معركة أولي البأس

خاص العهد

هل تمرّ صفقة المناهج على حساب التربية والتعليم في لبنان؟
19/04/2022

هل تمرّ صفقة المناهج على حساب التربية والتعليم في لبنان؟

يمنى المقداد

أواخر شهر آذار الماضي انتهت ورشة العمل الثالثة التي نظمها المركز التربوي للبحوث والإنماء والمخصصة لمناقشة المسودة الثانية للإطار الوطني لتطوير المناهج التربوية لمرحلة التعليم العام ما قبل الجامعي، بانتظار رفعها من قبل وزير التربية إلى مجلس الوزراء فتصدر بقرار عنه.

تجمع التحليلات الإعلاميّة المتابعة لهذا الملف، أنّ وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي يسعى بكلّ ما أوتي من قوّة إلى إقرار المناهج التربوية الجديدة قبل الانتخابات النيابية مخافة أن تتحول الحكومة إلى تصريف الأعمال وتبقى أموال البنك الدولي المخصصة للمناهج وقيمتها 37 مليون دولار (من أصل 204 مليون مخصصة لإصلاح قطاع التعليم في لبنان) محتجزة لدى البنك الدولي.

هذا المشروع الذي يشكّل نواة النهوض بالطالب اللبناني والذي تجري مناقشته على عجل، لم يخلُ من الانتقادات التربوية والتعليمية منذ انطلاقة العمل به. وبعيدا عن التفاصيل العلمية موضع الجدل والنقد، وتحديدا المتعلّقة بالنظام التعليمي المعتمد والمواد العلمية وسواها، والتي يفترض أن تنتج طالبا يتمتع بمهارات نقدية وتحليلية ورقمية، فإنّ هناك ملاحظات تتعلّق بتشويش أو تشويه الهويّة الوطنية للطالب اللبناني وما يتبعها من تداعيات.

هل تمرّ صفقة المناهج على حساب التربية والتعليم في لبنان؟

فما هي أبرز الملاحظات في المسودّة النهائية؟

الباحث التربوي الدكتور ماجد جابر أشار  لموقع "العهد" إلى أنّه وبعد مرور 25 عامًا على ولادتها سنة 1997، تبرز الحاجة الماسة لتغيير المناهج الحالية، حيث أظهرت التجربة والدراسات حجم الفشل والإخفاقات التي سجلتها هذه المناهج ولم تنجح في تحقيق ملمح المواطن المتمتع بالمواصفات الضرورية، فضلا عن تأخرها عن ركب التطورات التربوية والعلمية والرقمية العصرية بشكل كبير.

وشرح أنّه في الواحد والعشرين من شهر آذار، انطلقت مناقشة المسودة الأولى للإطار الوطني لمناهج التعليم العام ما قبل الجامعي، ثم استؤنفت المناقشات بجلسات متتابعة، ثم وضعت مسودة ثانية وتمت مناقشتها تمهيداً لوضع مسودة ثالثة والوصول الى إطار نهائي لإقرارها على طاولة مجلس الوزراء، وأنّه يتم تطوير المناهج بإشراف المركز التربوي للبحوث والإنماء ووزارة التربية والتعليم العالي بالتعاون مع اليونسكو وتمويل الجهات المانحة وبرنامج s2r2 بالتعاون مع البنك الدولي.

وبالنسبة للتمويل أشار جابر إلى أنّه سيكون ضمن إطار تمويل مشروع تطوير النظام التربوي ككل من قبل البنك الدولي والبالغ ٢.٤ مليون دولار (١٠٠مليون دولار هبة، و١.٤ مليون قرض)، على أن يرصد مبلغ تطوير المنهاج من ضمن الهبة.

خفايا وخبايا

شارك في المناقشات ضمن الجلسات الخمسة المتتابعة مديرو الوحدات الإدارية في وزارة التربية وفريق عمل المركز التربوي ونقابة التعليم الخاص وروابط التعليم الرسمي ومديرو مؤسسات تعليمية خاصة وتلامذة من مدارس رسمية وخاصة ونقابات قطاعية وسوق العمل ومنظمات الامم المتحدة ولجان الاهل وغيرها من الفعاليات التي تمّت دعوتها.

جابر اعتبر أنّ القفز خلال الجلسات من مناقشة بعض النقاط المحورية والجوهرية التي تحتاج إلى إجماع وطني خلق نوعاً من الريبة عند البعض ودفع لرفع إصبع الاتهام حول خفايا وخبايا معدّة وتوجهات معلبة مسبقًا لفرض مناهج لا تلبي متطلبات الإجماع الوطني، خصوصًا أنّ الهاجس متواجد أساسًا نتيجة الاستعانة بخبرات أجنبية كمنظمة اليونسكو من جهة، وتمويل المشروع من قبل البنك الدولي من جهة أخرى، باعتبار أن "من يدفع يأمر".

فيما الإيجابية برأيه تمثّلت في انطلاق ورشة تطوير المنهاج بحدّ ذاتها، معتبرًا إيّاها أمرًا ضروريًا، وتشكل بارقة أمل لاعادة بناء ملمح المواطن المتمتع بالمواصفات الوطنية والعصرية والرقمية الضرورية.

الهواجس: المواطنة العالمية والسلام العادل والاعتراف بالآخر!

من الأمور التي أثارت الهواجس وفق جابر التركيز على قضايا قد تجعل من تسلل المنهج الخفي أمراً سهلاً كالمواطنة العالمية التي شدّدت المسودة الأولى على دمجها مع المواطنة المحليّة، ثم تمّ تعديل النص في المسودة الثانية، فضلاً عما يسمى "قضايا السلام العادل" والاعتراف بالآخر، وغيرها من القضايا التي يعتبر البعض أنّها قد تمس بجوهر الهويّة الوطنية التي أراد الدستور حمايتها، وتفتح الباب أمام عولمة المتعلّم وتحويله لمواطن عالمي قبل أن تتحقق فيه ملامح الشخصية المواطنية المحلية.

تدخل الجهات الأجنبية

وما زاد من حدّة الهواجس على ما يقول جابر هو أنّ المراجع المعتمدة في الوثيقة جاءت جميعها باللغة الأجنبية وقد تضمنت عددا كبيرا من دراسات البنك الدولي واليونيسف واليونيسكو مقارنة مع المستندات اللبنانية (مستندان رسميان)، اذ يتبيّن لنا مثلاً بمجرد الضغط على الرابط الخاص بالدستور اللبناني في لائحة المراجع، يأتي تحميله بالنسخة المترجمة إلى الإنكليزية، وهذا ما يعزز فرضية تدخل الجهات الأجنبية في كل شاردة وواردة.  

ومن الهواجس التى يثيرها البعض: لماذا لم تأت الورقة على ذكر المدرسة الرسمية التي تعد أكثر القضايا الحاحاً للتطوير كما أرادته وثيقة الوفاق الوطني، خصوصاً أن المدرسة الرسمية تحتاج الى كل الإمكانات اللازمة لها لتنفيذ هذه المناهج بما يضمن تحقيق المساواة التعليمية؟ هل سنكون حينها أمام التصفية الناعمة لهذه المدرسة في وجه الإمكانات التي تمتلكها كارتيلات المدارس الخاصة وأساليبها الدعائية والتسليعية؟

الدستور أسقط بالمظلّة!

ومن الأمور اللافتة يرى جابر أنّ الوثيقة في مسودتها الأولى لم تأت على ذكر الدستور ووثيقة الوفاق الوطني. ففي كل دول العالم يعتبر الدستور أول مرتكزات أيّ خطة أو إطار لبناء المناهج ـ فكيف بنا ونحن في بلد تعدّدي، لم يُلتفت الى ذلك خصوصاً أن وثيقة الوفاق الوطني تضمّنت أمرين أساسين لتحقيق الإصلاح التربوي، الأول يتعلق بالهويّة الوطنية والثاني يتعلّق بتطوير التعليم الرسمي وإعادة النظر في المناهج. ثم نجد لاحقاً أنّ ثلاث نقاط من مقدمة الدستور أسقطت بالمظلّة في مقدمة المسودة الثانية دون أي توظيف جوهري لها في السياقات الضرورية للورقة.

أمور تربوية ضرورية لاعادة النظر في الوثيقة

 في هذه النقطة يلفت جابر إلى أنّ عملية التقويم ليست مكتملة الصورة كما ينبغي على مستوى الإستراتيجيات والتقنيات، اذ نلمس أنّها سترتكز على التقويم التكويني داخل الغرفة الصفيّة (التقويم من أجل التعلّم)، والتقويم التراكمي (تقويم التعليم) كالامتحانات الرسميّة مثلاً.

وسأل: ماذا تغيّر إذًا عن مناهج 1997؟ ماذا عن أنواع التقويم الأخرى الخاصة بالكفايات؟ أين موقع التقويم الواقعي؟ لماذا لم تلحظ الوثيقة التقويم عن بعد طالما أنّ المناهج ستواكب التطوّر الرقمي، وتتّسم بالمرونة خصوصًا خلال الأزمات؟ لماذا لم يتم التطرّق للامتحانات الرسمية في الوضعية الجديدة المفترضة؟ لماذا لم تلحظ الوثيقة أنّ نظام التقويم العتيد سيمكن تلامذتنا من مجاراة الاختبارات الدولية لا سيّما PISA  و TIMSS، وإدراج هذه المسألة ضمن التوجّهات الرئيسيّة الدافعة لتطوير المنهاج؟ ولماذا لم تأخذ الورقة بعين الاعتبار موضوع التعليم التمايزي (الفارقي) المنصف للتلامذة؟

منحة مالية مقابل خسارة أجيال وطنية

وخلص جابر إلى أنّ وضع المناهج التعليمية هو حاجة وطنية ملحة، ولكن في مقابل ذلك يجب أن تكون هذه المناهج واقعية وعلمية، وفرصة جدية لتوحيد اللبنانيين حول قضية أساسية تمس مصير الوطن وبناء أجياله بما يعيد له قوته ومناعته وازدهاره، لا أن تكون مناسبة لزيادة الاختلاف، ولا أن تكون فرصة لتحقيق منحة مالية مقابل خسارة أجيال وطنية متعلّمة نتوخاها أو إجماع وطني ننشده.

بالنتيجة..

يجمع الخبراء على أنّ هناك تسرّعًا في إقرار الإطار العام للمنهاج، والسبب الرغبة في الإفراج عن الأموال المخصصة للإصلاح التربوي في لبنان. وعلى ما يبدو أنّ حلم تغيير المناهج الذي طالما انتظرناه، سيمرّ كصفقة تجاريّة مشبوهة، فالمناهج وفق خبراء التربية والتعليم مناهج غير قابلة للتنفيذ ومفككة، وتشوبها مفاهيم يمكن أن تضرب الهويّة والسيادة الوطنية، وليس غريبا، فالراعي الرسمي هو "اليونسكو والبنك الدولي"، وبعض تربويين لا يمتلكون الخبرة الكافية، فهل ستتم هذه الجريمة بحقّ التربية والتعليم وطلابهما في لبنان؟ الأيّام المقبلة كفيلة بالإجابة!

وزارة التربية والتعليم العالي في لبنانالتعليم

إقرأ المزيد في: خاص العهد

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة