خاص العهد
حسام تحسين بيك لـ"العهد": للرقابة على كل ما يُنتَج حول تاريخنا أو بيئتنا
محمد عيد
يملك الفنان السوري حسام تحسين بيك تاريخًا فنيًا حافلًا بالابداع والأداء المتكامل والمنوع، حيث بقيت أعماله محفورة في ذاكرة الأجيال السورية والعربية، وقد خص موقع "العهد" الإخباري بهذا اللقاء الذي تناول هموم الدراما السورية وموقفه من الأزمة في البلاد ورؤيته المستقبلية للفن والحياة في سوريا عمومًا.
- ما رأيك بالأعمال الفنية والدرامية السورية المنتجة خلال الأزمة؟ وهل ترى أنها تسلك المسار الصحيح لجهة تقديم الفائدة والمتعة على السواء؟
هناك عدة عوامل من حيث المبدأ. نقول لمن ينتج، إذا كان يحمل همومًا ثقافية وفنية وأحب إحداث نهضة، فهذا ينتج مسلسلًا جيدًا، لأن المنتج وضع في باله فكرة أساسية تقدم منتجًا جيدًا.
أما إذا كان التوجه الأساسي ماديًّا، فهذا سيؤدي إلى تقصير في الإنتاج، بالتالي سيكون المسلسل ضعيفًا حتى لو كانت الكتابة جيدة.
والإنتاج يعني أن نأتي بشخوص المسلسل من دون أن "نسترخص"، وأن نعطي المشهد حقه من دون أن تكون هناك "تعكيزة" بالعربي الدارج لأن كل هذا يؤثر على المسلسل.
هناك مسألة مهمة جدًا وتعتبر الشركات محقة فيها وأنا لا ألومها، وتتمثل في إيجاد صعوبة في التسويق، بحيث إن المنتج لا يستطيع أن يدفع مئات الملايين وفي نهاية المطاف يتحول المسلسل إلى علب موضوعة على الرف علمًا أن الاستمرارية ترتبط بالتسويق.
- والحل برأيك؟
هناك حل، فمصر اعتمدت حلًّا على اعتبار أن لديها ما يفوق الثمانين محطة، ولبنان لديه العديد من المحطات، والحل عندنا بأن يكون لدينا عدد كبير من المحطات، فلا تعوّل الشركات كثيرًا على السوق الخارجية في ظل قدرتها على بيع محطاتها محليًا. هذا جزء من الحل، والجزء الآخر الذي أراه مهما يلخصه المثل القائل: "خلي العسل بكوارو حتى تجي أسعارو". إما أن لا نقوم بالانتاج وإما أن لا نبيع مسلسلاتنا بالرخيص، فعندما تبيع بمبلغ قليل يصبح (هذا سعرك ومستواك) ولو قمت فيما بعد بإنتاج مسلسل أفضل فسيعاملونك بتسعيرة العمل الأقل.
- هل يريبك المال الخليجي الذي كان يقوم بإنتاج الأعمال السورية؟
في السابق أشرت إلى هذا الموضوع في أكثر من لقاء، كل من يريد أن ينتج عملًا يخص تاريخنا أو بيئتنا يجب أن تكون عليه رقابة شديدة وإذا خالف هذه الرقابة يجب أن يلاحق قضائيًا. لا نعرف كيف يأتي أحدهم من الخارج لينتج عملًا تاريخيًا بغرض تمرير لقطة أو مشهد. لا يحق لأحد أن يكتب التاريخ كيفما شاء ويسوقه كيفما شاء.. في تاريخنا يوجد انارات مشرقة كثيرًا فلماذا يتم تسليط الضوء على السلبيات؟
شعبنا مثقف تاريخيًا وأستطيع أن أريك صورًا لمدارس سورية في العام ١٨٨٠ حيث كان يوجد مثقفون ومثقفات وسياسيون وشعراء وشاعرات.
نساؤنا لسن ثرثارات ولا يقمن بالمكائد كما تصوّرهن الدراما، وأنا أسأل الكُتّاب الذين يصورون البيئة بهذا الشكل: هل يعون أنهم يتحدثون عن أجدادهم وجداتهم وأمهاتهم وأمهاتنا وأجدادنا وجداتنا؟ لو كان أبوه هكذا وجده هكذا (يلبس كسرية وخنجره على خصره ومين ما حاكاه يمد يده عليه) ما كان هو ليصبح كاتبًا! النساء السوريات كنّ مدبرات، فقد يجتمع في البيت العربي أحيانًا ثلاث أو أربع عائلات لتشعر بالبيت وكأنه دولة صغيرة تديرها المرأة بكل أريحية. مع كل أسف فإن البيئة السورية تم تصديرها للخارج وللشباب العربي كما تم تصويرها في التلفزيون. نحن لسنا كذلك لقد تم تصوير بيئتنا بشكل مشوه.
- هل يمكن أن تكتب الدراما السورية عن أزمة لم تنته بعد؟ بمعنى كيف يمكن أن توثق لصورة لم تكتمل؟
أنا لست مع كل من كتب عن الأزمة، فلا يجب أن نعيش في آلامنا بل يجب تجاوزها لأننا شعب يريد أن يعيش. لا اريد أن تعاد مشاهد القتل والذبح والعذاب اليومي الذي يعانيه الناس يوميًا عبر مسلسل. أنا ضد هذا الأمر، هذا يمكن الوصول إليه لاحقًا. يجب أن تدفعنا الأفكار للانتصار على ما حولنا، وهذا أمر مهم، ولكن لا يجب أن نقدم أعمالًا تضعف شخصية المواطن الذي يعاني في الأصل، فلا يزيد عليه المعاناة بل يوصل إليه الرسالة حول كيفية تجاوز هذه المعاناة وهذا أمر يحصل بشكل اوتوماتيكي ولولا ذلك لما استمرت سوريا ولما استمر الشعب السوري الرائع والمحبوب في الوطن العربي لأنه عروبي بحقيقة الكلمة.
انا عندما اشتركت في فيلم سينمائي حول الأزمة لم أكن أمثل، بل كنت أبكي في الحقيقة، وعندما مثلت في أحد شوارع حمص التي كانت عامرة بالحياة وتحولت بفعل الحرب إلى كتل من الدمار بعد أن كان هذا الشارع عامرًا بالحيوية والناس الجميلة والمحلات الزاخرة والفرح، تملّكني الحزن وغلبتني دموعي وتأثرت كثيرًا.
أنا لا أحب العودة إلى هذه الذاكرة، لا أريد أن أتذكر الآلام بل أريد الأمل الذي يمنحني القوة لأن الحياة مستمرة. صحيح أن "الدنيا تكالبت" علينا كلها ولكننا انتصرنا، كان ذلك عبارة عن إعجاز حصل بهمة أناس أصحاب ضمير وشرف وقيم ساعدونا ووقفوا معنا في حربنا، وكل الشكر لهم. نحن نحتاج إلى قوة والشعب السوري قوي لذلك بهذه المساعدة استطاع أن ينتصر وأبهر الجميع بهذا الانتصار.