخطياً المهام التي كلفت بها اليونيفيل كقوة رصد للانتهاكات عند الخط الأزرق وكتائب مؤازرة لعمل الجيش اللبناني، مصطنعاً لنفسه مهام عملياتية جديدة تصب في خانة الترويج للتطبيع، علماً أنه نفسه كان خلال الاجتماع الثلاثي الذي عُقد في رأس الناقورة في الحادي عشر من شباط المنصرم مندفعاً للعب دور ما "للانتقال من المستوى التقني إلى الهدف الأسمى المتمثل في تحقيق سلام مستدام..." والكلام حرفياً عن دل كول.

فالرجل إذًا يسعى إلى السلام. ولم يكن الضابط الاسباني الذي خلفه في منصبه بعيداً عن تطلعاته وإن كان لم يعطِ في كلمته خلال تتويجه الهامش الواسع للتعبير عن هذه التطلعات، بل اكتفى في ختامها بما يصب في الخانة نفسها من سوء التقدير تجاه الموقف اللبناني من القرارات الدولية، معتبراً أن دعم الجيش والتعاون معه وضمان استقرار منطقة العمليات جنوباً سيشكل خطوة جديدة لتهيئة الظروف نحو حل سياسي ودبلوماسي.

تطرق دل كول إلى السياسة، وذهب لازالو أبعد من ذلك نحو الدبلوماسية، وخطأ الاثنين أنهما لم يفقها ربما -على الرغم من سنوات خدمتهما الطويلة في لبنان- طبيعة العقل الجنوبي الذي يحترم الأمم المتحدة رغم أنه يعرف أنها شريكة في سفك دمه، ويستقبل القوات الدولية في بيوته وساحاته ومناسباته رغم إدراكه أنها تتحرك في كثير من الاحيان بأمر عمليات يتماشى مع مطالب جهات عدوة، ويؤوي جنودها من ضربات "إسرائيل" رغم أنه ذُبح في مراكزها وعلى بوابات معابرها بكل دم بارد وقانا خير الشاهدين.

كثيرة هي أوجه الغرابة في هذا الحفل، والتي فاجأت أيضاً عدداً من المدعوين الذين استغربوا ما وصفوه بالمشهد الجديد الذي ظهر من خلال الكلمات والذي لم يكن معتاداً في السابق، فالمواقف خرجت عن إطارها الطبيعي إلى ما هو أبعد من مهام اليونيفيل والسير نحو نطاق جديد ينادي بتنحية المهام العسكرية والامنية لها والسير نحو الوصول لحلول سياسية لا يحتاج تلخيص معناها لكثير من التفكير والتحليل، ولكن يحتاج تعليل اسباب من اطلقها لبعض من التفكّر، فهناك في الغرب من يدفع نحو "السلام"، وهناك خلف الحدود من يحتاج له ليبرد قلقه من تهديد وجودي، وهناك في الداخل ربما من يمني النفس بصلح يجعله سيداً وأميراً، ولكن.. هناك في لبنان أيضاً من دفع دماً لطرد "اسرائيل"، وأتقن جيداً كيف يدفن مشاريعها "على أي هيئة أتت" تحت التراب.

إقرأ المزيد في: خاص العهد