خاص العهد
تقدير موقف | اليوم 46 : احاطة لنتائج العملية الروسية ـ الأبعاد العسكرية (2)
عمر معربوني | كاتب وباحث في الشؤون العسكرية
تختلف الآراء بين المراقبين والخبراء حول اذا ما حققت العملية الروسية أهدافها ام لا، حيث تتم مقاربة المسألة من زوايا ترتبط بالتموضع السياسي وهو خطأ كبير، سواء بالنسبة للمنطلقين في مقارباتهم من البروباغندا الإعلامية الغربية (فوبيا روسيا) او من البعض الذين يكتبون بنوع من المغالاة بنتيجة حبّهم لروسيا.
بعيداً عن الفريقين، سأحاول في هذه الإحاطة ان اقدّم المشهد في نتائج العملية العسكرية الروسية كما هو انطلاقاً من الأهداف التي حدّدها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عند إعلانه عن بدء العملية.
مسألة أخرى يجب الاشارة اليها قبل البدء باستعراض نتائج العملية، وهي المدّة الزمنية المحددة للعملية والتي لم تخرج الى العلن، ولم يتم التصريح عنها من قبل وزارة الدفاع الروسية، وبالتالي لا يمكن التعويل على عوامل النصر والهزيمة بما يرتبط بعامل الزمن طالما لا يمتلك احد تحديداً دقيقاً للمدّة وبالتالي ستكون هذه المسألة خارج البحث.
ماذا تحقق من أهداف للعملية؟
اهداف العملية الروسية كما حدّدها الرئيس بوتين:
1ـ تحرير إقليم الدونباس
2ـ حياد أوكرانيا
3ـ نزع سلاح أوكرانيا
4ـ منعها من الإنضمام لحلف الناتو
5ـ منع أوكرانيا من تصنيع أسلحة نووية
6ـ اجتثاث النازية
1ـ بالنسبة للهدف الأول ـ تحرير إقليم الدونباس: يمكن القول ان 70 % منه قد تحقق حتى لحظة كتابة هذا النص، انطلاقاً من ثوابت ترتبط بالمساحة التي تم تحريرها من أراضي الإقليم، حيث تشير المعطيات الى تحرير 90 % من أراضي جمهورية لوغانسك، بينما تم تحرير 50 % من أراضي جمهورية دونييتسك خلال شهر ونصف من انطلاق العملية، علماً ان تحرير إقليم الدونباس وُضع على رأس قائمة الأهداف بسبب تأكيد المعلومات من قبل الإستخبارات الروسية ان عملية واسعة يتم التحضير لها لإجتياح مناطق سيطرة قوات الدونباس، وانهاء فاعليتها والعودة بالأمور الى المربع الأول ما قبل العام 2014 ، لتأتي العملية الروسية كإجراء استباقي وتُنهي مفاعيل لبخطة الأوكرانية ـ الأميركية.
2ـ بالنسبة للهدف الثاني ـ حياد أوكرانيا: من المهم الإشارة الى ان حياد أوكرانيا ليس مطلباً روسياً منطلقاً من رغبة روسيا في الهيمنة على أوكرانيا، بل هو مطلب يدعو الى تطبيق الدستور الأوكراني الذي يقول بحياد أوكرانيا، وعدم انضمامها الى اية احلاف، وعدم تحويلها الى تهديد محتمل لأحد وبشكل خاص روسيا، وهو ما تم خرقه عبر سلسلة من الاجراءات على مدار سنوات طويلة في التحالف مع اميركا، والقيام بمجموعة كبيرة من التغييرات بدأت تشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي الروسي.
في هذا الجانب من المفيد التأكيد ان أوكرانيا التزمت مجدداً خلال جولة مفاوضات اسطمبول بتأكيد حيادها.
3ـ بالنسبة للهدف الثالث ـ نزع سلاح أوكرانيا: تشير الأرقام الصادرة عن وزارة الدفاع الروسية والتي لم يتم دحضها من قبل القيادة الأوكرانية ووقائع الميدان الى ما يلي:
ـ تدمير 127 طائرة حربية مقاتلة حتى تاريخ 9 نيسان/ أبريل 2022 من اصل 170 طائرة و98 طوافة عسكرية (بينها 48 مي – 24 هجومية) من اصل 140 كانت صالحة للخدمة، ما منح سلاح الجو الروسي سيطرة شبه كاملة على الأجواء الأوكرانية باستثناء بعض التحليقات الأوكرانية التي تنطلق بين الحين والآخر، ويتم اسقاطها حتى قبل إتمام مهمتها سواء كانت طائرات حربية او طوافات، ما يعني ان نسبة 90% من فاعلية سلاح الجو الأوكراني قد انتهت، علماً بأن ما تبقى من طائرات وطوافات لا يؤمن للجيش الأوكراني أي غطاء جوي او تنفيذ لمهام الدعم الأرضي.
ـ تدمير حوالي 2200 دبابة قتال رئيسية من اصل 3900 تمتلكها أوكرانيا، علماً ان هذه الدبابات تم تدميرها على جبهات القتال الشمالية والشرقية والجنوبية دون ان يتم التعرض للألوية المدرعة المتموضعة في غرب وجنوب غرب أوكرانيا التي باتت غير قادرة على التحرك بسبب السيطرة الجوية الروسية.
ـ تدمير غالبية منظومات الدفاع الجوي الأوكراني من طراز اس ـ 300 وبوك وغيرها واقتصار استخدام أسلحة الدفاع الجوي على صواريخ "ستينغر" الأميركية المحمولة على الكتف، والتي لم تؤثر في مهام الطيران العملياتي والتكتيكي للجيش الروسي.
ـ بالإضافة الى اسقاط 445 مسيرة من بينها معظم مسيرات بيرقدار التركية الصنع، واقتصار الإستخدام الأوكراني للطائرات المسيرة على الطرازات الصغيرة المستخدمة في مناطق عمل الكتيبة والسرية بغياب أي نوع من المسيرات المسلحة بنسبة كبيرة جداً.
ـ اكثر من نصف المدافع ذاتية الحركة والمقطورة والهاون وراجمات الصواريخ إضافة الى تدمير 8 منصات لصواريخ توتشكا او من اصل 20 تملكها أوكرانيا.
ـ تدمير عدد كبير من الشاحنات وآليات نقل الجنود والعربات.
ـ تدمير غالبية مراكز القيادة والحرب الإلكترونية ومدارج الطائرات العسكرية.
ـ تدمير سلاح البحرية الأوكراني بالكامل بما فيه الزوارق الصغيرة وإخراجه من الخدمة بنسبة 100%، إضافة الى تحقيق روسيا السيطرة على كامل شاطىء بحر آزوف، وعلى اكثر من نصف شاطىء البحر الأسود التابع لأوكرانيا، مع وجود معلومات ان الجيش الروسي الذي لم يباشر بعد أي عمليات مباشرة بمدينة اوديسا ومقاطعتها حيث ينوي تحقيق السيطرة الكاملة عل ما تبقى من سيطرة اوكرانية على شاطىء البحر الأسود.
استناداً الى هذه الأرقام يمكن القول ان هدف نزع سلاح أوكرانيا يسير بشكل متسارع، وان استمرار عمليات الإستهداف سيؤدي الى تحطيم كامل القدرة العسكرية الأوكرانية، ونحن هنا لا نتكلم طبعاً عن الأسلحة الفردية والمتوسطة بل عن الأسلحة التي تمنح أوكرانيا القدرة على تهديد روسيا.
4ـ انضمام أوكرانيا لحلف الناتو: لم يعد بعد العملية الروسية امراً سهلاً، حيث يمكن ان يُطلق الأمر شرارة حرب عالمية ثالثة مدمرة لا تبقي ولا تذر، وهو امر مفهوم لدى اميركا وأوروبا، وان كان الأمر وارداً قبل العملية الروسية فهو بات مستحيلاً بعدها، وبالتالي يمكن اعتبار تراجع أوكرانيا وعدم قدرة اميركا والغرب ضمها الى حلف الناتو احد اهم الأهداف التي تحققت بنتيجة العملية.
5ـ منع أوكرانيا من تصنيع أسلحة نووية: وهو ما يتم العمل عليه بشكل كبير على المستوى العسكري والتقني من قبل روسيا، واعتقد انه سيتم ضمانه في حال الوصول الى نتائج إيجابية في المفاوضات المتعثرة حتى اللحظة والتي لم يتحقق منها الكثير، ما يعني ان سيطرة روسيا الحالية على محطة زابوروجيا النووية وهي اكبر المحطات النووية في أوكرانيا ستُستكمل في السيطرة على باقي المحطات، وهو ما يستوجب اكمال العملية حتى السيطرة على كامل أوكرانيا، ولا احد يملك في الحقيقة تصوراً دقيقاً اذا ما ستتجه الأمور الى هذا المسار الذي سيحتاج الى ثلاثة او أربعة اضعاف القوة الروسية الحالية لإتمامه علماً بأن هذا الأمر يعني فتح الأمور على احتمالات كبيرة.
6ـ اجتثاث النازية: وهو موضوع لا يمكن انهاءه بالقوة العسكرية حيث تستمر حملة معاداة روسيا منذ فترة طويلة عبر القوميين المتطرفين في أوكرانيا، والتي حولّت اجيالاً بأكملها الى معادين لروسيا عبر تأصيل الكره وزرع "فوبيا روسيا"، والتي تنتقل الآن من أوكرانيا الى انحاء مختلفة من العالم عبر جهد غير مسبوق لأجهزة الإستخبارات ووسائل الإعلام الغربية، وبشكل هستيري طال كل النواحي وصولاً حتى الرياضة والفن والأدب.
انطلاقاً من استعراض هذه النتائج يمكن الجزم بأن روسيا حققت قسماً كبيراً من أهدافها في وقت قياسي، بالنظر الى حجم القوة الروسية التي تنفذ المهام وبالنظر الى المرونة العالية في التعاطي مع المستجدات، وإمكانية إيجاد البدائل السريعة بما فيها التكتيكات التي قد تكون أخفقت في بعض الجوانب المرتبطة بمهام وحدات على مستوى الكتيبة والسرية، الا انها في الجانب العملياتي يمكن التأكيد على انها حققت القسم الأكبر.
وفي حال استطاعت روسيا تحقيق أهدافها بنسبة عالية سواء عبر استمرار العملية او بالمفاوضات يمكن القول حينها ان متغيرات استراتيجة ستحصل، وسنكون ام تحولات جيوسياسية تجابهها اميركا بشكل خاص بشراسة وهيستيريا غير مسبوقة لإرتباط الأمر بنفوذها وهيمنتها.